بعد "سنة جافة".. كيف يمكن للمغرب تدارك خسائره الاقتصادية؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مؤشرات سلبية شهدها الاقتصاد المغربي عام 2020، خاصة في ظل "أزمة كورونا"، كارتفاع مؤشر الدين العام وزيادة معدلات البطالة، مع توقعات الخبراء بأن ينكمش اقتصاد المملكة بنحو 6.3%، وأن يتراجع الناتج المحلي بنسبة تتراوح ما بين 8% إلى ما يزيد عن 12%.

وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال صندوق النقد الدولي: إن "تدهورا طرأ على الوضع المالي في المغرب خلال العام الجاري، نتيجة هبوط الإيرادات الضريبية، الناجمة عن تداعيات تفشي كورونا".

وتوقع الصندوق في بيانه عقب ختام مشاورات مع المغرب، انخفاض ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2% في 2020، وأن ينتعش العام المقبل إلى 4.5 %، حيث تتضاءل آثار الجفاف والوباء وتظل السياسة النقدية والمالية ملائمة.

وعانى "المغرب" من جفاف شديد أثّر على القطاع الزراعي الذي يشكل أكثر من 14% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبسبب "جائحة كورونا" والجفاف، ارتفعت معدلات البطالة إلى 12.7% في الربع الثالث من عام 2020، صعودا من 9.4% على أساس سنوي، ودفع التضخم إلى الانكماش.

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، صادق مجلس النواب المغربي (البرلمان) بالأغلبية على مشروع موازنة 2021. بعد قراءة ثانية ونهائية، بإجمالي نفقات (476.11) مليار درهم (51.7 مليار دولار)، بانخفاض قدره 6.2 % مقارنة بسنة 2020.

وتستهدف موازنة 2021. "تسريع تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، انطلاقا من مطلع يناير/كانون الثاني 2021، والتأسيس لمثالية الدولة وعقلنة تدبيرها"، وفق الحكومة المغربية.

سنه جافة

وبالنظر إلى الحصاد الاقتصادي للمملكة خلال 2020، نجد أن الرباط تكبدت خسائر اقتصادية أدت إلى تأزم الوضع الاجتماعي، فمن المتوقع أن تدفع تداعيات "كورونا"، نحو 1.85 مليون نحو الفقر، مما يعني زيادة معدل الفقر في 2020. إلى 19.87% مقابل 17.1% عام 2019، وذلك وفق تقرير صادر عن "المندوبية السامية للتخطيط" (هيئة رسمية).

وبحسب الخبير الاقتصادي، عبد الخالق التهامي، فإن "حصيلة الاقتصاد المغربي لا تختلف كثيرا عن البلدان الأخرى نظرا لتداعيات جائحة كورونا"، مشيرا أن الاقتصاد تأثر سلبا خلال عام أسماه بـ"سنة جافة"، وخاصة في ظل الجفاف الذي ساد المملكة مما أثر على القطاع الزراعي، وينذر بتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو يزيد عن 8%.

وأضاف "التهامي"، في تصريح لصحيفة "الاستقلال": أن "قطاعي الزراعة والسياحة الذي يعتمد عليها اقتصاد المملكة بشكل شبه كلي توقفا، بالإضافة إلى تعطل نشاطات القطاعات المرتبطة بالصناعات والنقل وغيرها، وبالتالي نرى هذا الانكماش الحاصل، مما ألزم الحكومة العمل على إنعاش بعض القطاعات لدفع الاقتصاد".

واستدرك قائلا: "لكن ذلك لم يكن كافيا بطبيعة الحال لسدّ الثغرة التي خلقتها الأزمة الصحية".

وخسر قطاع السياحة أكثر من مليار دولار، حيث تراجع دخل القطاع بأكثر من 33% خلال النصف الأول من العام 2020. بعد أن تراجع نشاطها بنسبة تقدر بنحو 60%، بسبب الإجراءات التي فرضها تفشي "كورونا"، وفقا لما أعلنته وزارة الاقتصاد المغربية.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أشار الباحث الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، "رشيد أوراز"، إلى أن "كورونا الذي ضرب الاقتصادات الكبرى، لم تنعكس نتائجه على اقتصاد المملكة بشكل كارثي كما كان متوقعا شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان الماضيين".

وبرهن "أوراز" ذلك بأن "أغلب القطاعات استرجعت نشاطاتها ولو بشكل جزئي بعد انتهاء مدة الحظر الصحي الذي فرض في بداية انتشار الجائحة، رغم زيادة أعداد المصابين فيما بعد، مثل قطاع الصيد البحري وبعض القطاعات الصناعية والصناعات الغذائية".

إلا أنه أكد، أن على المستوى الاقتصادي بشكل عام"كانت هناك مشاكل مرتبطة بارتفاع معدلات البطالة وتراجع النشاط التجاري مع الخارج، بالإضافة إلى القطاعات التي لم تستطع أن تعيد نشاطها مثل السياحة".

وشهدت الصادرات المغربية تراجعا ملحوظا بنحو 10% إلى (213.7) مليار درهم (23.96 مليار دولار) من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020. مقارنة بها قبل عام، وذلك وفقا لـ"مكتب الصرف المغربي".

عجز مرتفع

وتسعى الحكومة المغربية من خلال ميزانيتها لعام 2021، أن تتدارك هذا الانكماش الاقتصادي عبر "صندوق محمد السادس الإستراتيجي" (حكومي)؛ لدعم الاستثمار والأنشطة الإنتاجية، بالإضافة إلى ضخ 120 مليار درهم (13 مليار دولار) في الاقتصاد المحلي.

وكذلك دعم الاستثمار العمومي بنحو 230 مليار درهم (25.79 مليار دولار)، وتخصيص 2 مليار درهم لقطاع الصحة وتقديم دعم مباشر لمنظمات "الضمان الاجتماعي"(التأمين) تقدر بنحو 5 مليار درهم (5.4 مليارات دولار).

وأشار "التهامي"، إلى أن "الإشكالية الموجودة في الموازنة هو العجز المرتفع الذي تحاول الحكومة أن تتداركه ولكنه ليس كافيا، لأن الحكومة أرادت أن ترفع قيمة الاستثمار العام بقيمة 230 مليار درهم وهو أمر إيجابي من أجل الحفاظ على العمالة الموجودة بالسوق حاليا.

وأكد أن "نسبة النمو المتوقعة بنحو 4.5% بالميزانية لن تمتص ما حدث في عام 2020، كما أنه غير كاف لخفض نسبة البطالة التي ستحافظ على معدلها بأكثر من 10% خلال 2021، وبالتالي لن يعود المغرب لما كان عليه قبل الأزمة الصحية الحالية".

وتشير ميزانية 2021. إلى توقعات بتحقيق نمو اقتصادي بنحو 4.8%، مستندة بذلك على تعافي الاقتصاد العالمي الذي حدده صندوق النقد الدولي بنحو 5.2% خاصة منطقة اليورو.

بينما يرى الباحث أوراز، أن ميزانية 2021. جاءت بشكل يتماشى مع الوضع الاقتصادي الراهن، مشيرا إلى أن "الميزانية مبنية على توقعات بأن يشهد الاقتصاد فتحا شاملا نتيجة اكتشافات لقاحات كورونا".

وتابع: "لكن عجز ميزانية 2020. تقريبا يقارب 10%، وبالتالي الدولة لجأت إلى الاستدانة لسد هذا العجز، وهذا من بين أكبر المشاكل التي ستعرفها ميزانية 2021، لأن موارد الدولة من الضرائب ستنخفض بشكل كبير بسبب تعطل النشاط الاقتصادي عام 2020".

صعوبة التعافي

ورغم كل تلك المحاولات والمعطيات الاقتصادية، يظل المواطن المغربي يتسائل عن مدى إمكانية تعافي البلاد من تلك الخسائر التي طرأت عليها خلال عام 2021.

وفي هذا السياق، يرى التهامي، أنه "لا يمكن للاقتصاد المغربي أن يعوض خسائره خلال هذا العام الجديد نتيجة عدم اليقين الذي يسيطر على جموع القطاعات في المغرب، فمن المتوقع أن يبقى قطاع السياحة في الربع الأول من عام 2021. رهين نتائج لقاحات كورونا، وهذا أيضا غير واضح".

وأضاف: "كما أنه يجب انتظار إلى ما ستؤول إليه الأمور فيما يتعلق بالسنة الفلاحية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد، أي بنهاية فصل الشتاء؛ لنرى إن كانت السماء مطيرة أم لا حتى نعرف هل ما زال الاقتصاد المغربي أسير الجفاف هذا العام أيضا أم لا".

فيما أوضح أيضا الباحث الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، أن "اقتصاد المملكة لن يكون قادرا على تعويض خسائره"، مضيفا: أن "أغلب التوقعات تشير إلى أنه في حال تحسن الوضع الاقتصادي للمغرب فلن يستطيع استعادة طاقته الكاملة إلا في 2023".

وختم "أوراز" تصريحه بالقول: "يمكن القول إن عام 2021. هو استمرار لعام 2020. مع تحسن في بعض المستويات، وأكثر المتفائلين يتمنى أن يسترجع قطاع مثل السياحة عافيته، كونه مهما جدا وترتبط به قطاعات أخرى مثل الصناعات التقليدية والنقل وغيرها".