موقع إيطالي: ناريندرا مودي انحرف بـ"أكبر ديمقراطية في العالم" عن مسارها

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع إيطالي أن "أكبر ديمقراطية في العالم"، كما تُعرف الهند في إشارة إلى تعدادها السكاني، تشكو أزمة حقيقية خلال الفترة الأخيرة، تسبب فيها رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

واعتبر  ''لوسبيغوني'' أن "ذلك حدث في وقت انشغل الاهتمام الدولي بأحداث أخرى، وفي مرحلة تاريخية اختبر فيها فيروس كورونا بشدة قوة الديمقراطيات". 

وقال الموقع: إن "مشاهد الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2020، سلطت الضوء على الوضع في الهند، وأحدثت صدمة لبعض الوقت بسبب تراجع الاهتمام بالأوضاع في البلد الآسيوي، ودفعت إلى السؤال عما يحدث". 

وأورد أن "الوضع عاد كما كان من قبل بعودة تركيز الأخبار الدولية على حدث آخر، وصرفت أنظارها مرة أخرى عن الانحراف الديمقراطي الذي تخاطر البلاد بالانزلاق نحوه".

وهكذا تمكن مودي من مواصلة طريقه البطيء والعنيد نحو إنشاء الهند النيوليبرالية والقومية الهندوسية، دون القلق بشأن الاستمرار في الالتزام بالقيم الديمقراطية التي تأسست عليها الدولة منذ استقلالها عام 1947.

وأشار الموقع إلى أن الأزمة احتدت عام 2020، لكنها كانت نتيجة عملية بدأت قبل عدة سنوات، تكثفت منذ وصول رئيس الوزراء الحالي إلى السلطة لأول مرة في 2014. 

سياسات تمييزية

وبحسب الموقع الإيطالي، تشير الخيارات التي اتخذها رئيس الوزراء مودي إلى ماضيه، ويُذكر أنه كان منتميا إلى مجموعة شبه عسكرية متطرفة تحمل اسم منظمة التطوع الوطنية (آر إس إس)، مشبعة بشدة بالقومية الهندوسية، وقد روج مودي لإنشاء دولة هندوسية بعد أن ألهمته أيديولوجية "هندوتفا". 

إلى جانب ذلك، أظهر رئيس الوزراء الهندي نزعة إلى الليبرالية الجديدة الأكثر وحشية بإظهاره التعاطف والتقارب مع المجموعات الصناعية الرئيسة في البلاد.

كما أدى الجهد المبذول لتحقيق النمو الاقتصادي "بأي ثمن" إلى إهماله لغالبية السكان، العاملين في قطاع الزراعة أو في القطاع غير الرسمي، مما تسبب في تردي ظروفهم ووقوع الإضرابات التي شهدتها البلاد مؤخرا.  

وأكد الموقع أن تعاطفه مع التيارات القومية الهندوسية الأكثر تطرفا تُرجم إلى سياسات تمييزية تجاه المسلمين ومواقف أكثر عدوانية تجاه سكان كشمير، بالإضافة إلى خطاب يغذي التوتر والكراهية بين أتباع الديانتين.

وقد نتج عن هذه التوترات، اشتباكات مفتوحة، تسببت في مقتل العشرات كما حدث في فبراير/شباط 2020، ولم تتم إدانة أي متطرف هندوسي.

وتابع الموقع بأن "حكومة مودي تعاملت بطريقة تفتقر إلى الشفافية مع مسألة كشمير، التي لطالما كانت من أكثر المسائل الشائكة بالنسبة للهند".

وفي عام 2019، ألغت الحكومة الوضع الخاص الذي تتمتع به المنطقة دون استشارة الطبقة الحاكمة الكشميرية، التي سبق أن وُضع أعضاؤها رهن الإقامة الجبرية بحجة استعادة النظام، وهو تبرير كررته السلطات الهندية عدة مرات فيما يتعلق بالمنطقة التي تعيش في صراع دائم. 

كما قامت السلطات بقطع خدمات الإنترنت مرارا وتكرارا في السنوات الأخيرة مقارنة بأي بلد آخر في العالم. وهدفت تحديدا في مناطق تعتبرها خطرة بسبب الاضطرابات، التي كانت في كثير من الأحيان مجرد احتجاجات بسيطة، إلى تقييد حرية التعبير في الأوقات التي تكون الحاجة ماسة إليها، وفق "لوسبيغوني". 

تدابير مستبدة

وأردف الموقع الإيطالي بأن إجراءات مجابهة جائحة كورونا، سهلت أكثر في قمع الاحتجاجات، وعلى سبيل المثال، أخلت الشرطة اعتصاما سلميا في مارس/آذار 2020، تم تنظيمه للاحتجاج على تعديل قانون المواطنة الأخير التمييزي ضد المسلمين والأقليات الأخرى، بذريعة التباعد الاجتماعي.

ونوه بأنه "رغم هذه الموجة من الأحداث والتدابير المستبدة، لا يمكن التشكيك في البنية الديمقراطية للبلاد التي لا تزال قائمة، وما يحدث هو الابتعاد التدريجي عن القيم الديمقراطية، من خلال سياسات الهوية والتمييز، وقطع خدمات الاتصال و حملات التخويف المتكررة تجاه الصحافة".

ويحذر الموقع بأن الوضع في الهند اليوم لم يسبق له مثيل، ليس لأن مودي "أنشأ نوعا جديدا وخطيرا من التطرف، وإنما لأن أفكاره لا تحمل أي جديد".

وقد تسللت هذه الأفكار بين السكان منذ سنوات وشكلت أساس الجماعات المتعصبة التي غالبا ما تكون سرية، إلا أنها وجدت أخيرا طريقة لتعلن عن وجودها من خلال المواطن الأول في البلاد. 

ووصف الموقع هذه الأفكار بـ"الغريبة عن الهوية" التي أرادت الهند أن تمتلكها في أعقاب الاستقلال، كما أنها كانت محل مقت ومعارضة من قبل النخب المختلفة والمتعاقبة منذ ذلك الحين إلى عام 2014.

ومع اقتراب نهاية الولاية الثانية لمودي، أكد الموقع أنه سيكون من الصعب مواجهة الآلية التي أطلقها. ولن تتوقف الأصوات التي ظلت خامدة لفترة طويلة، والتي وجدت مع مودي مساحة وطريقة للتنفيذ من خلال السياسة، في إعلان وجودها. 

ونبه الموقع الإيطالي من أن الهند "تخاطر بالابتعاد أكثر فأكثر عن القيم التي تأسست عليها، إذا لم يتم اتخاذ موقف قوي تجاه التصرفات غير الديمقراطية التي شهدتها البلاد في العام الماضي". 

وأظهر تنفيذ الإضراب العام في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نجاح السكان الهنود في تنظيم معارضة للحكومة، لكنه في الوقت نفسه أوضح أن الأولويات مختلفة في الوقت الحالي، لا سيما وأن إجراءات مودي لتحرير القطاع الزراعي؛ خلفت تداعيات سلبية على أكثر من نصف سكان الهند.

وخلص الموقع إلى القول أن "كورونا لم يوفر فقط ذريعة لتنفيذ التدابير التي كان من الممكن وصفها بأنها قاسية، ولكنه لفت الانتباه أيضا إلى قضايا أخرى، مما أتاح الفرصة في الهند، وأماكن أخرى، للعمل بهامش أوسع من المناورة".