"طريق السبايا".. خفايا مشروع مليشيات إيران الجديد في العراق وسوريا

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

حالة من الغليان الشعبي والسياسي تشهدها مناطق شمال العراق، على خلفية البدء بمشروع "طريق السبايا" الذي تتبناه مؤسسات دينية شيعية، ويمتد من مدينة الكوفة مرورا بنينوى ذات الغالبية السنية، وصولا إلى مناطق البحر الأبيض المحاذية لتركيا.

يرتبط "طريق السبايا" بالسرد التاريخي لواقعة "الطف" في كربلاء التي استشهد فيها الحسين بن علي حفيد الرسول محمد، وما أعقبها من أحداث بين العراق وبلاد الشام. وحسب القائمين على المشروع، فإنه يهدف إلى تحديد مناطق مرور القوافل المتجهة إلى الشام.

وحسب تقارير، فإن مشروع "طريق السبايا" يمتد لأكثر من 90 كيلومترا من منطقة "آسكي موصل" في مرحلة أولى حتى الحدود مع سوريا، حيث بلدة "جزعة" المحاذية للحدود العراقية والواقعة بين الحسكة ودير الزور".

وذكرت أنه "في النيّة إعادة تشييد مزارات، وإقامة فعاليات سنوية في الطريق للتعريف بواقعة كربلاء، مع مساع مستقبلية بمد الطريق حتى مدينة "بعلبك" اللبنانية، حيث مرقد السيدة خولة بنت الحسين بن علي".

"مشروع خبيث"

محللون وسياسيون، ومراكز أبحاث، حذروا من خطورة تنفيذ مثل هذا المشروع الذي بات يعرف إعلاميا بـ"طريق السبايا" لما له من أبعاد طائفية وتغيير ديموغرافي، إضافة إلى وجود أبعاد سياسية واقتصادية من وراء إنشائه خلال المرحلة الحالية.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الداعية والباحث العراقي في الفرق الإسلامية، فاروق الظفيري، إن "مشروع طريق السبايا يحمل في طياته خطورة كبيرة، فهؤلاء بارعون في التزوير التاريخي"، لافتا إلى أن "المشروع له تبعات دينية وديموغرافية".

ولفت، إلى أن القائمين على المشروع يرسمون المشاريع ويعملون عليها خطوة خطوة ويطبقونها عندما يسيطرون على الدولة، وهاهم اليوم سيطروا على البلد بعد أن كافأهم المحتل الأميركي بالحكم جزاء عمالتهم له، فأخذوا بتنفيذ مشاريعهم النائمة، وهي التمدد في المناطق السنية عن طريق هذه المشاريع ليكون لهم موطأ قدم في التغيير الديموغرافي اللاحق".

ونوه "الظفيري" إلى أنهم "يرسمون المشروع دينيا لكي يلقى القبول عند أتباعهم، ويطبقونه سياسيا على الأرض، وهذا هو نفس المشروع الذي أشار له ملك الأردن "عبد الله الثاني" عندما تكلم عن الهلال الشيعي في المنطقة".

وعن أصل المشروع تاريخيا، قال الظفيري: "الثابت عندهم تاريخيا هو نفس ما أثبته أهل السنة بأن طريق ما يسمى بالسبايا كان من كربلاء إلى الأنبار (غرب العراق) إلى الشام، وقليل منهم من قال إن الطريق هذا الذي يشيعون له الآن، فهم على اختلاف فيما بينهم".

وشدد على أنه "لا وجود لمصطلح اسمه السبي إلا في عقول هؤلاء، لأن السبي خاص بالكفار وليس بالمسلمين، بل أكرم من بقي من أهل البيت عليهم السلام إلى أن وصلوا دمشق، وأكرموا هناك وسكنوا المدينة المنورة ولم يخرجوا منها، فكل هذه المشاريع اليوم هي مشاريع طائفية خبيثة".

خلال سلسلة تغريدات على "تويتر" مطلع يناير/كانون الثاني 2021، لفت الكاتب والباحث العراقي "مجاهد الطائي" إلى أن "فكرة طريق السبايا أتت لتثبيت أقدام المليشيات ودعم الوجود (الطائفي الفاسد) سياسيا واقتصاديا وأمنيا ومذهبيا، وذلك بالاستيلاء على مراقد غير تابعة للوقف الشيعي أو العتبة الحسينية، وسيستولون عليها بالاستناد على أوهام وظنون وروايات تاريخية غير دقيقة وبقوة المليشيات وغياب الدولة".

وأكد الباحث أن "المليشيات الموجودة في هذه المناطق وعلى طريق السبايا المفترض، هي العصائب والنجباء وحزب الله وحشد الشبك (إحدى الأقليات)، وهم من سيوفر الغطاء الأمني لأي تحركات مشبوهة تقوم بها جهات دينية تابعة للوقف الشيعي والعتبة الحسينية، علما أن هذه المناطق متنازع عليها وتخضع لإدارات عدة وجهات أمنية عدة".

مسار الطريق

وبخصوص مسار "طريق السبايا" وأبعاد إقامته، قال "الطائي" إنهم "يبحثون عن الطريق الذي سار بهم من الكوفة إلى دمشق، وأنهم وجدوا آثار ودلائل بخصوص سير السبايا، وقد اختاروا طريقين يمر الأول من تلعفر وسنجار والثاني من عوينات وربيعة (مدن في محافظة نينوى العراقية) إلى سوريا".

وأوضح أن "مناطق حول الموصل يقطنها أقليات منذ مئات السنين مسيحيين وأيزيديين وشبك وعرب سنة وشيعة وتركمان وأكراد، كما أنها منطقة متوترة أمنيا، والوجود في هذه المناطق والقيام بالشعائر وجعله طريق للمسير سيثير هذه المذاهب المتعايشة، ومع وجود المليشيات ستخلق مشاكل في الموصل وهي في غنى عنها".

وأوضح الطائي أن "طريق السبايا يمر بالقرب من خط دولي جديد من المفترض أن يفتح مع تركيا (منفذ فيشخابور) ويشهد المنفذ والمناطق القريبة منه صراعا بين البيشمركة (قوات حماية إقليم كردستان العراق) وبي كاكا، وقوات قسد من سوريا التي تحاول الدخول إلى العراق، واليوم توجد مليشيات طهران للمرور إلى سوريا ونقل السلاح والمخدرات والتهريب".

وأكد الباحث العراقي أن "المنطقة الحدودية بالموصل مع سوريا وما حولها، ازدادت أهميتها من قبل المليشيات بعد سيطرة واشنطن على حدود القائم (مدينة عراقية على حدود سوريا)، وبالوجود والمراقبة الدائمة لحماية قاعدة عين الأسد، فتحاول المليشيات التغطية على خط تحركاتها الإقليمية عبر طريق السبايا المخترع مع نشاطات طائفية واقتصادية معروفة".

وفي السياق، قال مرصد "أفاد" خلال بيان نشره في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن "عمليات المسح التي تجريها جهات دينية تتبع ديوان الوقف الشيعي والعتبة الحسينية، في منطقة آسكي موصل، وصولا إلى سنجار ثم الحدود السورية، يمثل تهديدا جديدا للسلم الأهلي، وإثارة نعرات طائفية ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة".

وأشار المرصد إلى أنه يظهر بيان "العتبة الحسينية"، الذي رسم مسار الطريق المفترض بين "آسكي موصل" باتجاه بلدة "نصيبين"، أنهم يتحدثون عن طريق "الكاروان"، أو الطريق السلطاني العثماني الذي كانت تمر منه قوافل ومؤن بين العراق وسوريا وتركيا في الحقبة العثمانية القريبة.

ورأى "المرصد" أن تحركات الجهات الدينية التي ترافقها جماعات مسلحة تشير إلى "نوايا توسعية"، مؤكدا أن المناطق "التي جالت فيها تلك الجهات ووضعت أشرطة وعلامات في قسم منها، تعود لمكونات تاريخية عدة في المحافظة إسلامية ومسيحية وتركمانية وإيزيدية وهي أملاك خاصة، وأخرى أراض عامة موزعة بين عدة وزارات".

تبريرات "العتبة"

وبعد تصاعد الإدانات لإقامة مشروع "طريق السبايا"، أبدى "علي الكرعاوي" رئيس اللجنة التي تتولى عمليات المسح للطريق الذي تشرف عليه العتبة الحسينية، استعداده للنقاش مع أي جهة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، بشأن المشروع الذي لم يكتمل بصورة نهائية، وأن يعمل على طمأنتهم.

ونفى "الكرعاوي" أن يكون مشروعه مرتبط بإيران، بالقول: "نحن لا نمثل ولاية الفقيه في إيران، كما تدعي بعض الجهات، بل إننا مؤسسة دينية وليس أكثر من ذلك، وكل أعمالنا أصولية وقانونية".

وتابع: "العتبة لديها مركز ثقافي غرب محافظة نينوى. ومن خلال العمل، توصلنا إلى مجموعة من الآثار في مناطق سنجار وآسكي موصل، والتي كانت تسمى في العصر الآشوري "بلط"، واكتشفنا مرقدا يعود إلى عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن أبي طالب".

وأردف "الكرعاوي"، قائلا: "عقب ذلك تعقبنا الطريق الذي يمر بتلعفر ثم سنجار، ووجدنا أنه يحتوي على آثار كثيرة، بالتنسيق مع أساتذة في الجغرافيا والتاريخ والآثار".

وأضاف: "من ضمن ما وجدناه ما يُعرف بالبحر المر، كما وجدنا مرقدا قديما لعمر بن الحسين، وراجعناه وفق روايات ومصادر لأبو إسماعيل الهروي. ولكن هناك شكوكا من أن يكون المرقد لعمر بن الحسن، وليس بن الحسين، وكان قد خرج مع السبايا. لكننا حتى الآن في طور البحث، ولم نجد مصادر تاريخية دقيقة".

لكن تقارير صحفية، نقلت عن مصادر من مدينة الموصل، قولهم: "إن رجال العتبة الحسينية لم يأت معهم باحثون من جامعة الموصل كما ادعوا، وإنما كانوا وحدهم تحت حماية أفراد من مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"العصائب" و"الحشد الشبكي"، الموزعين على طول الطريق المفترض، ولا توجد معهم أي وسائل علمية للتنقيب أو التتبع، بل حددوا عدة نقاط بعضها مبني على روايات تاريخية وأخرى تخمينا".

ورغم تطمينات "الكرعاوي"، إلا إن محللين كشفوا هدفا آخر من "طريق السبايا" من بينهم السياسي حسين السبعاوي، الذي غرد على "تويتر" مطلع يناير/كانون الأول 2020. قائلا: "طريق السبايا الذي يمر عبر نينوى هو في حقيقته طريق الحرير إلى البحر المتوسط الذي تريد أن تهيمن عليه إيران كما هو مشروع طائفي ضمن منطقة سنية ليزداد الاحتقان الطائفي وبالمجمل هو ضمن مشروع إشعال الحرائق في المنطقة الذي ترعاه إيران خدمة لمصالحها".