"نوبل ستندم".. ناشيونال إنترست: آبي أحمد ديكتاتور جديد طور الإعداد

12

طباعة

مشاركة

تمثل إفريقيا منذ عقود قصة نجاح للديمقراطية، وإن كانت تجربتها دائما لا تلقى اهتماما في الغرب، وسط تصاعد النزاعات في القارة السمراء.

فعندما تولى الرئيس الأميركي رونالد ريغان منصبه (1981 إلى 1989)، شكلت الصادرات الأميركية إلى إفريقيا (4 بالمئة) فقط من إجمالي صادراتها، وكانت حصة الاستثمار في القارة السمراء أقل من ذلك.

وباستثناء المغرب، كانت نسبة التجارة الأميركية مع دول القارة التي كانت آنذاك 52 دولة أقل من ذلك. كانت القارة السمراء تعاني من استبداد مطلق وانعدام للحريات. 

وصنفت دراسة "الحرية في العالم" (Freedom in the World)، التي أجرتها منظمة فريدوم هاوس (غير حكومية مقرها الولايات المتحدة) للفترة (1983-1984)، ثلاث دول فقط في إفريقيا، هي: بوتسوانا وموريشيوس ونيجيريا. 

وكان نظاما الفصل العنصري في كل من جنوب إفريقيا، والدريغ الإثيوبي (اسم للنظام العسكري الذي كان يحكم إثيوبيا)، أسوأ الأنظمة في القارة.

الربيع الإفريقي

مع نهاية الحرب الباردة، ازدهرت الديمقراطية بعد أن صادرها المستبدون لعقود. في (1990-1991)، أدرج "فريدوم هاوس" 65 دولة حرة في قائمته السنوية. 

بعد عقد من الزمان، بلغ عدد البلدان الحرة 68 دولة، حيث ساهمت الثورة الديمقراطية في إفريقيا بالتغيير، وفق تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية.

 انتقلت "بنين" من دولة بوليسية على النمط السوفيتي إلى أخرى حرة، كما تم تصنيف دول إفريقية أخرى مثل: الرأس الأخضر وغانا ومالي وناميبيا وجنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري أيضًا على أنها دول حرة. 

انتقل عدد أكبر بكثير من البلدان من تصنيف "ليست حرة" إلى تصنيف "حرة جزئيًا"، كانت من بينها إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان.

في عام 1991، فر الديكتاتور الماركسي القديم "منغستو هيلا مريام" من البلاد إلى منفاه في زيمبابوي. وتولى "ملس زيناوي" القيادة كزعيم انتقالي وطبق الفيدرالية العرقية من أجل إنهاء عقود من الصراع العرقي الذي عانت منه "إثيوبيا". 

في مايو/أيار 1995، أجرت "إثيوبيا" أول انتخابات متعددة الأحزاب، وقاطعتها بعض أحزاب المعارضة على الرغم من اعتبارها من قبل كثير من المراقبين بأنها عادلة.

استمرت مضايقات الحكومة الإثيوبية للمعارضين، ومع ذلك، أدى اندلاع الحرب مع "إريتريا" في عام 1998. إلى إعاقة عملية الانعتاق السياسي. وبينما كان دستور عام 1995. تقدميًا، لم يكن واقع تنفيذه في الغالب كذلك. 

في عام 2010، على خلفية عالمية واسعة من التراجع الديمقراطي، أعادت منظمة "فريدوم هاوس" إثيوبيا إلى تصنيف "ليست حرة"، وأضاف تقريرها: "كان مسارها أيضًا سلبيًا لعدد من السنوات، حيث قام رئيس الوزراء "ملس زيناوي" باضطهاد المعارضة السياسية، وقلب الملعب السياسي وقمع المجتمع المدني ".  

وفي عام 2018، أدرجت المنظمة "إثيوبيا" في قائمة تضم: فنزويلا وتركيا واليمن على أنها من بين أكثر حالات تراجعًا في مستوى الحرية على مدى العقد الماضي. 

صعود آبي أحمد

أدى هذا التراجع للحكومة الإثيوبية إلى صعود "آبي أحمد" إلى منصب رئاسة الوزراء الإثيوبي في عام 2018. حيث لفت انتباه الدبلوماسيين الدوليين. 

"آبي أحمد خلف هايلي مريام ديسالين" الذي كان أول زعيم في تاريخ إثيوبيا يتنحى طواعية. وبوصوله لهذا المركز في سن الحادية والأربعين فقط، استطاع أحمد أن يمثّل تغييرًا في الأجيال.

 ومع أن "آبي أحمد" جاء من خلفية أمنية، فإنه اشتهر بأنه مصلح. وبعد سعيه إلى إنهاء المواجهة المستمرة منذ عقود مع "إريتريا" نما التفاؤل بقدومه، وفق المجلة.

 وقد أدت مساعيه تلك إلى نيله جائزة "نوبل" للسلام لعام 2019. تقديراً لجهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي، ولا سيما جهوده الحاسمة في مبادرة لحل النزاع الحدودي مع الجارة إريتريا.

وتقول ناشيونال إنترست: "لا ينقص جائزة نوبل أن تضيف إلى قائمتها شخصية غير جديرة أخرى، لكن سرعان ما وضع أحمد نفسه ليكون من بين القرارات التي ستندم عليها لجنة نوبل النرويجية". 

إذ تم تشبيه الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا بقتال رجلين أصلعين على مشط.

ومع تسوية الحدود، بدأ "أحمد" بالهجوم -بالاشتراك مع القوات الإريترية- على منطقة تيغراي الشمالية، حيث يسعى إلى إضفاء الطابع المركزي على البلاد على عكس الحكم الذاتي الذي تتمتع به مناطق "إثيوبيا" المتنوعة إثنيًا والمنصوص عليه في دستور عام 1995.

حرب جديدة

يبدو أن سبب الحرب هو الخلاف بين منطقة "تيغراي" وحكومة "أحمد" حول جهوده لتوسيع ولايته. 

في يونيو/حزيران 2020، أعلن "أحمد" تأجيل الانتخابات. وقال مؤيدون: إن حسن إدارته للبلاد على خلفية "فيروس كورونا" تستحق تمديد فترته، بينما حذر المعارضون من أن إلغاء الدستور يفتح الباب لإعادة توطيد الديكتاتورية. 

في "تيغراي"، لم تعترف الحكومة الإقليمية بتمديد ولاية "أحمد" ومضت قدما في انتخاباتها التي اعتبرها رئيس الوزراء "غير قانونية".

 ردت سلطات "تيغراي" بالقول: "إن إدانة أحمد كانت بلا معنى لأن تفويضه الدستوري انتهى في أكتوبر/تشرين الأول 2020". 

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وخوفا من أن ينتشر داء المعارضة من منطقة "تيغراي" إلى مناطق أخرى في إثيوبيا، أمر "أحمد" قوات الدفاع الإثيوبية باحتلالها والإطاحة بحكومتها المنتخبة. 

الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي"، إحدى القوى الرئيسة التي أطاحت بنظام الديرغ، عملت على الدفاع عن الحكم الذاتي المحلي للمنطقة، وإحباط الشائعات عن خطط لنقل الأراضي من منطقتهم إلى "أمهرة" المجاورة. 

لقد كانت معركة وحشية، إذ قطعت القوات الإثيوبية الاتصالات مع العاصمة الإقليمية "ميكيلي" بينما كانت القوات الإثيوبية تسير في طريقها إلى المدينة، وتفيد التقارير بإخضاعها لقصف مدفعي.

على الرغم من نفي إثيوبيا المتكرر، عين "أحمد" عمدة خاص به يعترف الآن بأن القوات الإريترية انضمت أيضًا إلى القتال، وهي حقيقة شائعة لدى المخابرات الأميركية.

وتحدثت روايات شهود عيان عن قيام القوات "الإثيوبية والإريترية" بإعدام المدنيين بإجراءات موجزة ونهب الممتلكات. 

بالنسبة لأحمد، فقد كان تحفزّه للسلطة دافعه لهذه الأعمال، وبالنسبة للديكتاتور الإريتري أسياس أفورقي فقد كان المال. قلة ممن تذوقوا الحرية هم على استعداد للتنازل عنها بسهولة، ومع ذلك، تستمر الاضطرابات.

ديكتاتور طور الإعداد

مثل العديد من قبله والذين كانوا يصفون أنفسهم بالإصلاحيين، أصبح أحمد مدمنًا للسلطة.

وتقول المجلة: "إنه ليس وحيدا، ففي الصومال، تحرك الرئيس محمد عبد الله فرماجو بالمثل لتقويض الفيدرالية واستعادة السيطرة الديكتاتورية على غرار ما شهدته البلاد خلال نظام عمه سياد بري".

وترى أن ما يجعل "أحمد" بالغ الخطورة هو أن النرويجيين ذوي النيات الحسنة قد منحوه عباءة صانع السلام. 

وبينما تتجه "إثيوبيا" نحو الانتخابات المؤجلة التي تمت إعادة جدولتها مبدئيًا في 5 يونيو/حزيران 2021، فإن معركة "أحمد" لا تقوض فقط منافسه الرئيس، الذي يصادف أنه من تيغراي، ولكنه يمكّنه من استخدام سلطات الطوارئ لزيادة تآكل الديمقراطية. 

وقالت ناشيونال إنترست: "لقد حان الوقت للدول الغربية والديمقراطيات الإفريقية أن تتحدث مباشرة عن المسار الخطير الذي أرساه أحمد لإثيوبيا".

وبينت أن "إثيوبيا بلد متنوع، لذا فإن الديكتاتورية المركزية لن تنجح بسهولة. وبينما يسعى أحمد إلى استبدال الكفاءة بالجدل القومي، يبدو أنه مستعد لخوض المعارك ليس فقط مع مصر والسودان، ولكن أيضًا مع كينيا".

ولفتت، إلى أن اعتماد "أحمد" المتزايد على الصين يبدو بشكل متزايد أقل فيما يتعلق بالتنمية، وأكثر فيما يتعلق بالعثور على داعم يمول مزيدًا من انزلاق "إثيوبيا" نحو الاستبداد. 

ببساطة، يومًا بعد يوم، يبدو أن أحمد ليس البديل الإصلاحي الشاب لأفورقي في إريتريا، بل تلميذه، حيث جلب ديكتاتور "أسمرة" المأساة إلى بلاده.

ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يكون أعمى لأن "أحمد" المتعطش للسلطة يخاطر بالمثل مع إثيوبيا، وفق قول المجلة.