الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء.. لماذا أوجع إسبانيا؟

12

طباعة

مشاركة

الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة "البوليساريو" في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، وصل صداه إلى الجارة الشمالية إسبانيا. 

ولم تُبد إسبانيا ارتياحا للصفقة الأميركية المغربية، وإن لم تصرح بذلك، إلا أن تقارير تحدثت عن اتصالات بين مدريد وإدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن؛ لإيقاف الصفقة التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب، بافتتاح قنصلية لبلده في الصحراء الغربية. 

وتعيش الرباط ومدريد أزمة غير معلنة، ظهرت بوادرها بعد إلغاء الاجتماع الرفيع المستوى المغربي-الإسباني الـ12، الذي كان من المقرر عقده في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالرباط. 

لم تتردد إسبانيا في التعبير عن تثمينها لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل (المتزامن مع قرار الصحراء)، لكنها تجاهلت الجزء الثاني من الصفقة، والتي يدخل فيها الجانب الأميركي، فما أسباب هذا القلق الذي عبرت عنه مدريد بالصمت والتلميح؟ 

توجس غير معلن

في برنامج عبر إذاعة "أوندا ثيرو" الإسبانية، تلا اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، قالت وزيرة الخارجية الإسبانية، "أرانتشا غونزاليس لايا": إن نزاع الصحراء "لا يرتبط بإرادة أو قرار أحادي لبلد، مهما كان كبيرا هذا البلد، بل إن مركز الثقل يوجد في الأمم المتحدة"، لكنها رحبت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.

وتجنبت الوزيرة الإسبانية الحديث عما إن كانت اطلعت على الخطوة الأميركية قبل إعلانها رسميا، مكتفية بالقول: إنها "لم تفاجئها"، وبينما روجت تقارير إعلامية إلى أن إسبانيا قد تطلب من بايدن، التراجع عن قرار ترامب بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء مع تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل.

وذكرت "غونزاليس لايا" أن "بايدن هو المخول لتقييم الوضع، وأن يرى بأي طريقة يريد أن يتموقف، وأن يعمل من أجل إيجاد حل عادل، ودائم أيضا، وغير مرتبط بالترنحات التي تقع بين الفينة والأخرى، بل أن يكون مرجعه المجتمع الدولي".

واعترفت الوزيرة بأن إسبانيا تجري مجموعة من الاتصالات مع إدارة بايدن بهدف "البحث عن العودة إلى التعددية بغية تدبير العلاقات الدولية"، في إشارة إلى رفضها القرار الأميركي.

بعد يوم واحد من إعلان ترامب، قال رئيس الوزراء الإسباني، "بيدرو سانشيز": إنه يُرحب باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، قبل أن يعرج على نزاع الصحراء قائلا: إنه يجب "حله بشكل نهائي"، في إطار "مركزية الأمم المتحدة والشرعية الدولية".

لكن "سانشيز" لم يرحب بقرار ترامب المعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، ما جعل البعض يفهم أن الحكومة الإسبانية منزعجة من الموقف الأميركي الجديد.

من جهته، قال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في وقت سابق: إن "المغرب لم يعد يستسيغ المواقف الجافة التي تتحدث عن البحث عن حل عادل ودائم للملف".

الصحفي المتخصص في الشأن الإسباني، توفيق السليماني، ربط في تقرير نشرته صحيفة "أخبار اليوم" المغربية، بين تصريحات المسؤولَين وافتتاحية نشرتها صحيفة "إلباييس"، المقربة من رئاسة الحكومة، في 12 ديسمبر/كانون الأول، بعنوان: "الصحراء المنسية"، والتي أظهرت تحيزا واضحا إلى الأطروحة الانفصالية.

وقالت الصحيفة: إن "اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية انتهاك للشرعية الدولية المعترف بها من لدن الأمم المتحدة، وإشارة خاطئة تعقد أكثر إمكانية إيجاد حلول متوافق عليها بخصوص نزاع منسي".

واعتبرت أن "ترامب ارتكب على بعد أسابيع من مغادرة البيت الأبيض، قرارا خاطئا وخطيرا للغاية بالنسبة إلى هذه الأزمة، القرار الذي لم يتجرأ أي من أسلافه -سواء الديمقراطيون أو الجمهوريون- على اتخاذه"، واعتبرت الافتتاحية، أن الاعتراف هو "ورقة مساومة تدخل في إطار تطبيع العلاقات بين البلدان العربية وإسرائيل". 

أما رئيس "إلباييس" الشرفي، لويس سيبريان، فقال: "من المهم ترسيخ الثقة في العلاقات بين المغرب وإسبانيا إذا أردنا تجنب عرقلة مسار نظامنا الخاص".

أزمة سابقة

في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، كان من المقرر عقد اجتماع رفيع المستوى بين زعيمي المغرب وإسبانيا في العاصمة الرباط، لكن تقرر تأجيله إلى فبراير/شباط، قبل أيام من انعقاده ببيان مشترك.  

ومطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، نشرت صحيفة "ايل-إسبانيول"، تقريرا قالت فيه: "إن الحكومة بدأت تتخوف من عدم تمكن رئيسها، بيدرو سانشيز، من لقاء الملك محمد السادس، في الاجتماع".

الصحيفة كشفت عن أسباب هذه التخوفات، والتي لم تكن سوى موقف حزب "بوديموس"، المشارك في الائتلاف الحكومي الإسباني، من تطورات قضية الصحراء، بالإضافة إلى موقف زعيم الحزب، النائب الثاني لرئيس الحكومة "بابلو إغليسياس توريون"، المخالف للموقف الرسمي من تطورات القضية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، علق زعيم حزب "بوديموس"، على أزمة الكركرات بالانحياز لجبهة "البوليساريو"، ودعا لإجراء استفتاء في الصحراء الغربية.

غضب الحكومة الإسبانية من تصريحات "إغليسياس توريون" يكمن بسبب وجوده في الحكومة الائتلافية، كما أنه يشغل منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء، وقد تجنبت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2004 اتخاذ أي موقف معاد للمغرب في نزاع الصحراء.

وكانت تصريحات "إغليسياس توريون" حول الصحراء، قد أثارت غضب المغرب، ما دفع الحكومة الإسبانية إلى التبرؤ منها، إذ قالت وزيرة خارجيتها قبل أيام، على هامش لقاء أوروبي: "الموقف الرسمي لإسبانيا من قضية الصحراء هو ما يعبر عنه رئيس حكومتها، ووزارة الخارجية، بينما تبقى أي تصريحات صادرة عن أي طرف آخر من الحكومة لا تتجاوز كونها آراء شخصية".

بعد الإعلان عن إلغاء اللقاء، ذهبت صحف إسبانية إلى التأكيد بأن السبب هو اتصالات أجراها أعضاء من "بوديموس"، من أجل التنسيق للقاء يجمع بين زعيمهم "إغليسياس توريون" والموالين للبوليساريو بالمغرب، في إطار أجندة موازية لفعاليات القمة.

وأفادت تقارير إسبانية، نقلا عن مصادر رسمية، أن الخبر خلق حالة استنفار داخل السلطة التنفيذية الإسبانية، ما اضطر "سانشيز" إلى تقليص عدد مرافقيه قبل إلغاء الزيارة.

السيادة والتسلح

في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استدعت إسبانيا، سفيرة المغرب لدى مدريد، "كريمة بنيعيش"، على خلفية تصريحات حكومية تتعلق بقضية مدينتي "سبتة ومليلية" التابعتين للإدارة الإسبانية، واللتين تطالب الرباط باسترجاعهما.

وقبل الاستدعاء بـ4 أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، في مقابلة مع قناة "الشرق"، عن إمكانية أن "يفتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".

ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، فإن كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية في إسبانيا، "كريستينا غالاش"، استدعت سفيرة المغرب، وأخبرتها أن "الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".

وطالبت "غالاش"، سفيرة المغرب بتقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما لم يصدر موقف رسمي من الرباط بشأن استدعاء سفيرته.

وتخضع مدينتا "سبتة" و"مليلية" للنفوذ الإسباني منذ عام 1497، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي، ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة.

وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت وكالة التعاون الأمني والدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية عن صفقة تجارية عسكرية جديدة مع المغرب، وتضمنت بيع 36 طائرة أباتشي هجومية ، إضافة إلى 79 محركا، من بينها 72 مركبة مسبقا و6 عبارة عن قطع غيار.

بالإضافة إلى 36 "مجسا متطورا" للاستكشافات وتحديد الأهداف المستهدفة، ومجسات أخرى للرؤية الليلية، و18 رادارا لمكافحة الحرائق مزودة بوحدات إلكترونية.

كما شملت الصفقة أيضا 551 صاروخا موجها من نوع “هيلفاير” طراز AGM-114R، و60 صاروخ “هيلفاير” من طراز AGM-114L، و72 صاروخ “هيلفاير” M36E9، و200 صاروخ من نوع “ستينغر” طراز AIM-92H، إلى جانب 588 مجموعة لنظم الأسلحة الدقيقة المتقدمة، و78 نظاما لتحديد المواقع العالمي المرتبط بنظم الملاحة البحرية، و39 نظاما لرصد الصواريخ.

وقالت الوكالة الأميركية: إن قيمة هذه الصفقة، ستكلف الميزانية العامة للمملكة 4 ملايير و250 مليون دولار، مؤكدة أن وزارة الخارجية الأميركية وافقت على الصفقة، لأن الأمر يتعلق بـ”دعم أحد الحلفاء المهمين” لواشنطن.

بالتزامن مع إعلان ترامب، كشفت الولايات المتحدة عن بيع 4 طائرات دون طيار من طراز "إم كيو-9" للمغرب في صفقة تبلغ قيمتها مليار دولار، ما رجح أن يكون التعاون العسكري بين البلدين أحد أسباب توجس الجارة الشمالية للمغرب.

ترقب بحذر

وفي السياق، قال الصحفي المتخصص في الشؤون الإسبانية، الأمين خطاري: إن "من يتابع العلاقات المغربية-الإسبانية يتابع تاريخا من الجوار الحذر بين البلدين الجارين، سواء لأسباب تاريخية أو إشكالات الهجرة والتهريب والمخدرات، وأيضا بسبب المعطى الأمني الذي دخل على العلاقات بين الدولتين في السنوات الأخيرة وقضايا الحرب على الإرهاب". 

لكن تظل حالة توازن القوى أمرا ضروريا لانسجام العلاقة بين الدولتين، يوضح خطاري في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، هذه العلاقة التي تميزت بحالة من الأريحية منذ دخول إسبانيا منطقة دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، اختفى تدريجيا سباق التسلح بين الدولتين، إلى حد ما.

لكن الصفقة المغربية الأميركية الأخيرة، يتابع المتحدث، التي شملت اتفاقيات عسكرية، بشراء طائرات بدون طيار من أميركا، وقبلها صفقة "إف 16"، "كلها تثير بطريقة أو بأخرى حساسية صناع القرار الأمني بإسبانيا من احتمال الدخول في سباق تسلح يظل حكرا على الجزائر والمغرب، ولا تريد إسبانيا بأن تشعر بأنها مهددة أو أن السباق يخصها".

ويرى الصحفي المتخصص أن "الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية، وما سببه من هزة داخل الائتلاف الحاكم في إسبانيا، دخل ليزيد الطين بلة، بمعنى أن حكومة سانشيز، وجدت نفسها محرجة من هذا القرار، الذي يعترف بالسيادة".

واستطرد خطاري، بالقول: "خصوصا وأن حليف رئبس الوزراء، إغليسياس توريون، الذي يعتبر الرجل الثاني في الحكومة، والذي من المعروف أن حزبه بوديموس، لديه أدبيات في صالح البوليساريو، حتى أنه يدعمها ضد بسط النفوذ المغربي".

كل هذه العوامل، بحسب المتخصص، أدت إلى "حالة من التراجع في منسوب العلاقات، كما تزامنت هذه الأسباب مجتمعة مع تأجيل القمة الثنائية بين البلدين، ثم تصريحات العثماني عن سبتة ومليلية، كل هذا خلط الأوراق، وخلق حالة من عدم الانسجام بين الرباط ومدريد".

عقب تحالف "سانشيز" مع حزب "بوديموس" الذي بدأ كحركة تنسيقية، تعمل ببرنامج اليسار الاجتماعي الراديكالي ضد الفساد السياسي والاقتصادي في إسبانيا، جرى الحديث عن تخوف المغرب من تأثير مواقف "بوديموس"، على العلاقات بين الرباط ومدريد، فيما ذهب خبراء حاورتهم "الاستقلال"، إلى أن الخط الرسمي للسياسة الخارجية لإسبانيا لا يصنعه الحزب.

لكن رغم الأزمات الأخيرة، يراهن المتابعون، وفق "خطاري"، على قدرة "سانشيز" على قيادة ملف العلاقات المغربية الإسبانية بـ"نوع من الانسيابية، إضافة إلى عدم رغبة المغرب في التصعيد، لكن هذا لا يلغي وجود حالة من الترقب الحذر والترقب الصامت بين البلدين الجارين".