Tuesday 19 March, 2024

صحيفة الاستقلال

بعد أحداث الكونغرس.. هل يفرض بايدن الديمقراطية على حكام العرب؟

منذ 2021/01/12 08:01:00 | تقارير
ما فعله أنصار ترامب بتحريض منه لاقتحام الكونغرس لفت الانظار لمخاطر الديكتاتوريين عموما سواء في أميركا أو دول العالم
حجم الخط

أعطى انقلاب الكونغرس وتحريض الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، أنصاره من الغوغاء والمتطرفين الإنجيليين من جماعة "براود بويز" لإفشال الانتقال الديمقراطي للرئاسة، درسا للأميركيين والعالم يبين أهمية الديمقراطية والمؤسسات المستقلة.

أحداث أميركا أثبتت أن الذي يحمي أي نظام ديمقراطي هو استقلال المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية وعدم خضوعها للحاكم، ولولا ذلك لسقطت ديمقراطية أميركا على يد ترامب، وفق مراقبين.

"السيسي الأميركاني"

رفض القضاة الأميركيون 60 دعوى من ترامب وحزبه ضد نتائج الانتخابات، وتصدت مؤسسات الكونغرس ووزارات العدل والدفاع والشرطة لمغامرات الرئيس الساقط في الانتخابات، وانهار انقلاب الفوضويين من أنصار ترامب بعد 4 ساعات.

"غزوة الكابيتول" في 5 يناير/كانون الثاني 2021،  نبهت الأميركيين كذلك لمخاطر صعود القادة غير الديمقراطيين ليس فقط في بلادهم، لكن أيضا حول العالم ممن يلقون دعما من رؤسائهم، وأبرزهم السيسي "ديكتاتور ترامب المفضل"، حسب متابعين.

وفق خبراء، فإن ما حدث بواشنطن يتكرر يوميا في بعض الدول التي تتحالف أميركا مع حكامها الديكتاتوريين، لكن اقتحام الكونغرس نبههم هذه المرة أن وأد الديمقراطية في الخارج قد يكون له تداعيات سلبية على الداخل الأميركي.

قبل 4 سنوات، نبه مقال بصحيفة نيويورك تايمز 20 يناير 2017 بعنوان "السيسي الأميركاني" The American Sisi لاحتمال تطًبع ترامب بديكتاتورية السيسي والسير على خطاه.

"إنه يبدو مثل أحد طغاتنا.. كان خطابه يليق بعبد الفتاح السيسي، جنرالنا الذي أصبح رئيسًا".. هكذا علقت الناشطة المصرية مني الطحاوي على خطاب ترامب حين تم تنصيبه رئيسا لأميركا في المقال.

وعقبت: "لم يكن عجيبا بالتالي أن يسعى ترامب لتشكيل أميركا على غرار ما فعل السيسي، وأن يشيد بالديكتاتور المصري ويعتبره "رجل عظيم"، ويعين عسكريين في كثير من المناصب بأميركا على غرار ما فعل السيسي".

دروس أربعة

حاول ترامب تقويض مؤسسات الدولة في أميركا على مدار 4 سنوات، لكن انتصرت الديمقراطية ورفض نائبه مايك بنس وأغلبية حزبه والقضاة الذين عينهم وجيشه وشرطة وإعلام أميركا الاصطفاف خلفه.

أراد ترامب اتباع خطى السيسي بالانقلاب على مؤسسات الدولة وتدجينها أو تجاهلها، وتحويل بلاده إلى "جمهورية موز" بحسب تعبير الرئيس السابق جورج بوش الابن في 7 يناير/ كانون الثاني 2021، لكن حالت المؤسسات الديمقراطية دون ذلك، وتصدى له الإعلام والقضاء والجيش وأعلن الكونغرس محاسبته والسعي لعزله.

وفق مراقبين، فإن 4 دروس يمكن استخلاصها مما حدث في الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لمصر ودول الربيع العربي، أولها أن المؤسسات السياسية المنتخبة هي المدافع الأول عن الديمقراطية، والانتخابات الحرة، والنخبة السياسية المتمسكة بحل مشكلاتها في إطار من قواعد الدستور والقانون هي الجدار وحائط الصد الأول ضد الديكتاتورية.

وهو ما يفسر تصدي الكونغرس والنخبة في الحزبين الحاكم (الجمهوري) والمعارض (الديمقراطي) لترامب وأنصاره، مقابل إصرار المجلس العسكري والمحكمة الدستورية بمصر على حل مجلسي الشعب والشورى لإبقاء الرئيس المنتخب محمد مرسي بلا مؤسسات ديمقراطية ويسهل الانقلاب عليه، وفق متابعين.

ويفسر أيضا انقلاب العسكر في مصر على من تحالفوا معهم من "جبهة الإنقاذ" بعدما غابت النخبة السياسية الحريصة على الديمقراطية لا مصالحها، وتحالفت مع السيسي، بينما وقف أعضاء ونواب في الحزب الجمهوري الأميركي ضد رئيسهم ترامب لحماية الديمقراطية.

الدرس الثاني وفق المراقبين، يتمثل في أن السلطة القضائية المستقلة هي القادرة على وضع حد لأي خلاف حتى لو كان ذو طبيعة سياسية وهي التي تصدت لانقلاب ترامب على العملية الانتخابية الديمقراطية ورفضت طعونه وحسمت ادعاءات تزوير الانتخابات رغم أنه عين بعض قضاة المحكمة العليا.

الإعلام الحر

أما الدرس الثالث وفق مراقبين هو أن الإعلام الحر الذي يسعى لنقل الحقيقة إلى الشعب، قادر على حماية الديمقراطية، وهو الذي وقف ضد ترامب وكشف ديكتاتوريته، حتى أن قناة فوكس نيوز الموالية له عارضت ديكتاتوريته ووقفت مع الديمقراطية.

وهاجم ترامب وسائل الإعلام لأنها عارضت قرارته ووصفها بـ "الكاذبة"، وقال في مارس/آذار 2019: "نيويورك تايمز، وإن بي سي نيوز، وآي بي سي، وسي بي إس، وسي إن إن ليست عدوا لي، بل للشعب الأميركي، والإعلام لا يخدم الشعب، بل مصالحه الخاصة"!.

وقال المراقبون إن الدرس الرابع يتلخص في أن الجيش الوطني ينبغي ألا يكون له علاقة بأي صراع سياسي، وولاؤه للشعب والدستور فقط، كما فعل الجيش الأميركي الذي أعلن أنه ملزم بتنفيذ نقل السلطة للرئيس المنتخب ولا علاقة له بأي صراعات، بينما حرك جنرالات جيوش عربية الجيش لصالحهم واستغلوه في انقلابات للوصول لكرسي الحكم والدفاع عن أنظمة وأشخاص انقلابيين وليس عن دولة وشرعية رئيس منتخب.

ظهر الفارق شاسعا بين المؤسسات المنتخبة في أميركا ومؤسسات الدولة العميقة التي تدين بولائها للحاكم، عندما حاول سياسيون وإعلاميون عرب تحميل الديمقراطية سبب الفوضى وعدم الاستقرار الذي شهدته أميركا والكونغرس.

مقالات وتغريدات وحوارات تلفزيونية انتشرت في دول الثورة المضادة محورها الشماتة في أميركا لأنها ناصرت الربيع العربي، والسخرية من ديمقراطيتها، بينما هدفها التشكيك في "الديمقراطية" عموما، لإثبات أن الديكتاتورية هي التي تأتي بالاستقرار، حسبما قال خبراء لموقع "دويتش فيله" في 8 يناير/كانون الثاني 2021.

"وجد هؤلاء في فوضى الساعات الأربع التي جرت في محيط وأروقة الكونغرس، فرصة لتبرير ما تمارسه أنظمة دول الشرق الأوسط من استبداد وقمع وتلاعب بإرادة شعوبها، ولتيئيس الناس من المسار الديمقراطي"، حسبما يقول سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية في مقال بصحيفة "الشروق" الإلكترونية في 9 يناير/كانون الثاني 2021.

أولويات بايدن

ما فعله أنصار ترامب بتحريض منه لاقتحام الكونغرس لفت الأنظار لمخاطر الديكتاتوريين عموما سواء في أميركا أو دول العالم، وربما يغير أولويات إدارة بايدن التي قيل إنها تميل نحو القضايا الداخلية أولا، ويحول اهتمامها لوأد الديكتاتوريات العربية بشكل أكبر.

هناك احتمال آخر أن يعاود بايدن – بتأثير ما حدث في أميركا- لإعادة طرح خطط أميركا لفرض الديمقراطية على العالم العربي والإسلامي، التي بدأ طرحها عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وجرى الحديث عنها في ديسمبر/كانون الأول 2002 وأبريل/نيسان 2003، ثم عامي 2005، و2008.

فكرة نشر أو "فرض" أميركا للديمقراطية على العالم العربي والإسلامي كانت معتمدة في البداية على فرضية أن الإرهاب انتشر في العالم العربي بفعل القمع والديكتاتورية، ومنها انتقل لأميركا وظهر في تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وتحدث عن هذه الفرضية الرئيس جورج دبليو بوش في خطاب تنصيبه الثاني عام 2005، حين قال إن "بقاء الحرية في الداخل يعتمد على ازدهار الحرية في الشرق الأوسط، حيث أدى الاستياء والطغيان إلى انتشار عالمي".

قبلها دعا بوش العرب في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 "للدخول إلى عالم الديمقراطية وإنهاء عهود الديكتاتورية وتدخل الجيوش في الحكم لعدم تصدير العنف من هذه الدول إلى أميركا".

أما التصور الجديد التي يجري الحديث عن احتمال لجوء إدارة بايدن له بعد واقعة اقتحام الكونغرس، فيقوم، وفق خبراء، على فرضية أن "فيروس" الديكتاتورية العربية والحكم الفردي وتجاهل المؤسسات الديمقراطية، انتقل بنفسه من المنطقة العربية إلى أميركا وأن ترامب كان نموذجا له ويجب القضاء على المنبع كي لا تتضرر أميركا.

"غزوة الكابيتول"

بعبارة أخرى قد تدفع "غزوة الكابيتول" بايدن للانغماس أكثر في المنطقة العربية وقيادتها مباشرة نحو الديمقراطية أو العقاب، بعدما اختبر خطورة الديكتاتورية داخل بلاده أميركا نفسها.

وربما يؤشر وجود اثنين من مساعدي أوباما السابقين، في فريق بايدن الجديد، ممن يدعون للتغيير والتعامل مع مصر السيسي وفق معادلة حقوق الإنسان، لطرح هذا الأمر بقوة عقب تولي الإدارة الجديدة، أو يعاد الحديث عن فرض خطة بوش القديمة للديمقراطية ولو بآليات جديدة.

ضم بايدن لفريقه، "دافنا راند" التي سبق أن تولت منصب نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في فترة أوباما، و"أندرو ميللر" نائب مدير السياسات في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعمل في مجلس الأمن القومي لأوباما من 2014 إلى 2017.

وكلاهما ألفا كتابا بعنوان "إعادة الشراكة أو الاشتباك في الشرق الأوسط: رؤية جديدة للسياسة الأميركية"، صدر عن معهد بروكينجز للصحافة في 22 سبتمبر/أيلول 2020، ودعا إلى مراجعة جذرية لأربعة عقود من العلاقة مع مصر ترتكز على: انهيار مكانتها في العالم العربي، والتهديد المتزايد لاستقرارها بسبب السياسات القمعية وسوء إدارة اقتصادها وتدهور الأوضاع المعيشية.

حث الكتاب بايدن على الإدانة العلنية لانتهاكات حقوق الإنسان وعدم الاكتراث بغضب السيسي، وأوصي بايدن بعدم حصر العلاقة بالسيسي "فمستقبله غير مؤكد" بينما "مصر أكبر كثيرا" ويجب أن تتسع العلاقة للفاعلين الآخرين المهمين أيضا، حسبما يقولان.

التغير في السياسة الأميركية تجاه مصر، الذي طالب به الكتاب قبل انقلاب ترامب، هل يتطور ليصبح أكثر إلحاحا وأكثر تدخلا في شئون مصر والدول الديكتاتورية عموما الآن لخلق واقع ديمقراطي حقيقي وإحياء الربيع العربي بعد عقد من الزمن مر عليه؟.


تحميل

المصادر:

1

دويتش فيله: اقتحام الكونغرس - ما سر حملة “الشماتة” في العالم العربي؟

2

بي بي سي: “اقتحام الكونغرس” هل اهتزت صورة الولايات المتحدة بعده؟

3

The American Sisi, the New York Times

4

لسنا جمهورية موز .. رؤساء سابقون يهاجمون ترامب بعد أحداث الكونغرس

5

اقتحام «الكابيتول».. والشماتة في الديمقراطية

6

ملامح السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط في حالة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن

7

لماذا تعثرت مبادرة الشرق الأوسط الكبير؟

8

Re-Engaging the Middle East A New Vision for U.S. Policy

كلمات مفتاحية :

أميركا الديمقراطية الكونغرس دونالد ترامب عبدالفتاح السيسي عهد بايدن مصر