مهاجم "مجهول" ومدينة مكشوفة.. من المسؤول عن تفجير عدن اليمنية؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالقدر الذي رحب يمنيون بعودة الحكومة الشرعية المشكلة حديثا  إلى عدن، خيم الحزن على كثيرين؛ نتيجة استهداف مطار عدن بـ4 صواريخ "باليستية" تسببت بمقتل 25 مدنيا وإصابة نحو 110 آخرين.

كانت الصواريخ التي سقطت في مدرج وصالات المطار، في صبيحة 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، بالتزامن مع هبوط طائرة الحكومة الشرعية، تستهدف الوزراء، وتسعى في ذات الوقت لبعث رسالة بأن الحكومة الشرعية لن تهنأ بالأمن أو تنعم بالسلام في مدينة عدن.

وحدث الهجوم بالتزامن مع وصول أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة إلى مطار عدن. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري. أعلنت الرئاسة اليمنية تشكيل حكومة جديدة تضم 24 وزيرا مناصفة بين الشمال والجنوب، بناء على اتفاق "الرياض" بعد مشاورات بين الحكومة (السابقة) والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

ويهدف التشكيل الحكومي الجديد إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة السابقة والمجلس الانتقالي، والتفرغ لمواجهة الحوثيين الذين اقتربوا من السيطرة على "مأرب" آخر معاقل الحكومة شمالي البلاد.

ويشهد اليمن منذ 6 سنوات حربا بين القوات الحكومية المدعومة بتحالف تقوده السعودية، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران والمسيطرة على العاصمة صنعاء.

مقيد ضد مجهول

وحتى اللحظة لم يعلن أي طرف مسؤوليته، كما لم تشر الأدلة لمسؤولية أحد عن هذه الحادثة، غير أن الحكومة الشرعية، أكدت، عبر وزارة خارجيتها، أن الدلائل تشير إلى مسؤولية جماعة الحوثي، وكلفت بتشكيل لجنة تحقيق تكشف من خططوا للهجوم ومن قاموا بالتسهيل له.

وكان ضابط الحرس الثوري وسفير إيران لدى الحوثيين في اليمن "حسن إيرلو" قد كتب تغريدة على حسابه في "تويتر" عقب الحادثة أثارت الجدل حول الجهة المستهدفة.

وقال إيرلو: "السلام على الشهيد الرئيس صالح الصماد شهيد اليمن ومحور المقاومة، وعلى جميع الشهداء الذين سلكوا طريق التضحية في نيل العزة والكرامة والحرية والاستقلال، ومواجهة الاستكبار، نشعر بالفخر والاعتزاز بشهداء الأمة الإسلامية العظماء.فالشهادة فوز عظيم".

واعتبر متابعون تلك "التغريدة" إشارة من قبل الحوثي إلى أن الحادثة كانت انتقاما لصالح الصماد، الرئيس المعين من قبل الحوثيين، واستهدفته إحدى طائرات التحالف في مدينة "الحديدة" في أبريل/نيسان 2018، غير أن هذا المؤشر لا يثبت مسؤولية الحوثيين عن الحادثة.

من جهتها، نفت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن الحادثة، وقالت: "إن التفجيرات جاءت نتيجة صراع بين المرتزقة"، في إشارة إلى العداء الحاصل بين الإمارات والمجلس الانتقالي التابع لها من جهة، والحكومة الشرعية من جهة أخرى.

وكانت الإمارات قد استهدفت بشكل مباشر قوات الجيش الوطني في أغسطس/آب 2019، وأعلنت مسؤوليتها عن الغارات التي نفذتها طائراتها، غير أنها قالت إنها استهدفت مجاميع إرهابية معادية للقوات الموالية للتحالف.

وهذا الأمر دفع البعض للقول، بأن الإمارات قد تكون الجهة التي تقف خلف تلك الحادثة، خصوصا أنها عملت سابقا على عرقلة عودة الشرعية إلى عدن.

من المسؤول؟

في واقع الأمر، لا دلائل قاطعة تشير إلى مسؤولية جهة معينة عن الحادثة، وإن كانت الشكوك تذهب إلى الحوثيين أحيانا، وإلى الإمارات أحيانا أخرى، لكن الحادثة تأخذ منحى آخر يتعلق بالمسؤول عن تأمين وجود الشرعية في عدن.

بحسب محللين، فإن الحوثي هو أبرز المستفيدين من هذه الحادثة، لكن التحالف السعودي الإماراتي هو المسؤول الأول عن تأمين العاصمة المؤقتة "عدن" وأجوائها.

وهذه المسؤولية نابعة من كون التحالف لم يسمح للحكومة الشرعية بتنفيذ الشق العسكري والأمني لاتفاقية الرياض، والذي يقضي بانتشار الميليشيات والتشكيلات المسلحة التابعة للإمارات خارج مدينة "عدن"، وبالتالي تمكين المؤسسة العسكرية اليمنية من حماية المدينة وأجوائها.

والجدير بالذكر هنا، أن التحالف لم يسمح بعودة ألوية الحماية الرئاسية إلى "عدن" إلا في تاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، أي قبل يوم واحد من عودة الحكومة، ولم يسمح له بتأمين المدينة، بل بتأمين قصر معاشيق ومحيطه فقط.

بالإضافة إلى ذلك، فقد خلقت الإمارات ميليشيات مسلحة موازية للمؤسسة العسكرية اليمنية، وهو الأمر الذي أثر على أداء قوات الشرعية.

وبالرغم من توقيع "اتفاقية الرياض" إلا أن هذه الميليشيات استمرت كما هي كتشكيلات خارج مؤسسة الدولة، وكان ينبغي أن تعاد هيكلتها وتنخرط في مؤسسة الجيش الرسمية.

علاوة على ذلك فإن التحالف يسيطر على عدن عسكريا، وبالتالي يرى مراقبون أن تأمين أجواء "عدن" من أي استهداف محتمل، كان من واجب التحالف.

في حديث لـ"الاستقلال"، يقول الكاتب والباحث "محمد الأحمدي": إن "التحالف يتحمل مسؤولية كبرى لا يمكنه الخلاص أو التنصل منها، باعتباره المسؤول عن اتفاق الرياض واستحقاقات الملحقين الأمني والعسكري اللذين لم ينفذا بالشكل المنصوص والمتفق عليه, ولأنه ذهب لمحاولة إحراز نصر سياسي للسعودية قبيل تولي الرئيس الأميركي جوبايدن رسميا".

 وبالتالي عمل التحالف على تنفيذ الترتيبات العسكرية والأمنية بشكل مخالف لما هو منصوص عليه، وبشكل صوري ومسرحي، وفق تقدير الأحمدي.

ويتابع: أن "التحالف السعودي الإماراتي يتحمل أيضا مسؤولية كبيرة؛ بسبب تعطيل دور الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة، بما في ذلك الأمنية والعسكرية".

ولفت إلى أن "هذه المؤسسات تعرضت لضربات من التحالف نفسه بأشكال عدة، سواء المباشرة كما شاهدنا بقصف الطيران الإماراتي للجيش الوطني على تخوم مدينة عدن، بينما كان في مهمة إنفاذ القانون، أو الضربات بمنع تجهيز العتاد العسكري لهذا الجيش، وإنشاء ميليشيات وكيانات عسكرية موازية للجيش اليمني، وخارج هياكل وزارتي الدفاع والداخلية".

إعادة ضبط البوصلة

وأوضح الكاتب اليمني أن "التحالف يتحمل المسؤولية لأنه عمل على منع عودة الحكومة الشرعية والرئيس عبد ربه هادي إلى عدن خلال السنوات الماضية، وقدم الدعم اللوجيتسي والعسكري والسياسي لميلشيا المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، وبدلا من تأييد الشرعية، تمرد على الدولة في أغسطس/آب 2019".

يضيف الأحمدي: "عمل  التحالف على إطالة أمد هذه الحرب، من أجل إعادة ضبط بوصلتها باتجاه تنفيذ مطامع وتقاسم للنفوذ بين طرفي التحالف الرئيسيين السعودية والإمارات".

وخلال هذه السنوات لم تتمكن الشرعية من بسط يدها على موارد الدولة الاقتصادية، بحيث يتسنى لها الحصول على موارد كافية لتطوير قوات الجيش والأمن، وبالتالي كانت هذه النتيجة الكارثية التي ظهرت فيها الشرعية ضعيفة وعاجزة للغاية عن حماية نفسها، وفق تقديره.

يتابع الكاتب والباحث اليمني: "ومن خلال تقويض مكامن القوة لدى الحكومة الشرعية، عمل على ألا تكون هذه العاصمة المؤقتة مهيأة لاستقبال الشرعية، وكل هذا تسبب بتفكك جبهتها، في مقابل قوة الحوثيين التي زادت عنفوانا، وعملت على تطوير قدراتها العسكرية مستغلة هذا الضياع والتفكك".

ولكنه يرى أن مسؤولية التحالف لا تعني تبرئة الحوثيين، فالميليشيا "مجرمة وقاتلة قبل وبعد الهجوم على مطار عدن، وهي عدو واضح لليمنيين وللحكومة الشرعية ولمؤسسات الدولة ولنظام الجمهورية والمكتسبات الوطنية".

ولفت إلى أن "التحالف غير جاد في حماية الشرعية وشراكته مع الحكومة اليمنية واليمنيين، فلو أنه كذلك، لكان بوسعه أن يخصص منظومة دفاع صاروخية لحماية الحكومة الشرعية، خصوصا أنه يعلم حجم التهديدات".

ويعتقد "الأحمدي" بعدم وجود نية حقيقية لدعم التحالف لمؤسسات الشرعية، بالنظر إلى "6 سنوات عجاف من عمر هذه الحرب والمأساة اليمنية".