6 أبريل.. بداية الرحلة

أحمد ماهر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

١١ عام مروا سريعا على يوم الإضراب العام، هذا اليوم الذي حدث فيه ما فاق كل التوقعات، تماما مثلما لم يستطع أحد توقع ما حدث في ٢٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١١.

كانت الأيام القليلة السابقة ليوم الإضراب في غاية السخونة والتوتر، مجموعات الدعوة للإضراب العام يوم ٦ أبريل/ نيسان على شبكات التواصل الاجتماعي، تزداد عضويته كل دقيقة، الجميع في حالة حماس شديدة، الكل يعمل بنظام مثل خلية نحل، الكل يساهم بأفكار ومعلومات ومجهود أكبر لنشر الدعوة للإضراب العام، بالرغم من أنهم لم يتقابلوا من قبل ولم يكن لهم سابق معرفة ببعضهم، لكن الكل يعمل بإخلاص شديد.

وفي يوم ٥ أبريل/ نيسان ٢٠٠٨ أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانا يحذر كل من يفكر المشاركة في الإضراب أو يروج له، ولكن البيان ارتد عليهم مرة أخرى وتسبب في تأثير عكسي، فقد أعلم من لم يكن يعلم، وساهم في نشر الدعوة بقوة، وزادنا هذا الإنذار والتعديد كثيرا من الحماس والتحدي.

كان الحدث مفاجئا بكل المقاييس، شباب لم يقابلوا بعضهم على أرض الواقع يحاولون نشر الدعوة للإضراب في كل مكان، بالإضافة لدعوات التظاهر في نفس الوقت في كل ميادين مصر، الآلاف من قوات الأمن وفض الشغب ينتشرون في كل شوارع مصر، يقومون بالقبض على كل من يشتبه به أنه مشارك أو متعاطف مع تلك الدعوة، كل من كان يسير في الشارع وهو يحمل علم مصر أو يرتدي ملابس سوداء كإشارة متفق عليها يومها للتعبير عن الاعتراض على الأحوال في مصر، الشوارع خالية، المحال التجارية مغلقة، الطلاب لم يذهبوا إلى المدارس والجامعات، والمصالح الحكومية بلا موظفين.

وفي مدينة المحلة الكبري -مركز دعوة الإضراب– تم إجبار عمال مصانع الغزل والنسيج على الذهاب للمصنع بالقوة وإجبارهم على العمل، وتم حبسهم داخل المصنع وملاحقتهم في كل مكان. لاحقوا من حاول التظاهر ومن كان ينوي التظاهر، ومن لم يكن ينوي التظاهر ولكن كانت له مشاركات سابقة في تنظيم التظاهرات؛ تم اعتقاله من منزله كضربة استباقية، كما تم منعهم من الخروج بعد انتهاء الوردية، فتجهز أهالي العمال خارج المصنع وتجمهرت الجماهير، واحتكت قوات الأمن بهم بنفس الغباء المعهود، فانطلقت الشرارة.

ورغم القمع والضربات الاستباقية التي سبقت يوم الإضراب العام، إلا أن ما حدث ضرب مثالا هاما، وهو كيف يمكن للجماهير أن تهب فجأة بشكل عشوائي وغير متوقع حتى من أكثر السياسيين قدرة على التحليل، وكيف أنها كادت تتحول لثورة رغم ما كان يحدث في عهد حسني مبارك من تكميم للأفواه وقمع واعتقالات مستمرة، ورغم تقييد الحياة السياسية والمجال العام ورغم التأميم والحصار للأحزاب السياسية، ورغم التحكم الدقيق للأجهزة الأمنية في كل مناحي الحياة في مصر، تحركت الجماهير فجأة بسبب مطالب اقتصادية ولم تهب جحافل الأمن والغاز وطلقات الخرطوش.

كان إضراب ٦ أبريل/ نيسان ٢٠٠٨ إنذارا عنيفا لمبارك ونظام حكمه، خرج أهالي مدينة المحلّة يطالبون بزيادة الرواتب وتحسين أوضاع العمل، فوجدوا صور حسني مبارك منتشرة في الميدان الرئيسي بالمدينة، فاستنتجوا تلقائيا أن سياسات هذا الحاكم هي السبب في معاناتهم، لم تتوقع الأجهزة الأمنية الخروج المفاجئ للجماهير يوم ٦ أبريل، واستخدم الأمن كل أشكال العنف والقسوة والقمع لحصار ووقف الاحتجاجات، لم ينتبهوا للرسالة، واستمر القمع بعد ذلك اليوم العظيم، واستمرت السياسات النيوليبرالية التي زادت الشعب افتقارا وزادت العصابة الحاكمة والمحاسيب غنى وثروة وشهوة نحو مزيدا من الثروة، فكان الخروج يوم ٢٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١١ بشكل أكبر وأعظم.

وكان لحركة ٦ أبريل الدور الرئيسي في انطلاقة شرارة ٢٥ يناير بالتعاون مع صفحة "كلنا خالد سعيد"، وكان ذلك بعد تراكم طويل المدى، بدأ ربما من عام ٢٠٠٢ لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ثم الحركة الرافضة لضرب العراق في ٢٠٠٣، ثم ظهور حركة "كفاية" الرافضة للتمديد والتوريث، ثم حركة ٦ أبريل ثم صفحة خالد سعيد التي أطلقها الصديق وائل غنيم بعد مقتل الشاب خالد سعيد على يد الشرطة المصرية بمنتهى الوحشية؛ وهي الصفحة التي كان لها دور كبير بعد ذلك.

بعد الثورة لم تتحول حركة ٦ أبريل لحزب سياسي، ظنا من القائمين عليها وقتها أن الوقت لايزال غير ملائم للهدوء والعمل السياسي التقليدي، وأن الأحداث والتغيرات المتلاحقة لا تزال تحتاج العمل الحركي حتى تستقر الحياة السياسية في مصر، ويمكن بعد ذلك التحول لحزب سياسي والعمل السياسي التقليدي من ترشح للانتخابات وعضوية في البرلمان، ولذلك كان شعار الحركة بعد الثورة "عين تراقب ويد تبني".

إلى أن كان ما كان في 30 يونيو/ حزيران 2013 وانقلبت الأحوال، وتم حظر حركة 6 أبريل في النصف الأول من عام ٢٠١٤، وكان ذلك بسبب موقف الحركة الداعي لأن تكون مصر وطنا للجميع بدون إقصاء، وأن من حق كل فصيل الوجود والمشاركة حتى لو كان ينتمي للإسلام السياسي، بشرط أن يدعو لأفكاره وتنظيمه بشكل سلمي.

وتم تشويه وشيطنة الحركة بسبب مواقفها الرافضة للإقصاء والقمع وانتهاك حقوق الإنسان والرافضة لعودة السلطوية مرة أخرى، فتمت مطاردة أعضائها وقياداتها وكوادرها الذين أصبحوا الآن بين مسجون أو مطارد أو قابع في المنفى وسط مناخ عام وتحريض إعلامي رسمي يعتبر تواريخ مثل 6 أبريل/ نيسان 2011 أو 25 يناير/ كانون الثاني 2013، هي تواريخ للفوضى والتمرد والخروج على النظام. ورغم ذلك لا يزال شباب 6 أبريل على عهدهم بالتمسك بمبادئ ثورة 25 يناير, والمساندة للقيم التي تدعوا للتسامح والتعايش ومساندة العدل والحرية والكرامة.

ورغم الخطاب المصري الرسمي من وسائل الإعلام الرسمية والموالية للسلطة، الذي يحض على الكراهية والإقصاء والتخوين ضد كل من يعترض أو لديه رأي مختلف، ورغم خطاب المؤامرات وأساطير وخزعبلات المؤامرات الغربية على مصر، ورغم كل الإحباط الذي ينتشر انتشار النار فى الهشيم، فلا يزال هناك من يتمسك بقيم "ثورة يناير" التى تدعو للعدل والحرية والتسامح والتعايش وعدم الإقصاء، والأهم من ذلك أنهم يحاولون مقاومة اليأس والإحباط؛ فاليأس والإحباط هم أسلحة السلطة، وهم أخطر الأعداء.

تحية لعمال المحلة وتحية لكل من ساهم في الدعوة ليوم الغضب والإضراب العام في ٦ أبريل/ نيسان ٢٠٠٨ الذي كان الشرارة الأولي لثورة ٢٥ يناير، وتحية لأرواح كل الشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن فكرة أو مبدأ، وتحية لكل من واجه الموت والقمع وهو يحلم بأن يكون المستقبل أفضل.

تحية لشباب ٦ أبريل الذي لا يزال متمسكا بمبادئه وأفكاره رغم التهديدات ورغم التنكيل ورغم الإغراءات، فلن تنهض مصر إلا بانتصار الديمقراطية وقيم العدل والمساواة، ولن تتقدم مصر إلا بالحكم الرشيد وبالمحاسبة والشفافية وسيادة القانون على الجميع، ولن تخرج الأمة العربية من كبوتها إلا بسيادة مبدأ التسامح وقبول الآخر كما هو والتعايش رغم الاختلاف ورغم التنوع.