بأمر مباشر.. ما خفايا إسناد السيسي مشروع القطار السريع لشركة ألمانية؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكد يفيق المصريون من وقع صدمة تصفية شركة "الحديد والصلب" في حلوان، في 12 يناير/ كانون الثاني 2021، بعد 67 عاما من العمل والإنتاج لصرح صناعي كبير، حتى صدمهم نظام عبد الفتاح السيسي بقرار أشد وقعا وإثارة للجدل.

14 يناير/ كانون الثاني 2021، شهد إعلان السيسي، إنشاء منظومة للقطار الكهربائي السريع، تنفذه شركة "سيمنز" الألمانية بطول 1000 كيلومتر، وبتكلفة تقدر بنحو 360 مليار جنيه نحو (23 مليار دولار)، ليربط مدنا جديدة في الصحراء، ويمر بعيدا عن حزام الوادي والدلتا الذي يقطنه ما يقرب من 100 مليون.

"التنفيذ فوري"، ولمدة عامين، وفقا لتصريحات مؤسسة الرئاسة لأحد خطوط المشروع الذي يربط مدينة "العين السخنة" المطلة على ساحل خليج السويس بالبحر الأحمر (شرق)، ومدينة "العلمين الجديدة" بالبحر المتوسط (شمال غرب)، مرورا بـ"العاصمة الإدارية الجديدة" (60 كيلومترا من القاهرة)، فيما يبلغ عدد محطات القطار 15 محطة، بطول 460 كيلومترا.

السيسي، وخلال استعراضه مجسم للمشروع، مع رئيس "سيمنز"، جو كايسر، قال إن خط القطار الكهربائي الجديد سيمثل إضافة كبيرة لمنظومة شبكة النقل في مصر، سواء لحركة الأفراد أو تسهيل التجارة، فيما شكك مراقبون وخبراء في أهمية المشروع وجدواه الاقتصادية.

بالأمر المباشر

لشركة "سيمنز"، باع كبير في مصر حيث فازت، في يونيو/ حزيران 2015، بأكبر عقد منفرد تحصل عليه في تاريخها، لبناء 3 محطات عملاقة لتوليد الكهرباء بمدن "العاصمة الإدارية"، وبني سويف (جنوب)، والبرلس (شمال)، بتكلفة 8 مليارات دولار، افتتحها السيسي في يوليو/ تموز 2018، فيما تم عرضها للبيع لشركات عالمية لاحقا.

مراقبون أكدوا أن الشركة الألمانية هذه المرة حصلت على حق تنفيذ مشروع القطار السريع، لكن بمبلغ كبير (23 مليار دولار)، فاق ما تم إعلانه قبل أشهر حول تكلفة المشروع (9 مليارات دولار) فقط.

المراقبون أشاروا إلى رفض سابق لعرض "سيمنز" ضمن تحالف عالمي في مناقصة حول المشروع في أيلول/ سبتمبر 2020، ليتم تكليفها بالتنفيذ منفردة بعد 4 أشهر، ما يثير التساؤلات والتكهنات.

وبالبحث في القصة وجد أنه تم الإعلان عن فوز التحالف المصري الصيني "سامكريت- الهيئة العربية للتصنيع - ccecc- crcc"  في أيلول/ سبتمبر 2020، بتنفيذ مشروع القطار السريع العين السخنة - العلمين، بطول 543 كيلومترا، وبسرعة 250 كيلومترا وبتكلفة تقدر بـ 9 مليارات دولار، وفقا لصحيفة "المصري اليوم".

حينها أعلنت اللجنة العليا للإشراف على مشروع القطار السريع (العين السخنة /العاصمة الإدارية الجديدة / أكتوبر / برج العرب / الإسكندرية / العلمين)، أنها انتهت من العرض الفني باختيار عرض التحالف المصري الذي تقوده ccecc الصينية.

وأكدت أنه تقدم للمناقصة 9 تحالفات عالمية، وتم تشكيل لجنة عليا من وزارتي الإسكان والنقل لفحص العروض، حيث تمت تصفيتها إلى تحالفين، الأول الذي تم اختياره وهو المصري الصيني، والثاني الذي تم رفضه هو إيفك وchinastate  وcrec من الصين وسيمنز الألمانية وسكك حديد فرنسا وأراسكوم والمقاولون العرب.

الرئيس التنفيذي، لشركة سامكريت التي تقود مع الشريك الصيني التحالف الفائز بالمناقصة المهندس شريف نظمي، أعرب حينها عن سعادته بقبول العرض الفني للتحالف، مؤكدا لـ"المصرى اليوم" تصنيع عربات القطار بمنطقة شرق بورسعيد الصناعية عبر شركة "نيرك" التي ستبني مصنعا لهذا الأمر، ونقل تلك التكنولوجيا لمصر.

تساؤلات وغضب

إسناد القطار الكهربائي للشركة الألمانية سيمنز، قابله إعلام النظام باحتفاء واسع، ونقل إشادة السيسي بالشركة، وقوله إن "سيمنز تكرر نفس الهدية والعطاء بمشروع القطار الكهربائي"، فيما أثار استياء مراقبين ونشطاء ومعارضين في الداخل والخارج.

الأكاديمي المصري الدكتور عادل دوبان، عبر عن غضبه بتدوينة على فيسبوك قائلا: "هذه الحكومة رغم كوارثها الحالية والسابقة التي جعلت حياتنا سوداء لا أمل فيها، مازالت تستطيع أن تذهلنا بكوارث جديدة ستجعل حياة الأجيال القادمة قاتمة وأكثر سوادا".

وأضاف: "كنت أظن السفه الحكومي بلغ منتهاه بإقامة بطولة العالم لكرة اليد في ذروة تفشي جائحة كورونا، وبتكلفة بلغت 3.7 مليارات جنيه، لكن اتفاق الحكومة الأخير مع سيمنز بمشروع القطار الكهربائي بتكلفة 360 مليار جنيه، أكد أن السفه الحكومي لا حدود أو سقف له".

وتابع: "من البدهيات أن كل مشروع تقيمه الحكومة له جدوى اقتصادية تعود بقيمة مضافة على البلد، لكن غير معروف فائدة مشروع القطار الكهربائي، المناطق التي يبدأ وينتهي منها ليست ذات طبيعة صناعية أو تجارية يمكن أن يستفاد منها فى تعزيز القدرات الصناعية الإنتاجية والتصديرية".

 ولفت إلى أن هذا الخط يمر بمناطق صحراوية غير مأهولة بالسكان، وليست ذات كثافة سكانية عالية تبرر إقامة قطار سريع وبتكلفة فلكية باهظة لا مبرر لها، متسائلا: من يتحمل تكلفة القطار؟، هل ميزانية الدولة المرهقة والمكبلة بديون باهظة؟، ولماذا يتحمل المواطن تكلفة قطار لن يركبه؟.

وأكد أنه كان يمكن بتكلفة القطار الباهظة، إنشاء المستشفيات والمدارس والمشاريع الصناعية الإنتاجية، وتغير من شكل الحياة بقرى ونجوع مصر بالدلتا والصعيد، التي تفتقر لبنية تحتية من محطات مياه وصرف صحي وكهرباء وطرق ممهدة ووسائل مواصلات آدمية.

الناشط والسياسي المصري سمير عليش، أعرب عن غضبه من عدم توجيه تلك المبالغ لإنقاذ  الصناعة المصرية، متسائلا عبر "فيسبوك": "360 مليار جنيه للقطار الكهربائي من الغردقة للعلمين، أم تخصيصهم لإعادة تأهيل: الحديد والصلب، الألومنيوم، والسماد، والغزل والنسيج، أين دراسات الجدوى والاستجوابات؟".

الخبير الاقتصادي خالد أبوشادي، اعتبر القطار الكهربائي "خطوة ممتازة لدعم بنية تحتية متطورة خصوصا لربط المدن الجديدة بالعاصمة الإدارية الجديدة"، لكنه تساءل عن "ماهية التمويل وكيفيته وترتيبه في قائمة الأولويات؟".

وأشار الحقوقي المصري خالد علي، لفرق تكلفة المشروع بين الإسناد للتحالف المصري الصيني والإسناد لسيمنز، من 9 مليارات دولار إلى 23 مليار دولار، متسائلا: "رغم الفارق الكبير  في السعر بين سيمنز والتحالف المصري الصيني، كيف ولماذا فازت به سيمنز؟".

وفي سؤال ثاني قال علي، إن شركة الحديد والصلب بحلوان، ديونها 9 مليارات جنيه فقط، ويتم تصفيتها بزعم عدم القدرة على سداد الدين، متسائلا: ماذا لو تم إشراكها في تنفيذ المشروع لزيادة المكون المصري به كأن تتولى إعداد خطوط السكك الحديدية، وعربات القطارات بتعاونها مثلا مع شركة سيماف (تتبع الهيئة العربية للتصنيع)؟.

وفي الوقت الذي اعتبر الاقتصادي الدكتور نادر فرجاني الأمر عبر "تويتر" بأنه "تملق لأوربا عموما وألمانيا خصوصا واستغفارا لقتل جوليو ريحيني وسجله الفاضح في انتهاك حقوق الإنسان"، تساءل حساب "صابر الربعاوي"، عن وجود علاقة بين القطار الكهربائي وقضية الجاسوس المصري بالمكتب الإعلامي لميركل؟، وهي القضية التي تم الكشف عنها في يوليو/ تموز 2020.

سيادي أم اقتصادي؟

ووجه الخبير الاقتصادي رضا عيسى، تساؤله إلى القائمين على هذا المشروع حول "الجدوى الاقتصادية منه"، مضيفا: "وخاصة في ظل عدم إيمان النظام الحالي بعمل دراسات الجدوى للمشروعات، ما فائدة تدعيم السكة الحديد للساحل الشمالي".

وعبر "الاستقلال"، وجه حديثه لوزير النقل اللواء كامل الوزير، متسائلا: كيف قمت بالموازنة لهذا المشروع؟ لماذا رفضتم تجديد خطوط السكة الحديد القديمة والمترهلة بـ10 مليارات جنيه فقط؟، هل القرار سياسي سيادي أم اقتصادي؟، هل هناك ورش عمل ولجان اجتمعت؟".

وأضاف: "بعيدا عن عدم استفادة سكان الوادي والدلتا من المشروع، فما الفائدة التي تعود علينا من دين كبير كهذا؟، ومن أين تحصل مصر عليه في سنتين؟، هل هناك تسهيلات ائتمانية بضمان الحكومة الألمانية؟ وهل بعد نهاية المشروع نبيعه كما بيعت محطات سيمنز الكهربائية؟".

عيسى انتقد منح شركة سيمنز المناقصة بدلا من التحالف المصري الصيني الذي يضم الهيئة العربية للتصنيع والذي عرض سعرا أقل بكثير، متوقعا أن يكون في القصة جانب سياسي، لإرضاء ألمانيا خاصة بعد الكشف عن وجود جاسوس مصري بالمكتب الإعلامي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في يوليو/ تموز 2020".

ولفت إلى أننا الآن نغلق ملفاتنا السياسية مع أوروبا بعقد صفقات الأسلحة والاقتصاد، مشيرا إلى أنه "ومع قدوم الرئيس الأميركي جو بايدن وتوافقه مع الاتحاد الأوروبي حول ملف مصر الحقوقي قد يسعى السيسي لدق أسفين بينهما باستمالة ألمانيا إلى صفه بهذه الصفقة ومن قبلها فرنسا عبر صفقات السلاح".

عمولات العسكر

وفي تقديره لمدى جدوى المشروع، قال السياسي والبرلماني المصري طارق مرسي: "في ظل حجم الدين الداخلي والخارجي الذي أثقل كاهل الدولة والتهم حاضر المصريين المأزوم ومستقبلهم المجهول، لا يمكن تصور جدوى اقتصادية لمثل هذا السفه، وبالنظر لمشروعات السيسي المتتالية فأي حديث عن جدوى اقتصادية ضرب من الكذب والنفاق لنظام السيسي بكل سقطاته وفشله".

"الاستقلال" سألت عضو لجنة الصناعة والقوى العاملة بمجلس الشورى السابق، هل المشروع فرصة لإنشاء مناطق عمرانية جديدة، ويفيد المصريين؟.

مرسي أجاب مؤكدا أن "المدن التي يمر بها المشروع ليس بها كثافة ولا مراكز ثقل سكانية بل إنها من مستهدفات المظهرية لنظام السيسي والتي يناقض فيها كلامه للمصريين إنهم (فقرا أوي)، فهو مشروع للسلطة وليس للشعب وبذلك تنتفي الحاجة للجدوى الاقتصادية من الأساس".

وأضاف: "مشروع كهذا مديونية جديدة بقيمته (360 مليار جنيه)، ولن يكون أكثر من فشل جديد يضاف لمشاريع السيسي الفاشلة، ولن ينشئ مناطق عمرانية جديدة لأن نظام السيسي لا يستهدف بعاصمته الإدارية إلا مزيدا من الطبقية ولن تستفيد منها إلا الرأسماليين والنخبة إذا جاز التعبير".

وتساءل مرسي: "إذا كنا نريد إصلاحا وتنمية لماذا لم ينفق جزء من المبلغ الرهيب على السكك الحديدية الحالية وهي تربط مناطق التركز السكاني وكلنا يعلم حالتها وظروفها؟"، معتقدا أن "المشروع شو إعلامي لشخص السيسي، وينبغي أن يحاكم من شارك باعتماد المشروع بتهمة إهدار المال العام".

البرلماني السابق قال: "أثبت التاريخ الطويل للعسكر أن التربح من المشاريع جزء من طبيعة تزاوج الفساد والاستبداد، لكن ربما يضاف للعسكر بزمن السيسي أنه غالبا ما يعطي المشاريع بالأمر المباشر لشركات غربية عن أخرى شرقية أو حتى محلية مع فروق رهيبة في الأسعار وربما المواصفات".

مرسي، أرجع هذا الأمر لأسباب عدة "مثل جني عمولات بالمليارات، وحاجة السيسي لشراء شرعية دولية وغض الطرف عن انقلابه بدفع الرشاوى بالمليارات في شكل مشاريع، وقد تكون صفقات قذرة بهدف تهدئة ما أو تبريد لوضع حقوق الإنسان في مصر ولبعض خطايا النظام ومغامراته القذرة كحادث مقتل الإيطالي جوليو ريجيني مطلع 2016".