"لن يرى النور".. لماذا هددت مليشيات إيران بالعراق بعرقلة ميناء الفاو؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ توقيع الحكومة العراقية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، عقد بناء ميناء "الفاو" بمحافظة البصرة (جنوب) مع شركة "دايو" للهندسة والبناء الكورية الجنوبية، والصراع المزمن لم يهدأ بين الميليشيات الموالية لإيران.

بعد توقيع العقد رسميا مع الشركة الكورية واستبعاد منافستها الشركة الصينية، توعد "قيس الخزعلي" زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران، من مرروا عقد شركة "دايو" الكورية، ووصفهم بـ"الفاسدين".

وقال "الخزعلي" في تغريدة على "تويتر" في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020.  "إلى الفاسدين الذين مرروا عقد الشركة الكورية دايو، سيأتي اليوم الذي فيه تُفضَحون، ويعرفكم الشعب، ويحاسبكم على الجريمة الكبرى التي اقترفتموها بحق مستقبله من أجل مغانمكم الخاصة".

وتوعد الخزعلي بـ"العمل بكل قوة لإبطال هذه الجريمة الكبرى بحق العراق، ونأمل من الشرفاء كافة أن يقفوا معنا ولا يسكتوا".

إرادات مشبوهة

وعلى الوتيرة ذاتها، أصدر تحالف "الفتح" بزعامة "هادي العامري"، الذي يميل إلى التعاقد مع الشركة الصينية بيانا في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، حول مشروع الميناء عبّر فيه عن استغرابه من إحالة مشروع ميناء "الفاو" إلى الشركة الكورية. 

وقال: "عرض الشركة الكورية يتضمن تنفيذ جزء من المشروع، بمبلغ يتجاوز المليارين و650 مليون دولار، بمدة 4 سنوات دون تشغيله، والذي يحتاج إلى التعاقد مع شركة أخرى بطريقة التشغيل المشترك، وعليه فإن ميناء الفاو لن يرى النور قبل 6 سنوات كحد أدنى في حال توفر الظروف الطبيعية والتخصيصات المالية اللازمة".

وأوضح بيان التحالف المقرب من إيران أن هذا "يثير الشك بوجود إرادات مشبوهة للحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع المهم والحيوي للعراق".

وشدد البيان على أن "تحالف الفتح سيتخذ جميع الخطوات الصارمة والإجراءات القانونية اللازمة ضد كل من عرقل ويعرقل تنفيذ هذا المشروع بما يحقق سرعة الإنجاز وعدم هدر المزيد من الوقت والمال". 

الاتهامات والتهديدات التي صدرت من "العصائب" و"الفتح" جاءت بعد تهديد زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" بالتدخل وإنهاء تدخل الميليشيات والفاسدين في موضوع بناء ميناء "الفاو"، إذا لم تتدخل الحكومة.

وقال "الصدر" خلال تغريدة على "تويتر" في 16 ديسمبر/كانون الثاني 2020، طالب فيها الحكومة بالعمل على "اجتثاث الفساد والابتزاز الواضح والجلي في مشروع ميناء "الفاو" الكبير الذي تكالبت عليه أيدي الخارج والداخل وأيدي التجار والميليشيات بحجج واهية ليبقى العراق معزولا ومحتاجا إلى غيره".

وأضاف: "أنصح دول الجوار بعدم التدخل بالشأن العراقي مع الاتفاق مع الجارة العزيزة الكويت، وأنصح الجهات الداخلية برفع يدها فورا، وإلا سأتدخل بطريقتي الخاصة، إن لم تتدخل الحكومة".

وأفاد مراقبون في الشأن السياسي بأن تبادل التهديدات يأتي من محاولة الطرفين السيطرة على أهم ميناء عراقي، والذي تقدر إيراداته (المتوقعة) بشكل رسمي بنحو 450 إلى 500 مليار دولار سنويا.

وأشاروا إلى أن "التيار الصدري يسيطر على منصب مدير الموانئ في العراق، فيما كانت وزارة النقل خاضعة بشكل كامل إلى تحالف الفتح، إضافة إلى أن الطرفين يسعيان للحصول على عملة ضخمة من الشركة التي تفوز بعقد تنفيذ مشروع الميناء".

محاولة عرقلة

لم تمض سوى ساعات قليلة على تهديدات "الخزعلي"، حتى أعلنت السلطات مطلع يناير/كانون الثاني 2021. العثور على لغم بحري ملتصق بإحدى ناقلات النفط التابعة لشركة "سومر" المحلية بالمياه القريبة من موانئ محافظة البصرة جنوب البلاد.

وأفادت تقارير مواقع محلية، أن اللغم الملتصق بالناقلة يزن 30 كيلو غراما ويمكن أن يلحق ضررا كبيرا في الناقلة التي تتخذها شركة "سومو" خزانا نفطيا عائما، الأمر الذي دفع السلطات إلى نقل اللغم جوا إلى مدينة "الفاو" لتفكيكه، كونه من النوع الذي "ينفجر بتأثير صوت الذبذبات أو الاهتزاز أو اللمس".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي والأمني العراقي، مهند الجنابي، خلال تصريحات صحفية في 1 يناير/كانون الثاني 2021: "التحقيقات لم تكشف تفاصيل دقيقة، لكن الأمر له علاقة بالتصعيد الداخلي بين القوى والفصائل المسلحة".

وأوضح الجنابي أن "التصعيد الذي حصل من زعيم (عصائب أهل الحق) قيس الخزعلي، وحديثه عن وجود شخصيات فاسدة مررت إبرام العقد مع شركة دايو، كله يدخل ضمن الصراع المزمن بين التيار الصدري والعصائب".

ورأى الخبير أن "محاولة تفجير ناقلة نفط عراقية، قد تكون أبعادها داخلية أكثر منها خارجية، وربما تكون فرضية وقوف إيران خلفها واردة في حال كان اللغم في العمق الخليجي وليس قرب الموانئ العراقية".

وأكد "الجنابي" وجود رابط بين تفخيخ الناقلة والصراع حول ميناء الفاو، بالقول: "بكل تأكيد الصراع الموجود على ميناء الفاو بين القوى السياسية وأطراف مسلحة، أصبح واضحا، ولن يقف الأمر على تلغيم هذه الباخرة".

وتابع: "خصوصا أننا أمام اشتداد الأزمة الاقتصادية، وتصعيد بين إيران والولايات المتحدة، إضافة إلى ندرة الموارد للفصائل المسلحة والقوى السياسية، حيث تحاول هذه الأطراف السيطرة على مصدر تمويل يعوضها عن النقص الحاصل بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة".

حادثة "الانتحار"

هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها عرقلة عمل الشركة الكورية في تنفيذ "ميناء الفاو"، ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عثرت السلطات العراقية على جثة مدير الشركة مشنوقا في غرفته بمحافظة البصرة.

اللافت أن إعلان حادثة "انتحار"، "بارك تشول هوبا"، جاء بعد 3 أيام من إعلان بغداد نيتها توقيع عقد مع الجانب الكوري لبدء تنفيذ مشروع الميناء، لكن وزارة الداخلية كشفت بعد يوم واحد فقط نتائج التحقيقات الأولية بوفاة مدير "دايو"، المنفذة لمشروع ميناء "الفاو".

وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا: "بعد فحص الأدلة والكاميرات وسماع شهادات الشهود وجميعهم من الجنسيات الأجنبية وليس فيهم أي عراقي، اتضح أن المعلومات الأولية تشير إلى أن مدير الشركة الكورية كان منتحرا".

وأضاف "المحنا" لوكالة الأنباء العراقية، أن "التحقيقات لا تزال مستمرة لمتابعة أي معلومات قد تظهر في المستقبل"، مشيرا إلى أن "مديرية شرطة البصرة وبعد تلقيها خبر الانتحار شكلت فريق عمل ضم جميع الجهات الأمنية والاستخبارات ومكافحة الإجرام والأدلة الجنائية".

لكن تحالف "سائرون" البرلماني المدعوم من زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر"، حذر في حينها من مؤامرة كبيرة على العراق وعلى الجنوب خصوصا. 

وقال "العكيلي" خلال بيان أصدره في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020: "نرجو أن لا تكون حادثة قتل مدير شركة دايو لبناء ميناء الفاو سببا لتعطيل العمل بالميناء".

وأضاف: "ما يحدث مؤامرة كبيرة على العراق وعلى الجنوب خصوصا، ولأهمية هذا الميناء المؤامرات على البلد على قدم وساق".

النائب ذاته، أكد في تصريحات صحفية أن "الكثير من العراقيين لم يصدقوا بأن ما جرى حادثة انتحار، إضافة إلى أن ما تسرب بشكل غير رسمي عن تحقيقات، يوضح أن الأمر ليس انتحارا".

وأضاف "العكيلي" أن "ميناء الفاو، مشكلة لا نرى لها حلا في المستقبل، لأن الخلافات السياسية حول الموضوع من الممكن أن تجرنا إلى مشكلات كبيرة، لذلك لم نصدق منذ البداية بأن إنشاءه سيكتمل، ومن ثم فإن إعلان حادثة الانتحار ليس من باب الصدفة، لأسباب كثيرة وعلى رأسها أن الأمر مرتبط بالميناء نفسه".

وتابع: "بصفتي محاميا قبل أن أكون نائبا، فإنني مطلع على حوادث من هذا النوع، وأرى أن الوضع العام للجثة وما ظهر من آثار على أطراف أصابعه، لا يمكن للحادثة أن تكون بدافع شخصي، أو القول إنه أقدم على الانتحار".

وبموجب العقد الذي وقعه في بغداد ممثلون عن وزارة النقل العراقية، والشركة الكورية الجنوبية بقيمة 2.625 مليار دولار، ستتولى "دايو" أعمال التشييد التي تشمل بناء 5 مراس لتفريغ السفن وفناء للحاويات.

وقال "فرحان الفرطوسي" المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق، خلال تصريحات صحفية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، على هامش مراسم التوقيع، إنّ "دايو" ستتولى أيضا أعمال التجريف والحفر لإنشاء قناة ملاحية.

وأضاف "الفرطوسي" أنّ المرحلة الأولى ستسمح للميناء باستقبال 3 ملايين حاوية، وأن جميع أعمال البناء من المقرر انتهاؤها في غضون 4 سنوات تقريبا.