لوموند: فتح أرشيف الإبادة الفرنسية برواندا يدخل مرحلة حاسمة

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن مجلس الدولة أذن للباحث فرانسوا غرانر بالاطلاع على الوثائق التي أودعها الرئيس الأسبق الراحل فرانسوا ميتران في الأرشيف الوطني حول الإبادة الجماعية التي ارتكبتها باريس في رواندا.

وفي 23 يونيو/حزيران 1994، أطلقت فرنسا عملية "الفيروز"، بهدف إنشاء منطقة آمنة لحماية اللاجئين في جنوب غرب رواندا، لكنها بدلا من إعاقة الإبادة الجماعية، قدمت الأسلحة والعتاد للمتطرفين من جماعة الهوتو.

وتمكن الجيش التابع للجبهة الوطنية الرواندية بقيادة باول كاغامي، رئيس البلاد الحالي، من السيطرة على كيغالي وبوتاري في 4 يوليو/تموز 1994.

وفي 17 من الشهر ذاته، أعلن الجيش إحكام سيطرته على كامل البلاد تقريبا، وسقط نتيجة الأحداث التي استغرقت حوالي 3 أشهر، 800 ألف شخص وفقا للأمم المتحدة، في حين تقول مصادر رواندية رسمية، إن عدد الضحايا تجاوز المليون من التوتسي والهوتو.

وتساءلت "لوموند" في هذا السياق: "هل يمكن اتهام الفاعلين السياسيين والعسكريين الفرنسيين بالتواطؤ في هذه الإبادة الجماعية؟" مجيبة: "بمرور الوقت، تصدعت آليات تبرير هؤلاء المسؤولين وإنكارهم، بينما تقدم العمل التّأريخي بلا هوادة".

أسرار تنكشف

في يونيو/حزيران 2020، وبعد 5 سنوات من الإجراءات، أذن مجلس الدولة للباحث غرانر بالاطلاع على الوثائق التي أودعها الرئيس آنذاك، ميتران، في الأرشيف الوطني، كما تم قبول طلبه لنشر كتاب عن سياسات الرئيس وسط إفريقيا.

وذكرت الصحيفة أن "صناديق الوثائق كانت مغطاة من حيث المبدأ ببروتوكول لا يسمح بفتحها للجمهور إلا بعد 60 عاما من نهاية مدتها الثانية البالغة 7 سنوات". 

فيما قالت المحكمة الإدارية العليا، التي ألغت قرارين سابقين لوزارة الثقافة في فرنسا، إنه "يجب أن تكون حماية أسرار الدولة بالتوازي مع مصلحة إعلام الجمهور بهذه الأحداث التاريخية".

وفي الصناديق، التي تم تسريب جزء من محتواها بالفعل، برقيات دبلوماسية، ملاحظات موجهة للرئيس، ملخصات عن الوضع في رواندا، ملاحظات مكتوبة بخط اليد من مستشارين في الإليزيه،... تكشف هذه المحفوظات أيضا عن أفكار شخصية لميتران وكبار المسؤولين. 

هذه ليست مصادر شاملة، بعيدا عن ذلك، لكنها وثائق تلقى اهتماما واضحا لدى العامة، بعد أكثر من 26 عاما على الإبادة الجماعية، وفق الصحيفة.

وخلال صيف 2020 وفي ظل ظروف معينة -على سبيل المثال، من المستحيل التقاط المستندات أو تصويرها- تمكن غرانر من الانغماس فيها، قبل إرسال الملخص الأول لصحيفة "لوموند".

وقالت لوموند إن مصير أرشيفات الإليزيه في رواندا هو "بحد ذاته سلسلة تلفزيونية".

وأضافت "هذه السلسلة تروي عناد عدد قليل من الباحثين والمعارضة المنهجية لحراس معبد ميتران، رافضين فضح جميع جوانب سياسة فرنسا في رواندا".

وتابعت: "عنادها في دعم نظام الهوتو العسكري والحماية الممنوحة لقادته، وغموضها بقدر أكاذيبها منذ 1990 حتى وقعت مذبحة راح ضحيتها ما يقرب من 800 ألف من التوتسي، بين أبريل/نيسان – يوليو/تموز 1994".

رفع جزئي

وقال الأمين العام للإليزيه هوبرت فيدرين، بين عامي 1991 و1995: "إنني في حيرة من أمري بشأن مسألة المحفوظات الخاصة برواندا، وكذلك بشأن الحماية العامة للمحفوظات الرئاسية والوزارية".

فيما يتعلق بالنقطة الأولى، أوضح فيدرين "أود أن أذكر بأن فرنسا هي أكثر الدول التي فتحت أرشيفها"، وبالنسبة للثانية، فإن قرار مجلس الدولة "يطرح مشكلة، فيما يتعلق بالبيانات الشخصية والأمن القومي".

الفيزيائي ومدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، غرانر هو أيضا عضو في جمعية "سيغفاي" (منظمة البقاء على قيد الحياة) التي تنتقد بشدة سياسة فرنسا الخارجية في إفريقيا.

وقد خصص كتابين للدور الذي لعبته فرنسا في رواندا: "السيف والمنجل، الضباط الفرنسيون والإبادة الجماعية للتوتسي (Tribord، 2014)" ثم "الدولة الفرنسية والإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا (Agone، 2020)" وهو كتاب مشترك مع رفائيل دوريدانت.

وقالت الصحيفة: إنه "كجزء من عمله، شرع غرانر في معركة قانونية حساسة، شملت عشرات الخطوات، للوصول لأرشيف الإليزيه في تلك الفترة".

وفي 2015، وافق الرئيس السابق فرانسوا هولاند على رفع السرية عن جزء منه، في إطار الكشف تدريجيا أو ما يعرف فنيا بـ"إيماءة ترمبلوي"، وقد تم بالفعل تسريب العديد من الوثائق.

أما بالنسبة للآخرين، فهم ما زالوا يعتمدون على حسن نية شخص واحد، الوكيل الحصري لصندوق ميتران، دومينيك بيرتينوتي، الذي يمكنه منح الإعفاءات أو رفضها دون مبرر.

ووفقا لمصطلح الحماية القانونية، كان من المستحيل فتح الصناديق قبل عام 2055، لكن في المحكمة، تمكن غرانر من رفعها بفضل ظرفية سياسية ملائمة.

لفتة قوية

وفي أبريل/نيسان 2019 ، وقبل يومين من إحياء الذكرى السنوية الـ25 للإبادة الجماعية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالفعل عن خطوة غير مسبوقة.

 هذه الخطوة، هي تشكيل لجنة مؤلفة من 8 باحثين ومؤرخين، برئاسة فنسنت دوكلرت، وريمون آرون الباحث في مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية (EHESS-CNRS) والأستاذ في معهد العلوم السياسية، وتتمثل مهمتها في "تحليل دور والتزام فرنسا خلال هذه الفترة"، وفقا للإليزيه. 

هذه اللجنة لها حق الوصول إلى جميع الصناديق الأرشيفية المتاحة، التابعة لجميع الإدارات المعنية في ذلك الوقت - بما في ذلك تلك الخاصة بفرانسوا ميتران، الذي توفي قبل 25 عاما، والذي سيتم الاحتفال بذكراه خلال عدة احتفالات تذكارية عام 2021. 

لكن تشكيل اللجنة أثار جدلا منذ إطلاقها، بسبب تهميش اثنين من المتخصصين البارزين في رواندا، ستيفان أودوان - روزو وهيلين دوماس، ثم مع رحيل مثير للجدل للمؤرخة جولي داندورين، مؤلفة كتب جدّ مؤيدة لأعمال الجيش الفرنسي، خاصة أثناء عملية "الفيروز".

وقالت الصحيفة إنّه مع ذلك، فهي "لفتة قوية قام بها ماكرون، باسم الشفافية، يُظهر استعداده للتغلب أخيرا على الدعوى الثقيلة التي سمّمت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا ورواندا وكان لها تأثير رهيب على سمعة القوة الاستعمارية السابقة في إفريقيا". 

وأضافت أنه "رغم تعطل أجندة السفر بسبب جائحة كورونا، لا يزال ماكرون يأمل في الذهاب إلى كيغالي عام 2021".

الطريقة التي يتعامل بها ماكرون مع التقرير المقرر نشره في أبريل/نيسان المقبل، والكلمات التي اختارها للتعليق على استنتاجاته، "قد تسمح له بترك بصمة رئيسة على سياساته التذكارية".

وقالت الصحيفة على لسان رئيس اللجنة، المؤرخ فنسنت دوكليرت: إن "التقرير سينشر على الملأ فورا وسيكون متاح المصادر بالكامل". 

وأضافت أنه "من الواضح أن النص لن تتم إعادة قراءته بشكل مُتوجس من قبل قصر الإليزيه ولن يتم تقديم طلب من هذا النوع إلى اللجنة المستقلة تماما: هذه هي طريقة عمل الباحثين الذين يشكلونها".

وختمت "لوموند" تقريرها بالقول إن "الهدف الثاني الذي أوكل إلى المؤرخ، هو أن يدعم من خلال عمله فتحا واسعا للأرشيف الخاص برواندا والإبادة الجماعية للتوتسي، وأنه بذلك سيسير على الطريق الصحيح".