هجوم طرابلس.. لماذا يصعد حفتر قبل أيام من الملتقى الوطني؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجأة ودون سابق إنذار، وقبل أيام قلائل من عقد المؤتمر الوطني الجامع برعاية أممية، فاجأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر الجميع في 4 أبريل/نيسان 2019، بشن عملية عسكرية مدعومة على الأغلب من الإمارات والسعودية ومصر في محاولة لإسقاط الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في طرابلس سعيا منه للسيطرة على الحكم غربي البلاد.

هذا التطور اللافت على الأرض جاء في وقت كانت تتسارع فيه خطوات المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة من أجل تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها وفق رؤيته للخروج من الأزمة التي تعيشها ليبيا منذ العام 2011 في ظل انتشار السلاح بين مجموعات متعددة الولاءات.

خطوات المبعوث الأممي تدعمت بلقاء حفتر وفائز السراج رئيس حكومة الائتلاف الوطني المعترف بها دوليا في أبو ظبي مؤخرا في محاولة لصياغة الاتفاق من أجل إنهاء الصراع وتوحيد مؤسسات الدولة، ولكن يبدو أنّ بعض التصريحات والممارسات على الأرض تعمل على التنصّل من مخرجات لقاء أبو ظبي ما يجعل مساعي سلامة في مهب الريح.

رفض وتنصل

منذ اللحظة الأولى للكشف عن لقاء السراج وحفتر في أبو ظبي بوساطة أممية والحديث عن مخرجاته، والاتفاق قوبل برفض واسع.

الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير قال ساعتها لـ"الاستقلال"، إن "اتفاق السراج وحفتر لم يحظ بقبول من المجموعات المسلحة المنتشرة في الغرب الليبي، والتي أصدرت عددا من البيانات تؤكّد رفضها لدخول حفتر إلى العملية السياسية، معتبرين ذلك عسكرة للسلطة المدنية".

المجلس الأعلى للدّولة من جانبه رفض الاتفاق، مؤكّدا تمسكه باتفاق الصخيرات بالرباط، ولم تتوقف بعدها العقبات التي اعترضت هذا الاتفاق الغامض.

في الجهة المقابلة صرّح مسؤول مقرب من حفتر لوسائل إعلام (مفضلا عدم ذكر اسمه) أنّ السراج تراجع عن تفاهمات توصل إليها الطرفان، في أبو ظبي، كما استبعد انعقاد لقاء قريب بين الجانبين، وأضاف أن "حفتر اتفق مع السراج، على بقاء الأول في موقعه قائدا للجيش دون تدخل أي سلطة في عمله، قبل أن يتراجع فور عودته إلى العاصمة الليبية  طرابلس".

الغريب أنه في الوقت الذي كان فيه الحديث عن اتفاق أبو ظبي قائما، كانت قوات حفتر تواصل التحرش بقوات موالية لحكومة الوفاق الوطني في الضواحي الجنوبية والشرقية من مدينة سرت الخاضعة لسيطرتها.

مراقبون للشأن الليبي فسروا التناقض بأنه انقلاب على اتفاق أبوظبي الذي جرى برعاية أممية وهدف إلى تحقيق الاستقرار والوصول بالبلاد إلى انتخابات عامّة قريبة.

تفاؤل سلامة

ورغم رفض الغرب الليبي للاتفاق من جهة، وتنصل حفتر منه من جهة أخرى إلا أن غسان سلامة بدا مصرّا على جمع الفرقاء الليبيين بطاولة واحدة في الملتقى الوطني الجامع المزمع إقامته في مدينة غدامس غربي ليبيا منتصف أبريل/نيسان الجاري.

تواصل المعارك في أكثر من منطقة في ليبيا خاصّة المناطق الإستراتيجية أو تلك التي تحوي موارد نفطية كبيرة في ظل انتشار قرابة 20 مليون قطعة سلاح، إلا أن المبعوث الأممي غسان سلامة عبر في لقاء تلفزيوني على قناة الجزيرة عن تفاؤله بالمستقبل.

سلامة أكد أن هناك تقدما تراكميا ويجب المضي في العملية السياسية لتعزيز فرص تجديد الدماء في شرايين مؤسسات الدولة، مضيفا أن 83% من الليبيين يريدون تغييرا في المشهد السياسي عكس الطبقة السياسية الحريصة على منافعها.

وأشار سلامة إلى أن أسس الحوار موجودة وعليها تفاهم بعد استشارة البعثة للآلاف من الليبيين مباشرة أو كتابة، وأن الملتقى الوطني المزمع عقده هو خلاصة هذه المشاورات التي استغرقت عاما ونصف عام.

الملتقى الوطني

الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أعلن في ندوة صحفية للجنة الرباعية حول ليبيا أن الملتقى الوطني الليبي سينعقد أيام 14 و15 و16 أبريل/نيسان الحالي والذي الذي ستحتضنه مدينة غدامس المجاورة للمثلث الحدودي مع تونس والجزائر.

أبو الغيط أكد أن ممثلي اللجنة الرباعية حول ليبيا يأملون في نجاح العملية السياسية في بناء الدولة الليبية وإعادة الاستقرار للبلاد، مضيفا أن الجامعة العربية تؤيد دور الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة بخصوص الملف الليبي.

وفي الوقت نفسه يجري الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جولة مستمرّة في ليبيا منذ 3 أبريل/نيسان الجاري للقاء الفرقاء الليبيين استعداد للملتقى الوطني الجامع، إلا أنّ هذه الزيارة ترافقت مع التصعيد العسكري غير المسبوق لحفتر، والذي قد يطيح بكل الجهود المبذولة.

هجوم طرابلس

ففي ظل هذه المساعي العربية والدولية، فاجأت قوات حفتر الجميع بإطلاق عملية عسكرية جديدة تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.

الهجوم أثار قلق الأمين العام للأمم المتحدة الذي يزور ليبيا في الأثناء حيث غرّد على حسابه بتويتر قائلا "أشعر بقلق عميق من التحركات العسكرية في ليبيا ومن خطر المواجهة. لا يوجد حل عسكري. وحده الحوار بين الليبيين يمكن أن يحل المشاكل. أدعو للهدوء وضبط النفس فيما أستعد للاجتماع بالقادة الليبيين في البلاد".

ففي صباح الخميس 04 أبريل 2019 أعلن الناطق باسم قوات حفتر اللواء أحمد المسماري عن وصول قواته إلى مدينة غريان جنوب غرب العاصمة طرابلس، في المقابل استنفر رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج جميع القوات العسكرية  التابعة له وأمرها بالتصدي لأي تهديدات تستهدف زعزعة الأمن في أي منطقة ليبية، كما أعلنت وزارة الداخلية حالة الطوارئ القصوى واستدعت كافة الوحدات الأمنية للتصدي لأي خرق يمس أمن العاصمة طرابلس.

كما أعلن عدد من قيادات وعسكريي مدينة مصراتة استعدادهم الفوري لوقف تحركات "قوات الكرامة" التابعة لحفتر في المنطقة الغربية، وطالبوا السراج في بيان إعطاء أوامر لكافة أمراء المناطق في المنطقة الغربية دون تأخير لمواجهة قوات حفتر، داعين المبعوث الأممي غسان سلامة إلى توضيح موقف البعثة من هذه التحركات.

الغريب أن "سلامة" لم يعبر حتى اللحظة عن موقفه، وهو ما فسره المحلل السياسي الليبي عصام الزبير لـ"الاستقلال" بقوله "هناك تغاضي دولي عن هذه التحركات العسكرية لحفتر، قبل فترة عندما اقتربت القوات من اللواء السابع من ترهونة وقوات الصمود رأينا ماذا حدث وكيف تحركت بعثة الأمم المتحدة الآن صمت غريب ولا يعرف ما وراءه".

وتساءل الزبير "هل منح حفتر دعما دوليا من أجل دخول العاصمة؟ّ خاصة وأن وسائل إعلام مقربة من حفتر كانت قد بثت كلمة صوتية له يعلن فيها عن انطلاق ما أسماه (عملية تحرير طرابلس)".

بالسياسة أو بالسلاح

الناطق الرسمي باسم قوات حفتر أحمد المسماري وجه رسالة شديدة اللهجة لفائز السراج قائلا "سنعلمه وزمرته الفاسدة معنى النفير العام، وكل حوار بيننا وبينه انتهى، والحديث الآن للدبابة والمدفع".

وأضاف "نحن مع المؤتمر الجامع ومع إنجاحه وتأمينه، نحن ضدّ الإرهابيين الذي يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد، ونبارك كل الخطوات التي يقوم بها غسان سلامة".

هذا الخيار الذي انتهجه حفتر في استباق للملتقى الوطني الجامع يهدف إلى تغيير المعطيات على الأرض من أجل تدعيم موقفه فيه، حسب كلام الزبير قائلا "تحرك حفتر نحو العاصمة إمّا سيؤدي إلى السيطرة عليها والتأسيس لنظام عسكري مستبد في عموم ليبيا مشابه لنظام السيسي في مصر أو أنّه سيمارس ضغوطا على السراج من أجل تحقيق شروطه بالكامل".