"القطار ينطلق".. ماذا تعني مصالحة دول الحصار وقطر بالنسبة لإسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"بدون المصالحة بين السعودية وقطر، من الصعب التوصل إلى تطبيع العلاقات بين الرياض وإسرائيل"، هكذا علّق مسؤول كبير في البيت الأبيض على توقيع اتفاق "العلا" الخليجي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "يسرائيل هَيوم" في 5 يناير/كانون الثاني 2021.

ورأت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية بدورها أيضا أنه "من دون المصالحة سيكون من الصعب انضمام قطر إلى اتفاقات أبراهام (التطبيع) والتنسيق مع الدوحة من أجل لجم الإخوان المسلمين و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس".

وبينت في 5 يناير/كانون الثاني 2021. أن اتفاق المصالحة "سيعزز الاستفادة من التمويل القطري في الحفاظ على هدوء غزة، وإبعاد الدوحة عن إيران وتركيا"، حسبما تقول كبيرة المحللين في الصحيفة "لاهاف هاركوف".

وفي ذات التاريخ، عقدت القمة الخليجية الـ41 في مدينة "العلا" شمال غربي السعودية، بمشاركة أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد"، للمرة الأولى منذ أكثر من 3 سنوات.

وجاء انعقاد القمة، غداة إعلان الكويت توصل "السعودية وقطر" إلى اتفاق بإعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين البلدين، إضافة إلى معالجة تداعيات الأزمة الخليجية.

وشهدت المنطقة الخليجية أزمة حادة منذ يونيو/حزيران 2017، بعدما فرضت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا بريا وجويا وبحريا على قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة، واعتبرته "محاولة للنيل من سيادتها وقرارها المستقل". 

وبحسب صحف إسرائيلية، كانت "تل أبيب" ترغب في إتمام المصالحة لتحقيق هدفين أساسيين، الأول: إنشاء جبهة موحدة ضد طهران وزيادة الضغوط عليها، والثاني: الضغط على قطر كداعمة للإخوان وحماس كي تخفف أو تنهي دعمها لهم.

تأثير المصالحة

"المصالحة الخليجية ستنعكس على إسرائيل بالمزيد من الدول المطبعة"، هكذا قال خبراء إسرائيليون لصحيفة "جيروزالم بوست" في عدد 5 يناير/كانون الثاني 2021.

"شمريت مئير" محللة شؤون الشرق الأوسط بالصحيفة قالت: "إن الاتفاق بين السعودية وقطر يمكن أن يكون مفيدًا في العمل على إقامة علاقات مُعلنة مع دول المنطقة، بسبب قدرة الدوحة على "ضبط النغمة أو شن هجوم" في وسائل الإعلام عبر "قناة الجزيرة" وغيرها من المنافذ الإعلامية".

وشرحت ذلك قائلة: "لو أنني في مكان ولي العهد السعودي وأفكر في التطبيع مع إسرائيل، فإن أول ما أفعله هو تحييد المحركات الرئيسة للانتقاد، أي قطر، وذلك لأن السعوديين لا يبالون كثيرًا بالدعاية الإيرانية، لأن إيران تُعد عدوًا، ولكن إذا خرج مِن العرب مَنْ يقول، إن العلاقات معنا خيانة للقضية الفلسطينية، فهذه هي المشكلة".

وأضافت شمريت: "المصالحة تعني أن السعوديين سيستفيدون من أشكال التهدئة للقصف الإعلامي مع قطر الذي يحرك ويثير الصداع للرياض في واشنطن والغرب، لأنها تمتلك آلة إعلامية قادرة على تحريك الرأي العام"، في إشارة إلى "قناة الجزيرة" والمنافذ الإعلامية الأخرى المملوكة للدوحة.

وقالت إن: "هذا الاتفاق ليس له تأثير فوري في إسرائيل، لأنه يقرب نظام قطر الذي يمثل روح الإخوان المسلمين من الأنظمة العربية التقليدية التي ترى أن هذه الروح تُمثل خطرا عليها ومحاولة لإثارة الانقلابات أو الاضطرابات ضدهم".

وأشارت إلى أن "المصالحة ستجعل السعودية أقل انتقادا من رعاة الإخوان المسلمين (تقصد قطر)، عبر قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام، كما ستجعلها أقل انتقادا من جانب الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة جو بايدن فيما يخص ملف حقوق الإنسان، خصوصا لو دخلت ضمن اتفاقات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل رسميا".

الحاخام مارك شناير، رئيس مؤسسة التفاهم العِرقي والمستشار لعدد من قادة الخليج منهم ملك البحرين، قال أيضا لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية: "إن المصالحة الخليجية ستكون لصالح مزيد من التطبيع الخليجي الإسرائيلي، ووصف الأمر بقطع الدمينو التي تتساقط واحدة تلو الأخرى".

وأضاف: "سنشهد حقًا تأثير أحجار الدومينو الذي أوجدته اتفاقات أبراهام، مع التحاق المزيد من دول المنطقة برَكْب اتفاقات التطبيع، وقد بدأ الزخم الآن داخل مجلس التعاون الخليجي لتطبيق هذا الأمر".

لهذا توقع "شناير" أن تكون سلطنة عُمان الدولة الخليجية التالية التي تنضم إلى رَكْب الاتفاقات، وأن تحتاج السعودية وقطر إلى "نوع ما من التقدم مع الفلسطينيين قبل اتخاذ تلك الخطوة".

جانب آخر من استفادة إسرائيل، تحدث عنه المؤرخ والمستشرق اليميني "مردخاي كيدار"، وأسماه "الفيل الإيراني"، الذي قال: إنه يثير مخاوف تل أبيب ودول الخليج معا، ويسعيان للتقارب بينهما لمواجهته، متوقعا أن تسرع المصالحة الخليجية وتعزز التحالف ضد إيران.

"مردخاي" قال في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" 5 يناير/كانون الثاني 2021. "إن دخول بايدين المرتقب للبيت الأبيض والتوقعات بتغيير السياسة الأميركية جوهريا مع إيران قد لعبا دورا في إتمام المصالحة الخليجية".

وتساءل: "هل يؤدي تقارب "قطر والسعودية" وانخفاض التوتر إلى تمكين الرياض من التقدم نحو الاعتراف المتبادل مع إسرائيل دون إثارة غضب كبير لدى القيادة الإيرانية والمنظمات الموالية لها في العراق واليمن؟".

صحيفة "معاريف" علّقت أيضا على اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وقطر، عبر المحلل السياسي في "القناة الإخبارية" 13 "تسبيكا يحزقآلي" الذي قال: "الاتفاق يدل على تقارب الدوحة من محور دول الخليج التي وقّعنا اتفاقاً للسلام معها، وهذا يقرّبها منا أكثر ويبعدها عن إيران"، وفق تقديره.

لكن هذا الرأي يخالف تصريحات وزير خارجية قطر، "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني"، الذي قال في 7 يناير/كانون الثاني: "إن علاقة بلاده مع إيران وتركيا لن تتغير عقب المصالحة الخليجية".

مقدمة للتطبيع؟

ويرى العديد من الخبراء والصحف الإسرائيلية، أن المصالحة الخليجية ستدعم التوجه السعودي نحو التطبيع مع إسرائيل، على غرار ما فعلت الإمارات والبحرين ودول عربية أخرى مثل السودان والمغرب، خصوصا بعدما انتهى التوتر السعودي القطري وباتت الرياض في مأمن من انتقادات الإعلام القطري.

وقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرًا يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. يؤكد حدوث زيارة سرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى السعودية في اليوم السابق لهذا التاريخ.

ولفتت، إلى أن "نتنياهو" التقى ولي العهد محمد بن سلمان، وأن هدف الزيارة كان "تخوف الجانبين السعودي والإسرائيلي من عدم مواصلة جو بايدن المسار الذي اتخذه دونالد ترامب في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط".

وبينت أن "الجانبين السعودي والإسرائيلي على الرغم من كونهما أعداء سابقين، يعتمدان على بعضها البعض لمواجهة المخاوف التي بدأت إرهاصاتها تظهر بالفعل من إدارة بايدن الجديدة".

ولكن هل تطبع الرياض العلاقات بعد اتفاق المصالحة؟. بحسب دراسة لمركز "مالكوم كير كارنيجي" 27 أكتوبر/تشرين أول 2020، فإن الاتفاق المحتمل بين السعودية وإسرائيل، سيزيد غضب الشعب السعودي والعالم العربي والإسلامي.

أيضا لن يحقق هذا التطبيع السلام والاستقرار في المنطقة أو يعالج "مكامن الضعف الأساسية" التي تتسبّب بالعنف وعدم الاستقرار في المنطقة، والتي ترجع لأسباب أخرى منها: الحوكمة الفاسدة والقمعية والتفاوتات الاجتماعية، وفق المركز.

ولم تطبع الرياض علاقاتها مع إسرائيل، ولكنها في المقابل لم تظهر رفضاً كاملاً للفكرة، إذ قال وزير خارجيتها "فيصل بن فرحان آل سعود" يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020. إن تطبيع بلاده "من المتصور حصوله في النهاية".

جاءت تصريحات "آل سعود" في حديثه إلى "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، وقال: "نحن ملتزمون بالسلام وهو ضرورة إستراتيجية للمنطقة".

وبين أن "التطبيع مع إسرائيل في نهاية المطاف جزء من ذلك، وهذا ما اقترحته خطة السلام العربية وما جاء في اقتراح المملكة عام 1981، لذلك نحن دائماً نتصور أنه سيحصل، لكن علينا أيضاً أن نحصل على دولة فلسطينية وعلى خطة سلام".

إلا أن وزير الخارجية السعودي، "فيصل بن فرحان" عاد ليقول لوكالة "رويترز"، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إن "التطبيع مع إسرائيل سيكون بعد اتفاق سلام يضمن للفلسطينيين دولتهم بكرامة".

وتابع أن "الرياض دعمت طويلا التطبيع الكامل مع إسرائيل، ولكن يجب أن تأتي أولا، صفقة السلام الدائم والكامل التي تحقق الدولة الفلسطينية بكرامة".

أما عن  احتمالات حدوث تطبيع بين إسرائيل وقطر، فقد توقع وزير الاستخبارات "إيلي كوهين" في 6 يناير/كانون الثاني 2021، أن تؤدي وتمهد المصالحة الخليجية "لتطوير العلاقات بين الجانبين".

"كوهين" تحدث عن أن "إسرائيل حاليا على تواصل مع (6 أو 7) دول إسلامية وعربية في الخليج وآسيا وإفريقيا للتوصل إلى اتفاقيات سلام معها"، واعتبر أن "المصالحة يمكن أن تشكل أرضية هامة لتطوير العلاقات مع قطر".

ولفت إلى أن تلك الخطوة "توحي بتوجه قطر أكثر نحو الغرب، بعدما سعت خلال السنوات الماضية للعب في ملعبين مع دول الغرب والولايات المتحدة والدول المعتدلة، وأيضا مع إيران".

وتحت عنوان: "القطار ينطلق من المحطة"، كتبت الصحافية "سمدار بيري" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية 6 يناير/كانون الثاني 2021. أن "المصالحة الخليجية تعني لإسرائيل أنه سيكون ممكناً أن تنضم قطر قريباً إلى خطوط الطيران الجديدة، وسيتمكن السياح الإسرائيليون من القفز إلى الإمارة القريبة". 

ولكن مسؤولا كبيرا في البيت الأبيض تحدث مع صحيفة "يسرائيل هَيوم" 5 يناير/كانون الثاني 2021، عما أسماه "الوضع الإشكالي لدولة قطر" التي قال إنها "تحافظ على علاقات قوية مع الغرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة، وتوجد في أراضيها قواعد عسكرية أميركية"، لكن من جهة ثانية توظف مبالغ طائلة لما تسميه الصحيفة "الإسلام المتطرف". 

فهي من خلال "قناة الجزيرة" تبث رسائل معادية لإسرائيل، لكنها من ناحية ثانية تتحمل العبء الاقتصادي في قطاع غزة، وتحوّل مبالغ شهرية له تساعد من خلالها "حماس" للمحافظة على الدورة الاقتصادية في القطاع.

إشكالية قطر أيضا، بحسب المسؤول الأميركي، الذي لم تذكر الصحيفة اسمه، أنها "بعكس دول الخليج التي تتخوف من تهديدات إيران وتنتهج خطاً متشدداً إزاءها، فهي تقيم علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية".