يونس إمره.. شاعر صوفي بزغ نجمه في تركيا وذاع اسمه في الآفاق

12

طباعة

مشاركة

"يونس إمره" هو قاض وشاعر ومتصوف، ترك أثرا كبيرا في تاريخ الأدب التركي، حقق شعبية كبيرة في عدد من البلدان تمتد من أذربيجان إلى البلقان، مع 7 مناطق مختلفة ومنتشرة على نطاق واسع تتنازع على امتياز وجود قبره داخل حدودها.

عاش "يونس إمره" في تركيا بين 1241 و1321 ميلاديا، لكن ظل اسمه يتردد في أكثر من عاصمة عالمية، وذاع صيته بين الأدباء والباحثين في كل الأرجاء، خاصة مع إطلاق اسمه على أشهر معهد ينشر لغة وثقافة تركيا.

تجاوز "إمره" في أشعاره موقف الصوفي الدرويش ليكتب شعرا يحض الأمة على الاتحاد في مواجهة المغول، والنظر والتأمل في حال الإنسان، والبعد عن الظلم والكبر. 

ارتقاء روحي

تمتلئ قصائده بأسماء البلاد التي ساح فيها شرقا وغربا، كما تشير لحزنه على بلاد الترك التي تعرضت لغزو المغول (في القرن 13) وما أحدثته هجماتهم من سلب ونهب وخراب.

قال في إحدى قصائده: "العالم هو بلدي الحقيقي، وجميع أناسه هم شعبي"، حيث يعد "إمره" أحد أهم المؤثرين في تاريخ الثقافة الأناضولية، الذين لا زال العالم يحتفي بهم حتى يومنا هذا.

وفي أواخر القرن العشرين، قرر المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو بالإجماع جعل سنة 1991، الميلاد الـ750 لـ"إمره" تحت اسم "سنة العالمي يونس إمره".

كان "إمره" صوفيا، التزم بطريقة الشيخ "تابدوك إمره"، الذي كان متأثرا بأشعار أشهر متصوفة القرن الـ13 ميلاديا، مولانا جلال الدين الرومي، لكن أشعار "إمره" جاءت على خلاف مولانا، أكثر شعبية وبساطة. 

وتلقى تعليما جيدا في مدرسة "كاراتاي السلجوقية" التي تدرس العلوم الشرعية والقانون، وكان يفترض أن يعمل في وظيفة "قاض سلجوقي" لكنه اختار أن ينتظم بالطريقة الصوفية ومرشدها الروحي.

ويعتقد كثير من المؤرخين أن الطرق الصوفية لعبت أدوارا مدنية مهمة في الأناضول عندما ضعفت حكومة السلاجقة وعاصمتهم قونيا في القرن الـ 13 ميلاديا.

ووفقا لرواية شعبية فقد كتب "إمره" مئات القصائد التي وجدها أحد معاصريه ويدعى "ملا قاسم" مخالفة للشريعة فأحرق الكثير منها.

لكن بعض هذه القصائد نجا في مخطوطة يعود تاريخها للقرن الـ15 بمدينة بورصة التركية، وتدور قصائدها حول السعي لتطهير النفس والتطلع إلى الارتقاء الروحي.

وارتبط شعر "يونس إمره" بالأدب التركي، إذ هو أول شاعر تركي صريح النسب في تلك الحقبة من الزمن التي ولد فيها الشعر بتركيا.

أبعاد عالمية

قال الكاتب والباحث التركي مصطفى تاتجي: إن "أفكار المتصوف التركي يونس إمره كانت لها أبعاد عالمية تتجاوز حدود الجغرافيا والزمان؛ حيث إن مبادئه ما زالت تمثل مرجعية للعديد من المدارس الفكرية في العصر الحالي".

ورأى تاتجي، أن "أفكار يونس إمره ما زالت مفهومة رغم مرور الأزمنة باعتبارها كُتبت بطريقة سهلة وبأسلوب سلس".

وأشار إلى أن "إمره كتب أشعاره ودوّن أفكاره الصوفية باللغة التركية رغم هيمنة اللغة العربية والفارسية في عصره".

وفي حق الشاعر، قالت الكاتبة والباحثة التركية، ليلى ايبيكشي: إن "أفكار يونس إمره الصوفية تقارب بشكل كبير أفكار بلحسن الشاذلي، المتصوف التونسي الذي ولد سنة 1197 وتوفي سنة 1258".

يقع قبر "إمره" في قرية "ساري كوي" التابعة لولاية إسكي شهير غرب أنقرة، ويشير المؤرخون إلى تطابق أسماء المناطق والبلدات والقرى الواردة في سيره وقصائده مع مناطق تقع كلها في الولاية التركية التي تعرف اليوم باسم "كارامان".

وتبقى المصادر التي بالإمكان استمداد معلومات منها حول حياته قليلة جدا، لذا لجأ المؤرخون إلى أشعاره التي ساهمت بشكل كبير في معرفة شخصيته والظروف التي عاش فيها.

واعتبرت الكاتبة، في محاضرة بمعهد "يونس إمره" بتونس، في ديسمبر/كانون الأول 2019، أن "هذا التقارب هو دليل على أن الصوفية تقوم على نفس المعنى الذي يوحد جميع المتصوفين في العالم أجمع".

وتابعت أن الطرق الصوفية تقوم على مبدأ المحبة رغم اختلاف اللغات، مشيرة إلى أن تصوف يونس إمره يقوم على مبدأ توحيد الخالق، موضحة أن الأخير قام بتبسيط معنى الصوفية بحيث يسهل تبليغها لجميع الأتراك وللعالم أجمع.

كان "يونس إمره" يرفض المظهرية ويوصي الدراويش بضرورة ترك الخيلاء، وقال في ذلك: "ليست الدروشة بالتاج والخلعة، بل الدرويش المفعم قلبه بالحب ليس بحاجة إلى الخرقة أو التاج".

ويدعو الدراويش إلى التحلي بصفات الصبر والسخاء والتوكل على الله، ويبدأ بنفسه ويدعوها إلى التمرغ بالتراب: "يونس أيها المسكين لا تتكبر على الواصلين، وكن ترابا فالكل منبتة من التراب والتراب روضة لك".

وفي 2015 بثت إحدى القنوات التركية مسلسلا عن يونس إمره الذي عاصر فترة قلاقل واضطرابات في الأناضول، واختار الأماكن الموحشة والخاوية ليقيم فيها الزوايا والتكايا ليحولها إلى أماكن مأهولة ومسكونة.

تحول "يونس إمره" في سنوات الغزو المغولي إلى أب روحي، ينظر إليه كمنقذ وممثل للصوفية، كرس حياته للأناضول وقضاياها، التي كانت تعيش الحرب بين السلاجقة والبيزنطيين واستيلاء المغول عليها من جهة أخرى.

وحاولت الدراما التركية أن تنشر المفاهيم على طريقتها الخاصة تدخل الممثلين عباءات الدور بشكل يلامس مشاعر المتلقي، وجسدت يونس إمره، الشاعر الصوفي الذي دخل عالم الدراويش لربط قلبه بحب الله تعويضا عن ابتعاده عن وطنه.

واعتبر المهتمون أن المسلسل حلقات متناغمة من الوعظ والدروس، ترافقها موسيقى تدور في فلك روحاني وديني، لقي إقبالا بين رواد التواصل الاجتماعي.

معهد باسمه

معهد "يونس إمره الثقافي" التركي يفتح أبوابه أمام الراغبين في تعلم اللغة التركية وعدد من المهارات الأخرى، مثل فنون الرماية، وفنون الطبخ التركي والشعر. 

وفي سبتمبر/كانون الأول 2020، افتتح المعهد  مركزه الستين حول العالم منذ 2009، بمدينة "أعزاز" السورية (شمالا) التي شهدت سنوات طويلة من الحرب الأهلية.

ولفت رئيسه شريف آتش، إلى "أهمية فلسفة يونس إمره لاستعادة الاستقرار والسلام بين شعوب المنطقة".

ويضيف آتش: أن المعهد "يسعى من خلال تعليم اللغة التركية، إلى جلب منظور لحياة قائمة على العيش المشترك، والتسامح والمحبة بين البشر".

ويشير إلى أن "أول مراكز معهد (يونس إمره) الثقافي خارج تركيا كان في العاصمة السورية دمشق، حيث شهد إقبالا كبيرا على تعلم اللغة التركية".

ويدير المعهد، شبكة للأبحاث العلمية وتبادل الخبرات، وأخرى للفلكلور، أهم شبكاته، تعليم اللغة التركية، إذ يفيد القائمون عليه أنهم علموا إلى حدود 2020 نصف مليون شخص، سواء عبر دروس مباشرة أو عن بعد، ويأملون في وصول العدد إلى مليون في 2024. 

ويقول رئيس المعهد، آتش، في تصريح لقناة "الجزيرة": إن "هدف المؤسسة التعريف بتركيا ولغتها وآدابها، وهي مؤسسة وقفية تعمل منذ 10 سنوات، بغرض تصحيح المفاهيم عن تركيا وخلق روابط إنسانية بين تركيا وباقي العالم".  

قد يكون المعهد وصل إلى تحقيق هذه الغاية بالفعل، فرغم الخلافات السياسية بين البلدين، يفيد القائمون على "يونس إمره" في القاهرة على أنه أحد أقوى الفروع، بفضل الإقبال الكبير عليه والتجاوب الكبير للطلاب.