جيشها يحتكر 80 بالمئة من الشركات.. هذه خطوات كوبا لإصلاح اقتصادها

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة الإندبندنت البريطانية، الضوء على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة في كوبا، البلد الاشتراكي الذي حكمه لسنوات طويلة آل كاسترو.  

وذكرت الصحيفة، في نسختها التركية، أن وزيرة العمل والضمان الاجتماعي الكوبية فيتو كابريرا، أعلنت في حديثها في برنامج "ميسا ريدوندا" الذي تم بثه على التلفزيون الكوبي في يناير/كانون الثاني 2021، أنه سيتم إلغاء نظام رواتب المعلمين ليصبح شبيها بالنظام المطبق في قطاع الأعمال أو نظام بتصنيف مختلف.

وقال الكاتب "أوزغور أويانيك" في مقال نشرته الصحيفة: "غني عن القول أن سياسات التعليم والصحة أهم موضوعين يعكسان الطابع الشعبوي للاشتراكية الكوبية".

لكن يبدو أن هذا يتغير الآن، فكيف يمكن تقييم مؤهلات المعلمين بنفس معايير موظفي الشركة في بلد اشتراكي يهتم بالتعليم، وقبل ذلك كيف يمكن للوزيرة كابريرا أن تتجاهل دور الخبرة في جودة المعلم؟

ويوضح أن "علاوات الأقدمية للمعلمين لم يكن الشاغل الوحيد للوزيرة، بل تكمن القضية الأساسية في تغيير النظام الاقتصادي في كوبا بشكل جذري".

وفي الواقع دخلت كوبا حقبة جديدة اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2020. فقد تم إلغاء تطبيق تداول العملتين في إطار الإصلاحات الداعمة للسوق التي طال انتظارها.

وتابع الكاتب: وهكذا، رفع البيزو القابل للتحويل "CUC"، أحد العملتين المستخدمتين في الدولة منذ 1994 من التداول فيما يواصل البيزو الكوبي "CUP" طريقه كعملة متداولة وحيدة. 

وزاد: "كان البيزو القابل للتحويل نتاجا للأزمة غير العادية في التسعينيات، والتي بدأت مع انهيار الكتلة الشرقية، والتي أطلقوا عليها اسم Periodo especial".

وشرح ذلك بالقول: ففي وقت المجاعة، ألغت الحكومة الكوبية تجريم حيازة العملات الأجنبية لجذب دولارات المهاجرين الكوبيين والاستثمار الأجنبي والسياحة في الولايات المتحدة، وتم إنشاء سوق الصرف (CADECA). 

وهكذا، قدمت الدولة ضمانات موثوقة للأسعار والتكلفة. بفضل هذا، منذ عام 2004، تم تحديد 1 دولار أميركي بسعر 1 CUC و24 CUP بمنع المواطنين الكوبيين من الاحتفاظ بالعملات الأجنبية.

كانت كوبا هي الدولة الوحيدة التي تعمل بنظام نقدي ثنائي في العالم، وكان لا بد من إنهاء هذا الوضع الاستثنائي بطريقة ما. لكن وكما هو الحال في كل تغيير في المسار الاقتصادي، يجب تحليل اتجاه السياسة، ولصالح من سيكون هذا التغيير وكيف ستؤثر على الشعب، يقول الكاتب التركي.

ويضيف: بدأت السياسات، التي وصفت بشكل عام بأنها ليبرالية الاقتصاد الكوبي، في عام 2008 عندما ترك فيدل كاسترو منصبه لراؤول (شقيقه) بسبب مشاكل صحية. 

وفي نفس العام، تم الاتفاق على القيام بتغييرات في السياسات الضريبية، وفتح الشركات الخاصة وموانئ التجارة الحرة. ثم أعلن راؤول كاسترو عن أهدافه لإلغاء نظام العملة الثنائية في عام 2010.

ومع صعود راؤول كاسترو إلى السلطة، جرى السماح بالمشاريع الخاصة ورفع العوائق والحواجز التي تحول دون سفر أصحاب الأموال إلى الخارج. 

توحيد العملة

ووفقا لأويانيك فقد أُعلن عن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا في 17 ديسمبر/كانون الأول 2014.

 وفي أبريل/نيسان 2016، تمت الموافقة على "الإصلاحات" في المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الكوبي، لتأتي زيارة باراك أوباما التاريخية بعد شهر. لكن العلاقات انقطعت في عهد دونالد ترامب وشُدّد الحصار منذ العام الماضي.

وبعد أن أجريت الانتخابات الأميركية الجديدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وأعلن عن النتائج، وتم تأكيد العودة إلى سياسات أوباما مرة أخرى، تم إعلان عن "اتحاد" نقدي بعد أيام فقط من الموافقة على التغيير الإداري في البيت الأبيض.

وفي هذه الفترة تماما، أي من 8 إلى 9 ديسمبر/كانون الأول، عُقد منتدى الأعمال الدولي لكوبا 2020 في هافانا، وحضر الاجتماع رجال أعمال من 90 دولة مختلفة معظمها من الهند والصين وروسيا وإسبانيا. 

وقدم وزير التجارة الخارجية والاستثمار الخارجي، رودريغو مالميركا في الافتتاح، "محفظة فرص" طموحة بقيمة 12 مليار دولار مع أكثر من 500 مشروع، تتركز في السياحة والنفط، يقول الكاتب.

وينوه إلى أن الأهم من ذلك كان إعلان الوزير في هذا الخطاب، انتهاء التزام الدولة بالحصول على حصة الأغلبية في الاستثمارات الأجنبية. فقد كان على رأس المال الأجنبي الذي سيستثمر في كوبا، أن تعطي 51 بالمائة من حصة الشركة التي سيتم تأسيسها للدولة الكوبية في الماضي.

جاء ذلك في قانون الاستثمار الأجنبي لعام 2014 والدستور الوطني الجديد، الذي تمت الموافقة عليه للجمهور في عام 2019. لكن ومن ناحية أخرى، يوفر هذا الدستور الجديد وقانون الاستثمار الأجنبي الإطار القانوني والظروف اللازمة لإحراز تقدم في استعادة الرأسمالية.

وأوضح أنه تم تنفيذ الإصلاحات التي مهدت الطريق للوحدة النقدية اعتبارا من يوليو/تموز من 2020 مثل توفير إمكانية الشراء من البطاقات، وإلغاء ضريبة الدولار، والانفتاح على النقد الأجنبي. 

ويرى أن المحدد الرئيس للعلاقة بين هذه الخطوات التي اتخذت نحو ليبرالية الاقتصاد ودور الدولة هو الشركات الحكومية، والتي يقود معظمها جنرالات "القوات المسلحة الثورية".

التركيز على الاقتصاد

ويعتبر أويانيك أن كوبا وجدت أن الحصار الأميركي يمثل تهديدا مباشرا أكثر من الاحتلال العسكري للإمبريالية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. ولهذا، تم دفع الواجبات العسكرية للقوات المسلحة الثورية إلى الخلفية والتركيز على دورها الاقتصادي ابتداء من هذه الفترة.

وأجرت القوات المسلحة الثورية الكوبية، التي خفضت ميزانيتها العسكرية بنسبة 60 في المائة، آخر تدريب عام لها قبل خمس سنوات.

 وأصبح دور الجيش في الاقتصاد أكثر وضوحا مع راؤول كاسترو، الذي كان القائد العام للقوات المسلحة الثورية لما يقرب من نصف قرن. وتشير التقديرات إلى أن 844 شركة في كوبا تخضع لسيطرة الجيش الملكي.

كما لفت إلى أن وكالة بلومبيرغ الأميركية كتبت في عام 2015 أن (GAESA)التابعة لوزارة الدفاع، تسيطر على 50-80 بالمئة من الشركات في كوبا. وتعمل GAESA في مجموعة واسعة من المجالات من شركات السياحة إلى مكاتب الصرافة، ومن الاتصالات إلى الإنتاج الزراعي، ومن سوق العقارات إلى شركات الموانئ.

ويرى الكاتب أنه "تم الضغط على مفتاح البدء" لاستعادة الرأسمالية التي كانت كوبا تستعد لها منذ وقت طويل. 

لكن من غير المعروف ما الذي ستأتي به هذه المبادرة؛ فخطوات كوبا السابقة لم تعط النتيجة المرجوة. على سبيل المثال، تم تحقيق 1.1 مليار دولار فقط من ميناء مارييل، والذي كان من المتوقع أن يجذب 12 مليار دولار من الاستثمارات.

وتابع قائلا: ووفقا لوزارة التجارة الخارجية، وقعت كوبا ما يقرب من ثلاثين صفقة في مجال السياحة والبناء والتعدين في عام 2020، بقيمة إجمالية قدرها 900 مليون دولار. بمعنى آخر، لا يزال الاستثمار منخفضا ولا تبدو الظروف الدولية مواتية لازدهار الاستثمار الذي تريده البيروقراطية.

بالإضافة إلى أن العلاقة بين العمال وأرباب العمل وتجارة الجملة والتجزئة والتجارة الخارجية والشركات الحكومية ليست واضحة. كما أن هناك العديد من الحواجز أمام تنمية رأس المال كما هو الحال في المجالات الاقتصادية الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة الدولة.

لذلك، يطالب الاقتصاديون الليبراليون بمزيد من المرونة والانفتاح بالإضافة إلى هذه الإصلاحات، حيث يتوقع أن اللوائح التي وضعت دون إصلاح هيكلي في الاقتصاد سوف تسبب البطالة والفقر. 

وبينما تتخذ الدوائر اليسارية في أميركا اللاتينية موقفا محايدا بشكل عام، يزعم البعض أن تخفيض قيمة العملة سيجعل اعتماد الدولة على الدولار الأجنبي مزمنا، وأن الجهود المبذولة لتغيير قيمة العملة بحسب السوق الخارجية ستؤدي إلى زيادة التضخم باستمرار. 

ولا شك في أن هذه الضربة التضخمية ستؤثر سلبا على حياة الشعب الكوبي الذي يعيش 70 بالمئة منه معتمداً على الرواتب.

بل إن البعض أكثر تشاؤما، وهو يعتقد أن هذه العملية لن تؤدي إلى آثار تضخمية فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى تخفيض عنيف لقيمة العملة مما سيؤدي إلى تحطيم ميزانيات الشركات المملوكة للدولة والتي تم إنشاؤها بأسعار باهظة، بحسب الكاتب التركي.

استعادة الرأسمالية

ويشير أويانيك إلى أن البيروقراطية الكوبية تنتهج إستراتيجية لدفع عجلة استعادة الرأسمالية من خلال التفاوض مع الإمبريالية، أي مع الحفاظ على السلطة السياسية والسيطرة على الشركات الرئيسة. 

ويعتقد أن السؤال المركزي هنا هو ما إذا كانت هذه الإستراتيجية ستستخدم في نهاية المطاف بقاء الاشتراكية الكوبية أو استمرار الطبقة السياسية التي تمتلك السلطة.

من ناحية أخرى، فإن "التطبيع" هو تطلع كل من يعيش في كوبا، من قادة الحزب الشيوعي إلى عامة الناس في الشارع، حيث يريد الكوبيون ممارسة السياسة أو الأعمال أو الفن أو العلم بدون حظر.

لهذا السبب فإن استعادة الرأسمالية مرغوبة من قبل الغالبية العظمى من السكان. وقد أظهرت العملية التي شهدت تقدما منذ عام 2008 أن إضفاء الديمقراطية على النظام بخطوات رأسمالية قد هيمن في كوبا.

ويعتبر الكاتب أن جميع التطورات مثل توزيع الأراضي على الشعب لزراعتها، وفتح الأعمال الصغيرة وتوزيع صلاحيات الرئيس على الأجهزة الأخرى مع الدستور الجديد، وتنظيم البلديات كوحدات إدارية منفصلة، نتاج لهذه العملية.

ويختم أويانيك مقاله قائلا: لقد نجت الثورة في كوبا بالتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب لأكثر من نصف قرن. 

ولكن الشعبوية في كوبا تحولت إلى دولة توزع مواردها الشحيحة بأكبر قدر ممكن من العدالة وتترك الباقي لـ "مهارة" المواطن في المرحلة التي وصلنا إليها اليوم.

واستدرك: لهذا السبب يحاول الجميع، من الموظف في المطار إلى بائع التذاكر في المتحف، ومن مكتب البريد إلى موظفي الفندق "إيجاد طريقهم الخاص" بمعنى العناية بأنفسهم، بطريقة ما. 

ويوضح أن انتكاس هذا النظام العاطل والفوضوي يتطلبان تحولا قبل أن تستسلم هافانا، مضيفا "دعونا نأمل ألا تفسد كل هذه التغييرات أصالة كوبا وتحل مشاكلها".