انتخابات البرلمان الكويتي.. ماذا تغير في السياسة الداخلية هذه المرة؟

12

طباعة

مشاركة

تختلف الكويت التي تتبع سياسة فريدة بإظهار الموقف الأكثر صرامة ضد التطبيع مع إسرائيل، ببرلمانها وانتخاباتها "الديمقراطية"، مقارنة بجيرانها الخليجيين.

وفي هذا السياق يعتبر وجود "مجلس الأمة" علامة على أن الكويت "أكثر دولة ديمقراطية في الخليج". وقد توجه شعب الكويت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020. إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 50 نائبا.

ومع أن الانتخابات التي تجرى بشكل روتيني كل أربع سنوات غير ديمقراطية بالكامل، إلا أنها تعتبر مهمة لإظهار سياسات الخليج أنها ديمقراطية، وفق مركز "أورسام" التركي للأبحاث.

وتحاول الحكومة الكويتية في مواجهة أزمة السيولة الناجمة عن "وباء كورونا" وانخفاض أسعار النفط، سد عجز الموازنة.

وأظهر تصريح لوزير المالية الكويتي، بأن رواتب موظفي الخدمة المدنية لا يمكن دفعها بأن الوضع الاقتصادي ليس جيدا على الإطلاق. 

فيما تبرز وفاة الشيخ "صباح الأحمد الصباح" في 29 سبتمبر/أيلول، والمعروف بكونه مهندس السياسة الخارجية للكويت، كتطور مهم آخر، برأي الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) محمد رقيب أوغلو.

من ناحية أخرى، يمكن الإشارة إلى أن ظهور نمط التطبيع مع إسرائيل في الخليج، وانعكاس الانتخابات الرئاسية في أميركا على المنطقة تعتبر ضمن القضايا المؤثرة في السياسة الخارجية.

 ومع ذلك فإن المشاكل الاقتصادية وعملية التحول السياسي و"وباء كورونا" لم يمنع الشعب من الذهاب إلى صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية الثامنة عشرة.

بل وعلى العكس من ذلك، ارتفع عدد الناخبين، الذي كان 483 ألفا في عام 2016، إلى 567 في عام 2020، وفقا للباحث. 

ما قبل الانتخابات

ويرى الباحث "رقيب أوغلو" أن الإصلاح السياسي يمثل أحد الخطابات الرئيسة في الحملات الانتخابية بالكويت.

 وعلى الرغم من أن الموضوع ذو نهاية مفتوحة، إلا أن العديد من مرشحي المعارضة وجهوا دعوات للإصلاح، مؤكدين على أن المشاكل السياسية ناجمة عن خلل في البرلمان ومن بقاء الحكومة في الظل. كما قيل إن النظام السياسي القائم في الوضع الراهن قوبل بعدم الارتياح من قبل الشعب.

في هذا الصدد، تم طرح تغيير نظام التصويت الواحد غير القابل للتحويل (صوت واحد لكل شخص) إلى جدول الأعمال. وقد طُرحت هذه القضية للمناقشة، خاصة بعد أن قدم بعض النواب في 2016. مشروع قانون لتغيير النظام المذكور أربع مرات. 

وأدرك العديد من النواب أن هذا النظام غير صالح وأكدوا على ضرورة إصلاحه. وبحسب "أورسام"، يمكن القول: إن المعارضة والمرشحين متفقون على إصلاح القانون الذي غير النظام الانتخابي. 

كما يمكن القول: إن النظام الانتخابي الحالي يزيد في قوة القبائل، ويخلق عقبات مهمة في تمثيل الطائفية. فيما يقلل هذا النظام من فرص الإصلاح ووجود برلمان توجد فيه المعارضة ويمكن أن يحاسب فيه الوزراء.

هناك قضية أخرى نوقشت قبل الانتخابات، وتتعلق بالإصلاحات السياسية وهي الفساد. ففي الأشهر الأخيرة أصبحت الحاجة إلى الإصلاح السياسي أكثر حدة.

وفي هذا الصدد، كان البند الرئيسي على جدول الأعمال في هذه الانتخابات هو مكافحة الفساد. فقد تحدث كل المرشحين تقريبا في هذا الأمر.

 ومن المعروف أن العديد من النواب تورطوا في غسيل الأموال، والاتجار بالبشر بالقضية المعروفة بفضيحة الصندوق الماليزي، وفق الباحث.

وبهذا المعنى، صرح النائب في المجلس "عمر الطبطبائي" بأن النظام في البلاد قد تعفن. كما زعم العديد من الخبراء أن العديد من قضايا الفساد، بما في ذلك المحسوبية وإساءة استخدام الأموال العامة كانت في قلب السياسة الداخلية للكويت منذ عام 2011.

وأشار الباحث التركي، إلى أن كراهية الأجانب ظهرت كبند آخر على جدول الأعمال الذي تمت مناقشته قبل الانتخابات، حيث يلاحظ حاليا أن كره الأجانب يتزايد في الكويت، على غرار موقف الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" تجاه المكسيكيين وموقف العديد من الدول الأوروبية تجاه السوريين.

 وفي الواقع، يشار إلى أن العمال الأجانب هم السبب الرئيسي لتزايد البطالة بسبب وباء "فيروس كورونا" ولتدهور الوضع الاقتصادي، وفق بعض المعتقدات. وبناء عليه يلاحظ تزايد الاعتداءات على العمال المصريين. 

ومن الموضوعات الأخرى التي نوقشت قبل الانتخابات مشروع قانون تنظيم اختلال التوازن الديموغرافي الذي تم إقراره بالإجماع. ويقترح هذا القانون، الذي من المتوقع أن تنفذه الحكومة، تقليل عدد العمال الأجانب في البلاد. 

وقد حمل العديد من أسماء المرشحين للبرلمان، كراهية الأجانب إلى خطاباتهم بناء على هذا المشروع. وبينما تكشف النقاشات التي جرت قبل الانتخابات عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية في البلاد، يظهر الجانب الشعبوي من القضايا التي تمت مناقشتها أيضا تأثر المرشحين بالناخبين.

البرلمان والمرأة

وأوضح الباحث أن هناك خمس دوائر انتخابية في البلاد. وعندما يتم تحليل الدوائر الانتخابية الخمس معا، يُلاحظ أن الناخبات أكثر من الناخبين الذكور باستثناء المنطقة الانتخابية الخامسة. 

ووفقا للخبراء، فإن السبب الرئيسي لهذا الوضع هو أن المنطقة الانتخابية الخامسة تتمتع بموقف أكثر تقليدية ومحافظة، ولا يوجد وعي بمشاركة المرأة في السياسة.

ويشير عدد المرشحات الذي انخفض من 31 إلى 29 بعد انسحاب مرشحين اثنين، إلى زيادة خطيرة في عدد المرشحات مقارنة بالانتخابات الأخرى. فهذا الرقم يمثل ذروة عدد المرشحات الراغبات في دخول مجلس النواب في تاريخ الكويت. 

وفي هذا السياق تم تنفيذ بعض الأنشطة لزيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية. فقد تم إنشاء منصة إلكترونية تسمى "سجل مضاوي" في سبتمبر/أيلول. من أجل دعم ترشيح وتمثيل المرأة. ومع ذلك، لم تكن هناك مرشحة واحدة من بين المرشحين الذين حصلوا على مقاعد في البرلمان، وفقا لرقيب أوغلو.

وأكدت الكاتبة "سحر موسى" على العقبات التي تحول دون وجود المرأة في العديد من المجالات، بما في ذلك السياسة في مجتمع يهيمن عليه الذكور، مبينة أن السياسيات خسرن في الانتخابات لأنهن لم يستطعن ​​حتى إقناع المواطنات اللواتي صوتن. 

إضافة إلى ذلك، ووفقا لخبراء مثل دانيا ظافر، فإن قانون الانتخابات المعدل في عام 2012. وتزايد دور القبائل لعب دورا مهما في خسارة المرأة في الانتخابات.

ويرى المركز أن تدني وجود نائبات في "مجلس النواب" يضر بصورة الكويت في عيون الدول الغربية. ولهذا تحاول حكومة الكويت حل مشكلة مقاعد المرأة في البرلمان من خلال إعطاء بعض الوزارات للمرأة. 

فعلى سبيل المثال، تم منح وزارتين في مجلس الوزراء للنساء بعد انتخابات عام 2016، فيما تم تعيين "رنا الفارس" في وزارة الأشغال العامة ووزارة الشؤون البلدية في الحكومة التي تم تأسيسها حديثا. ومن المتوقع إجراء إصلاحات هيكلية متعلقة بالانتخابات في نطاق رؤية 2035.

كشفت نتائج انتخابات المجلس أن الأمير الجديد "نواف الصباح" والحكومة المزمع تشكيلها ستكون مقيدة في سياق البرلمان. وفي الواقع يمكن القول ووفقا لنتائج الانتخابات: إن الحكومة والأشخاص المقربين من عائلة الصباح خسروا، وأن المعارضة هي من فازت في الانتخابات. 

وهكذا يمكن لمجلس يغلب فيه المعارضة، أن يحد من سلطة الحكومة وعائلة الصباح في السياسة الداخلية والخارجية والترتيبات الاقتصادية والاجتماعية، وفق المركز.

وقد تمكن (19 نائبا) فقط في البرلمان السابق من الحفاظ على مقاعدهم، أي أن أغلبية أعضاء المجلس (2 من 3) خسروا الانتخابات ولم يتمكنوا من دخول المجلس مرة أخرى. 

تغيرات مهمة

ومن ناحية أخرى، تشير نتائج الانتخابات إلى ازدياد قوة العشائر في البرلمان، فقد حصلت القبائل في الكويت على 29 مقعدا من مجموع المقاعد.

وأضاف الباحث، أن القبائل مثل العوازم والعجمان، التي اقتصر عدد أصواتها على 7 أصوات في انتخابات 2016، حققت نجاحا في هذه الانتخابات بفضل تضامنها القبلي وامتيازاتها. 

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نواب القبائل في الدوائر الانتخابية الرابعة والخامسة دعموا الحكومة تقليديا، فقد لوحظ أنهم أظهروا موقفا نقديا تجاه الحكومة مؤخرا وتعاطفوا مع المعارضة.

ويرى "رقيب أوغلو" أن السبب الذي يكمن وراء هذا الموقف هو تهميش الحكومة لهم اقتصاديا وسياسيا مقارنة بالنخبة الحضرية. وهكذا تغيرت الميول السياسية للنواب القبليين الموالين للحكومة وازداد عدد المعارضة في البرلمان.

كما يمكن القول: إن المعارضة ستتعزز في الشراكة الشيعية السنية من حيث النقد الموجه إلى نظام الصباح والحكومة بدخول الشيعي "حسن جوهر"، الذي تربطه علاقات جيدة بالمعارضة السنية، إلى مجلس النواب. 

وقال: إن غالبية السكان في الكويت من الشباب. وبهذا المعنى، يسمح الدستور الكويتي فقط لمن هم فوق سن 21 بالتصويت، مما يمنع الشباب، الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان، من قيادة السياسة. 

وعلى الرغم من ذلك، هناك قضية أخرى تبرز في الانتخابات، وهي زيادة عدد أعضاء البرلمان الشباب. ففوز 30 نائبا ممن هم دون سن الأربعين عاما خلال الانتخابات، كشف النقاب عن تغييرات مهمة حدثت في السياسة الداخلية للكويت.

ويعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحملة الانتخابية بسبب الشعبوية ووباء "فيروس كورونا" من الأسباب الرئيسية وراء نجاح المرشحين الشباب. 

فقد وفر المرشحون الشباب الذين يستخدمون منصات (إنستغرام) مثل صوت الشباب، خط اتصال وثيق بالناخبين.

وتابع المرشحون الشباب سجلات الأصوات من خلال إنشاء منصة على الإنترنت تسمى "راقب 50" وأظهروا أن الانتخابات كانت شفافة وأن مجلس النواب كان مراقبا أيضا. وهكذا شارك العديد من المرشحين في وسائل الإعلام الافتراضية مثل (واتساب وإنستغرام).

ويشير المركز إلى أن "كورونا" يحول أشكال الانتخابات التقليدية إلى انتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي. 

كما أن حقيقة أن الشباب الذين يسافرون إلى الخارج كثيرا، حاليا بسبب الوباء، سهّل أيضا ربط المرشحين الشباب بالناخبين كما سهل عملية التصويت، الأمر الذي جعل الشباب يفوزون في الانتخابات.

وعلى صعيد آخر فإن حصول الشباب، الذين انتقدوا الحكومة وعائلة الصباح على سياساتهم "القمعية"، على حق النيابة والتمثيل في البرلمان يعتبر تطورا إيجابيا للديمقراطية الكويتية، ولكنه يعتبر أيضا تحد لنظام الصباح على الناحية الأخرى، حسبما يقول المركز.

التغيير والإصلاح

 ولهذا من المتوقع أن يتم مناقشة خطابات التغيير والإصلاح أكثر في الفترة المقبلة في الكويت. كما يمكن النظر إلى الوضع المذكور على أنه خطر على عائلة الصباح.

وإضافة لذلك، فإن حقيقة حصول الشباب، مثل "هشام الصالح وعلي القطان"، الذين شاركوا في حملة مستقلة عن الطائفة الشيعية في البرلمان يكشف أهمية الخطابات الإصلاحية، بحسب المركز.

من ناحية أخرى يمكن القول: إن الشيعة والإخوان المسلمين، الذين لهم أهمية في الجغرافيا السياسية الخليجية، لم يخسروا في الانتخابات. 

فقد حافظ الشيعة الذين يمثلون ما يقرب من 30 بالمئة من السكان، على عدد مقاعد مجلس النواب بـ 6 مرشحين كما في انتخابات 2016. 

وبالمثل، فإن الإخوان المسلمين، الذين لا يُنظر إليهم على أنهم إرهابيون في الكويت على عكس المملكة العربية السعودية، يحق لهم أيضا الوجود في مجلس الأمة. 

وقد ضمن فوز 3 أعضاء من الحركة الدستورية الإسلامية في الانتخابات على الحفاظ على وجود الإخوان في البرلمان وتمثيلهم في السياسة الداخلية للكويت. 

وانعكس الصراع داخل حركة الإخوان المسلمين على نتائج الانتخابات أيضا. فلم يشارك "محمد الدلال"، أحد أهم ممثلي الإخوان في الكويت، في الانتخابات رضوخا لضغوط المرشحين الشباب.

ويكشف فوز الإخوان بثلاثة مقاعد في انتخابات الكويت أن هذه السياسة لم تكن ناجحة، رغم أن المحور "الإماراتي السعودي" حاول تهميش الإخوان وقطع علاقاته مع الشعب.

وبعبارة أخرى، لم تنجح الحرب التي شنت على الإسلام السياسي وممثليه بقيادة السعودية والإمارات على مستوى الكويت. لذلك فإن سياسة "الرياض وأبوظبي"  لربط الإخوان بالإرهاب في الخليج من خلال الإعلام والضغط، لم تحقق هدفها.

ويلخص المركز ديناميكيات التغييرات في سياسة الكويت بالقول: توجه الشعب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب مجلس الأمة في ظل فيروس كورونا في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020. 

وفي الكويت، التي شهدت عملية انتقال سياسي بسبب وفاة الشيخ الصباح، تمت مناقشة خطابات إصلاحية متعددة الأبعاد لا سيما الفساد، قبل فترة الانتخابات.

وانعكس عدم ارتياح شعب الكويت للبرلمان والحكومة السابقين في صناديق الاقتراع. لذلك زادت المشاركة في انتخابات 2020. بشكل ملحوظ مقارنة بالانتخابات السابقة.

لذلك، قد تدخل السياسة الداخلية في الكويت لما بعد 2020. فترة عدم استقرار أكثر اضطرابا. لكن زيادة عدد المعارضة قد يؤدي إلى زيادة اللوم على الحكومة والوزراء وإلزام الأمير "نواف" بحل البرلمان. 

ويعد "رقيب أوغلو" أن اهتمام الشعب المتزايد بالانتخابات، يظهر أن المجتمع أصبح مُسيّسا. لذلك، فإن كون المعارضة في الغالبية وتسيس الشعب يجلب بعض التحديات، سواء بالنسبة للحكومة التي سيتم تشكيلها أو لعائلة الصباح.

وعلى الرغم من أن الحكومة يتم تعيينها من قبل الأمير وتحدد القوانين، إلا أن التعاون بين الحكومة والمعارضة مطلوب في البرلمان للإصلاح الاقتصادي وحل المشاكل الاجتماعية.

ولفت المركز، إلى أن احتمال تحول التوتر المحتمل بين الحكومة والمعارضة إلى واقع قد يدفع الكويت، التي تمر بأزمة اجتماعية بسبب الاقتصاد والعمالة الأجنبية وفيروس كورونا وتراجع أسعار النفط، إلى دخول اضطراب سياسي، مما قد يدفع الأمير نواف إلى قلب نظام الحكم وحل البرلمان والدعوة إلى إعادة انتخابه. 

إن هذه السيناريوهات لا تعتبر منطقية لأنها ستجر البلاد إلى أزمة جديدة. لذلك، من الممكن توقع أن يلعب الأمير "نواف" دور الوساطة والموازنة في الصراع المحتمل بين الحكومة والمعارضة، وفق المركز.