سكان أكثر وميزانية أقل.. كيف همشت حكومة الكاظمي مناطق السنة بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم الدمار الذي لحق بها أثناء الحرب ضد "تنظيم الدولة"، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من النازحين، فوجئت محافظات السنة في العراق بتوزيع الحصص المالية بموازنة 2021، بشكل فيه ظلم وغبن للمدن ذات الغالبية السنية.

ورغم أن الموازنة تقسم بناء على التعداد السكاني للمحافظات، لكن حكومة مصطفى الكاظمي، أرسلت الموازنة إلى البرلمان خلافا لذلك، وسط اعتراضات شديدة من ممثلي محافظات السنة الذين أكدوا أنها "تهمّش ويعاقب سكانها".

"عقوبة جماعية"

الموازنة المالية التي وصلت البرلمان، أظهرت تخصيصات قليلة جدا ولا تتناسب مع التعداد السكاني للمحافظات السنية (نينوى، الأنبار، صلاح الدين)، إذا ما جرت مقارنتها بالمخصصات المالية للمحافظات الشيعية (ميسان، كربلاء، النجف، واسط، المثنى)، حسبما أفادت اللجنة المالية بالبرلمان.

وقال عضو اللجنة المالية بالبرلمان جمال كوجر، خلال تصريحات صحفية مطلع يناير/ كانون الثاني 2021 إن "محافظة نينوى موازنتها 436 مليار دينار (298 مليون دولار) وخصص للأنبار 267 مليار دينار (183 مليون دولار) وصلاح الدين 214 مليار دينار (146 مليون دولار)".

أما المحافظات الشيعية، يضيف النائب كوجر فإن "حصة محافظة ميسان من الموازنة تبلغ 622 مليار دينار (426 مليون دولار) وواسط 769 مليار دينار (526 مليون دولار) وكربلاء 789 مليار دينار (540 مليون دولار) وكلها تقريبا ضعفي موازنة المحافظات السنية".

وطبقا للدستور، فإن تقسيم الموازنة العامة بين المحافظات يجب أن يجري على أساس النسب السكانية، فمحافظة نينوى نسبتها السكانية 10.6 بالمئة من سكان العراق التي تصل إلى 40 مليون نسمة، أي أنها تستحق نفس النسبة من الموازنة العامة للبلد.

وتبلغ موازنة العراق لعام 2021، المقدمة للبرلمان 150 تريليون دينار (102 مليار دولار) بعجز يقدر بنحو 63 تريليون دينار (43 مليار دولار).

وتعليقا على الغبن الذي لحق بالمحافظات السنية وتحديدا محافظة نينوى التي يتجاوز سكانها 4 ملايين نسمة، دعا النائب عن المحافظة محمد إقبال الصيدلي في تغريدة على تويتر في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، إلى رفض الموازنة وردها للحكومة لإعادة تخطيط فقراتها وتدوير الأموال المخصصة لعامي 2019 و 2020 للمحافظات.

‏الصيدلي شدد في تغريدته على أن "موازنة أساسها المزاجية وأعمدتها المصالح وسقفها التهميش لا خير فيها وإرجاعها للحكومة لتعيد النظر فيها أولى من تمريرها".

وقبل ذلك، أكد الصيدلي خلال بيان صحفي مطلع يناير/ كانون الثاني 2021، قائلا: "لن نصوت على موازنة عوراء تهمّش نينوى ولن نسمح للحكومة بالاستمرار في سياسة العقوبة الجماعية وحرمان نينوى من استحقاقاتها".

"نظام طائفي"

ورغم أن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي يحمل خلفية فكرية ليبرالية بعيدة عن الأيديولوجية السياسية التي يعتنقها أسلافه من رؤساء الحكومات العراقية منذ عام 2003، الذين ينتمي جلهم إلى الأحزاب الدينية الشيعية، إلا أن البعد الطائفي في موازنة 2021 لا يزال حاضرا.

وتعليقا على ذلك، قال السياسي عبد الكريم عبطان الجبوري، لـ"الاستقلال": "السنة ومناطقهم ليسوا مهمشين في هذه الموازنة فقط، وإنما مهمشين منذ عام 2003 وحتى اللحظة، فهم لم يشاركوا في القرار الأمني والسياسي، ووجودهم بالحكومات عبارة عن مشاركة رمزية وصورية لا تستطيع تقديم شيء".

الجبوري أوضح أن "المناطق السنية تمر بأزمة حقيقية لا سيما أن هذه المدن أهلها مشردون ونازحون وبيوتهم مدمرة، كذلك فيها معتقلون ومغيبون، لكن الحال وصل بنا إلى الخجل في التكلم عن تلك المناطق والظلم الذي لحق بها، ورغم وجودنا في الدولة لكننا لا نستطيع انتشال أهلنا من الكارثة الكبيرة".

ورأى الجبوري أنه "من المفترض على الوزراء السنة وعددهم 5 في الحكومة عدم الموافقة على مثل هذه الموازنة التي همشت المناطق السنية، فالمبالغ المخصصة لا تكفي لإعادة ربع النازحين، فالبيوت لا تزال مدمرة جراء المعارك ضد تنظيم الدولة والجثث حتى اليوم تحت الأنقاض".

وأشار إلى أن "القضية ليست متعلقة برئيس الحكومة، وإنما بالنظام السياسي البائس الذي بني على أساس طائفي أتت به الولايات المتحدة، فيفترض أن يكون في الموازنة حق وعدل وإنصاف لجميع العراقيين، وتعطي خصوصية للمناطق المتضررة من تنظيم الدولة".

وشدد الجبوري على أن "وضع السنة لم يتغير بتغير رئيس الحكومة وإن اختلفت الخلفية الفكرية لرئيس الوزراء. وإذا استمر الحال بالتهميش وتغييب أبنائهم فعلى السنة الذهاب إلى إنشاء إقليم وبناء دولة شبيهة بإقليم كردستان العراق".

وتوقع السياسي العراقي أنه "رغم الاعتراضات على الموازنة من النواب السنة في البرلمان، لكن الحلول ستكون ترقيعية، فهي لم تراع التعداد السكاني رغم الكارثة الإنسانية التي حلت بالمناطق السنية جراء تنظيم الدولة وحرب الأرض المحروقة".

تهميش متواصل

ومع أن حكومة الكاظمي منحت الثقة من البرلمان في مايو/ أيار 2020، فإنها والحكومة التي سبقتها برئاسة عادل عبد المهدي، لم تقدمان موازنة عام 2020 للتصويت عليها في البرلمان، وبالتالي لا تعرف التخصيصات المالية للمحافظات.

لكن موازنة 2021 لم تكن هي المرة الأولى التي تهمش فيها المحافظات ذات الغالبية السنية في الموازنة العامة للبلاد، فقد أثار رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، غضب سياسيين سنة بسبب "تهميش" المحافظات ذاتها في موازنة 2019 التي قدمها للبرلمان.

وأبدى في حينها مسؤولون ونواب عن المكون السني اعتراضهم، على "الغبن والتهميش" الذي تسير عليه الحكومات المتعاقبة في التعامل مع المحافظات ذات الغالبية السنية رغم تعرضها للدمار بشكل كبير، لاسيما في نينوى.

وفي أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، صرح محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي  قائلا: "الدستور يقسم الموازنة العامة بين المحافظات على أساس النسب السكانية، فمحافظة نينوى نسبتها السكانية 10.6 بالمائة من سكان العراق، أي أنها تستحق نفس النسبة من الموازنة العامة للبلد".

وأضاف أن "محافظة نينوى (مركزها الموصل) تعتبر ثاني محافظة من حيث السكان، والبصرة (ذات غالبية شيعية) أيضا تتقارب معها بنسبة السكان، والذي وجدناه  في الموازنة هو أن نسبة المحافظة أقل بكثير من المحافظات الأخرى".

وأوضح النجيفي أن "محافظة المثنى (ذات غالبية شيعية) التي تمثل ثلث سكان نينوى، كانت ميزانيتها ضعف ما خصص لمحافظة نينوى، أما البصرة التي تساويها بعدد السكان، فكانت موازنتها 10 أضعاف ما حصلت عليه نينوى".

ولفت إلى أن "هذا يدل على خلل كبير ومخالفة دستورية في تقدير الميزانية لمحافظة نينوى"، لافتا إلى أن "السبب يعود إلى أن كل مجموعة سياسية تسعى لإرضاء محافظتها، وهذا ليس جديد في الوضع بالعراق".

وتشكل الموازنات المتعاقبة منذ اجتياح "تنظيم الدولة" للمحافظات ذات الغالبية السنية عام 2014 صدمة كبيرة لأهالي تلك المحافظات التي اكتوت بنيران الحرب على "تنظيم الدولة" طيلة 3 سنوات.

وتمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة على كامل الأراضي بعد 3 سنوات من سيطرة "تنظيم الدولة" على محافظات نينوى والأنبار وأجزاء من ديالى وصلاح الدين وكركوك، وكلها مدن ذات الغالبية السنية.

وأعلنت الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول 2017 أن نسبة الأضرار كبيرة في المحافظات التي تم استعادتها من "تنظيم الدولة"، لا سيما محافظة نينوى (ومركزها الموصل) حيث قدر حجم الدمار في الجانب الأيمن منها بنحو 80 بالمئة.