أفورقي وآبي أحمد ينتصران على "عدو مشترك".. هل شكلا تحالفا في إفريقيا؟

أمجد عبد الغفور | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خاضت "إثيوبيا وإريتريا" حربا دامية بين عامي (1998 و2000)، لكن مع وصول "آبي أحمد" للحكم في "أديس أبابا" عام 2018، أعاد إلى "أسمرة" مدينة "بادمي" المتنازع عليها، كما نص على ذلك اتفاق الجزائر، مُنهيا سنوات طويلة من العداء.

تطور السلام بين البلدين إلى تحالف صامت، عندما أعلنت "جبهة تحرير شعب تيغراي" الإثيوبية تمردها، بعد أن وجدت نفسها خارج السلطة التي أسستها منذ 1991، ما يطرح تساؤلات حول سر تحالف "آبي أحمد" مع عدو الأمس ضد شركاء الوطن السابقين.

لا مجال للإنكار  

اتهمت "جبهة تحرير شعب تيغراي"، القوات الإريترية بالمشاركة في القتال إلى جانب الجيش الإثيوبي، على عدة جبهات، وحتى داخل أراضي الإقليم، والسماح للإماراتيين باستخدام مطار "عصب" الإريتري لقصف قواتهم بالطائرات المسيرة، بل ونهب بلدات ومدن الإقليم بعد انهيار دفاعاتهم.

 ونقلت وكالة "رويترز" عن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي "دبرصيون جبرمكئيل"، في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، قوله في رسالة نصية، "إن هناك احتجاجات شعبية في ميكيلي عاصمة تيغراي، بسبب عمليات النهب التي يقوم بها جنود إريتريون".

ولم تكن تلك الاتهامات الأولى التي يطلقها زعيم متمردي التيغراي ضد "أسمرة"، حيث صرح لـ"رويترز"  عبر رسالة نصية، قبيل سقوط ميكيلي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن الجيش الإريتري يغير على مخيمات اللاجئين في "تيغراي" للقبض على اللاجئين الذين فروا من إريتريا.

وقصفت جبهة تيغراي "أسمرة" ومطارها ثلاث مرات على الأقل بالصواريخ الباليستية، ردا على مزاعم بتعرضها لقصف جوي لطائرات انطلقت من مطارات إريترية، بحسب ما أكده زعيم متمردي تيغراي.

رغم الدلائل العديدة التي تؤكد مشاركة الجيش الإريتري إلى جانب نظيره الإثيوبي ضد متمردي تيغراي، إلا أن كلا من "أسمرة وأديس أبابا" تنفيان ذلك.

وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية، إنه وفقًا لشهود عيان وعمال إغاثة ودبلوماسيين، فإن القتال شارك فيه أيضًا عدة آلاف من الجنود من إريتريا المجاورة. 

إذ أقرّت حكومة "آبي أحمد" بأن القوات الإثيوبية التي هربت إلى "إريتريا" في بداية الحرب بعد اقتحام متمردي "جبهة تحرير تيغراي" معسكراتهم بالإقليم، حظيت بمساعدة الجيش الإريتري، الذي آواهم ثم سلحهم قبل عودتهم إلى القتال في "تيغراي".

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقف آبي أحمد أمام البرلمان، وقال: "الإريتريون ليسوا إخواننا فقط.. لقد أظهروا لنا أيضًا عمليًا أنهم أصدقاء وقفوا إلى جانبنا في يوم صعب"، حسبما نقلت عنه صحيفة "الغارديان".

لكن رئيس الوزراء الإثيوبي عاد، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، لينفي دخول الجيش الإريتري إلى إقليم "تيغراي" ومشاركته في القتال، وأكد للأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش"، أنه يستطيع ضمان عدم دخول أي قوات إريترية إلى الأراضي الإثيوبية.

ونفت "أسمرة" أيضا صحة هذه المزاعم، وقال وزير خارجيتها "عثمان صالح محمد"، لرويترز، "لسنا متورطين، إنها دعاية". غير أن اللاجئين الذين فروا إلى السودان أخبروا المراسلين وعمال الإغاثة أن قذائف المدفعية التي أصابت بلدات في غرب تيغراي جاءت من إريتريا.

ونقلت "رويترز" عن مسؤولين أميركيين أنهم جمعوا أدلة على تورط الجيش الإريتري في الحرب الأهلية الإثيوبية.

ويعتقد خبراء عسكريون أن الأميركيين اعتمدوا على صور الأقمار الاصطناعية، واعتراض اتصالات الجيش الإريتري، وربما عملاء على الأرض، بالإضافة إلى شهادات عمال الإغاثة واللاجئين الفارين من الحرب، كدلائل على تورط "أسمرة" في الحرب الأهلية الإثيوبية العابرة للحدود.

فواشنطن تعتبر "إثيوبيا" حليفا في القرن الإفريقي، في وقت تتهم إريتريا بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق للحقوق، بما في ذلك سجن المعارضين وإجبار المواطنين على الخدمة العسكرية أو الحكومية لفترات طويلة ومفتوحة، بحسب موقع "الحرة" الأميركي، مما يدفع عشرات الألوف من الشباب للفرار إلى إقليم تيغراي والسودان.

عدو مشترك

"آبي أحمد"، الذي وصل إلى رئاسة الوزراء في إثيوبيا تحت ضغط قومية الأورومو الكبيرة والمهمشة، لم يرض لنفسه أن يكون ظلا للتيغراي كما كان سلفه "هايلي مريام ديسالين"، الذي ينتمي إلى قبيلة صغيرة تسمى "ولايتا".

وينحدر آبي أحمد، من أكبر قوميتين في البلاد؛ الأورومو (34 بالمئة من إجمالي 110 ملايين نسمة) من جهة والده، والأمهرة (27 بالمئة) من جهة والدته، لكن ذلك لم يكن كافيا لاقتلاع أقلية التيغراي (6 بالمئة) من السلطة التي شيدتها طوال 27 سنة مضت.

فميليشيات التيغراي تفوق 200 ألف مقاتل، ومسلحة بشكل جيد، وتتقن حرب العصابات، وإذا تمكنت من التحالف مع أي من دول الجوار (السودان أو إريتريا) فلن يكون من السهل القضاء عليها.

اختار رئيس الوزراء الإثيوبي قرارا صعبا لكن لا بد منه؛ التحالف مع عدو الأمس، لترسيخ نظام حكمه وإنهاء هيمنة "جبهة تحرير شعب تيغراي" على السياسة الإثيوبية.

قبِل الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" الصفقة، فهو الآخر معني بإنهاء جبهة تيغراي من الوجود، بعد أن نجحت خلال عهد رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق "ميليس زيناوي" (1991-2012)، في تحويل "إريتريا" إلى دولة منبوذة ومعزولة وذات نفوذ دبلوماسي ضئيل.

لكن الرئيس الإريتري، أراد أن يقبض الثمن أولا، فحصل على بادمي، ثم رفعت الأمم المتحدة عقوبات حظر توريد الأسلحة إلى إريتريا، وفتح ذلك المجال لخروج البلاد من عزلتها، وساعد في تثبيت حكمه الأطول في القرن الإفريقي (قرابة 3 عقود).

وبدون إبطاء، تحرك رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد"، لقطع أذرع جبهة تيغراي في مؤسسات الدولة، سواء في الحكومة أو الجيش أو المخابرات، وفتح محاكمات لقيادات الجبهة المتورطين في الفساد والتعذيب خلال فترات سابقة.

لكن أهم خطوة أقدم عليها رئيس الوزراء الإثيوبي وعجّلت الطلاق بينه وبين "جبهة تيغراي"، إلغاء ائتلاف الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية، التي تضم تحالف عدة أحزاب عرقية، واستبدلها بحزب "الرفاه"، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2019.

فهمت "جبهة تيغراي" خطة رئيس الوزراء الإثيوبي لاجتثاثها من السلطة بعدما قدمتها له على صينية من ذهب، فرفضت الذوبان في الحزب الجديد، وبدأت تتجمع في معاقلها الشمالية استعدادا للمعركة.

واندلعت المواجهات في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إثر رفض جبهة تيغراي الاعتراف بحكومة آبي أحمد، بحجة عدم تنظيمها الانتخابات العامة في موعدها المقرر في سبتمبر/أيلول 2020.

وبمجرد تمكن القوات الإثيوبية من السيطرة على حدود تيغراي مع السودان، أطبقت على الإقليم من جميع الجهات، بمساعدة الجيش الإريتري من الشمال.

 نزاع عميق

انخراط "إريتريا" في الحرب الأهلية الإثيوبية لم يكن مجرد مصلحة آنية أو ردا لجميل رئيس وزراء إثيوبيا "آبي أحمد" بعدما أعاد لها مدينة "بادمي" المتنازع عليها، حيث أن المسألة أعمق من ذلك.

فالعلاقة بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بقيادة "أسياس أفورقي"، و"جبهة تحرير شعب تيغراي"، تعود إلى عهد الحكم العسكري في إثيوبيا بقيادة "مينغستو هيلا مريام" (1974 -1991)، حيث تحالفت الجبهتان للإطاحة بعدوهما المشترك.

ويقول أستاذ التاريخ الإفريقي في جامعة أكسفورد، "ريتشارد ريد"، في مقال له، إنه ما بين (1975 و1976)، تولت جبهة تحرير إريتريا، التي تأسست في 1970، تدريب عناصر من جبهة تيغراي في معسكراتها، ما عكس حجم التحالف القائم بين الطرفين، رغم الخلافات العرقية بين الإرتيريين وجيرانيهم التغاريين.

لكن أول مسمار دُق في نعش هذا التحالف، إعلان "أسياس أفورقي" زعيم جبهة تحرير إريتريا استقلال بلاده عن إثيوبيا في 1993. عقب استفتاء شعبي، بعد عامين من إسقاط حكم "مينغستو"، ليترك ذلك غصة في حلق جبهة تغراي، بحسب محللين.

ورغم هيمنة "جبهة التيغراي" على تحالف أحزاب عرقية استولت على الحكم بأديس أبابا في 1991، إلا أنها لم تكن تملك القدرة على منع انفصال إريتريا، ما حول إثيوبيا إلى بلد حبيس دون سواحل.

تعمقت الخلافات أكثر بين البلدين عندما اختار التيغراي بناء دولة ديمقراطية لا مركزية تتمتع فيها أقاليمها التسعة باستقلالية أكبر في إدارة شؤونها، في حين سعت جبهة تحرير إريتريا لتأسيس دولة مركزية واستبدادية متشبعة بالفكر الماركسي، تشبه النظام الذي أسسه "مينغستو" في إثيوبيا.

وخلال الأعوام الخمسة الأولى التي تلت استقلال إرتيريا، كانت العلاقات مع "أديس أبابا" هادئة مفعمة بأحاديث المصالحة، إلى غاية قرار "أسمرة" التخلي عن استعمال العملة الإثيوبية (البر) في 1997، ما أثار غضب التيغراي بقيادة "زيناوي"، وكان الرد بأن توقفت إثيوبيا عن استخدام موانئ إريتريا.

وتصاعد الخلاف بين التيغراي بقيادة "ملس زيناوي"، والإريتريين برئاسة "أفورقي"، حول زعامة القرن الإفريقي، وتحول الثائران المنتشيان بالنصر على حكم "منغيستو"، إلى نمران متوثبان لحسم صراع الزعامة.

ورغم أن الحدود بين إثيوبيا وإريتريا تمتد على طول 1000 كلم، إلا أنه لم يتم ترسيمها، ما خلق مناطق نزاع بين الطرفين، سرّع في إشعال حرب بينهما في 1998، بعدما سيطرت "أسمرة" على مدينة "بادمي" طيلة 9 أشهر.

 واستمرت الحرب حتى عام 2000، حيث نجح الجيش الإثيوبي في هجومه الأخير من دفع القوات الإريترية بعيدا عن الحدود، واسترجع "بادمي".

تدخلت الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2000، للوساطة بين الطرفين، بحكم رئاستها لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا)، ونجحت في وقف الحرب، التي خلفت أكثر من 100 ألف قتيل بين الجانبين، وأنهكت اقتصاد البلدين.

وبعد التوقيع على اتفاق السلام، شكلت الأمم المتحدة لجنة لترسيم الحدود بين البلدين، وقضت بأن تضم "بادمي"، التي يقطنها أغلبية من التغراي، إلى إريتريا، وهو ما لم يحدث إلا في 2018، بعد استلام "آبي أحمد" رئاسة الوزراء في إثيوبيا.

ويشكل انتصار رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الإريتري على جبهة تيغراي، إما بداية تعاون شامل بين إثيوبيا وإريتريا، سينعكس إيجابا على الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، أو تجدد الصراع على الزعامة الإقليمية بشكل يكرس عزلة "أسمرة" ويضاعف الاحتقان بين العرقيات داخل "أديس أبابا" ويجدد الحرب بالوكالة في الصومال.