معهد إيطالي: قبائل ليبيا لم تعد خاضعة للسلطة.. وهذا دورها في الصراع

12

طباعة

مشاركة

عند الحديث عن ليبيا، كثيرا ما يجري التطرق إلى الدور المهم للقبائل المحلية في سيناريو الصراع الداخلي المستمر، وغالبا ما يُنسب لها التسبب في عرقلة عملية السلام وإرباك العلاقات وبالتالي تفاقم الصراع.  

وفي هذا التحليل عن القبيلة الليبية، تناول موقع معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي مدى صحة هذه الاتهامات، متطرقا إلى الدور السياسي الذي باتت تتمتع به داخل بلد يعيش سيناريو حرب أهلية.

قال الموقع: إن في ليبيا اليوم 140 قبيلة مختلفة تقريبا، منها حوالي 30 قبيلة تمارس نفوذا حقيقيا في البلاد، أبرزها قبيلة بني سليم التي استقرت في برقة، وقبيلة بني هلال في طرابلس. 

تتكون هذه القبائل في الغالب من العرب، بالإضافة إلى أخرى من أصول بربرية، تسكن بشكل أساسي مناطق جبل نفوسة ومدينة زوارة، وأيضا الطوارق في جنوب البلاد.

النظرية والواقع 

يشرح الموقع الإيطالي أن "مصطلح القبيلة لا يزال حتى اليوم مرتبطا بشكل حصري تقريبا بطريقة فهم وتنظيم المجتمع النموذجي للحضارات القديمة، وبالتالي فهو مرتبط بالتخلف المزعوم لتلك المجموعات السكانية التي تعيش في إطار عائلي، تماما مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط". 

وعموما، يصف مصطلح قبيلة مجموعة من الناس تربطهم سلالة أبوية مشتركة، كما سبق وأن وصفها عالم الاجتماع والمؤرخ ابن خلدون (المتوفى 1406) في أهم أعماله، المقدمة، حيث عرّف قبائل الشرق الأوسط بأنها مجموعة من أشخاص يجمعهم شعور من التضامن المشترك (عصبية) مستمدة من القرابة الدموية. 

وبدورها، تشير الحقوقية الليبية أمل العبيدي في إحدى مؤلفاتها الحديثة عن دور القبائل في ليبيا اليوم، إلى بعض العناصر التي تميز القبيلة.

وتقول: "يظل جانب التضامن أحد الخصائص التي تحدد العلاقات داخل القبيلة. ومن هذا الهيكل، يحصل أفرادها بشكل أساسي على الدعم في حالة التعرض لصعوبات". 

ويشدد الموقع الإيطالي على أنه يجب التأكيد على أن القبائل ليست هياكل ثابتة لا تتغير بمرور الوقت، بل تتكيف وتتغير بناء على الظروف الاقتصادية والسياسية المتغيرة بدورها. 

وحدث هذا أيضا مع القبائل الموجودة في ليبيا والتي اضطرت بمرور الوقت إلى التكيف مع التحولات السياسية التي مرت بها البلاد منذ استقلالها وولادة النظام الملكي في عام 1951، مرورا بانقلاب معمر القذافي وتأسيس الجماهيرية، إلى الإجراءات الافتتاحية للتسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأخيرا سقوط نظام العقيد. 

وأوضح الموقع الإيطالي أن السياسات الموجهة نحو القبائل  خلال سنوات نظام القذافي تدل على هذه التحولات.

فبعد أن تمت معارضتها معظم سنوات الجماهيرية، اضطر الزعيم الليبي إلى زيادة حشدها في فترات أزمة الشرعية الداخلية، خاصة منذ التسعينيات فصاعدا. وحصلت بعض القبائل - خاصة الورفلة والمقارحة والقذاذفة- على مناصب قيادية مقابل الدعم السياسي للنظام. 

ولفت الموقع إلى أن هذه السياسة ساهمت في توتر العلاقات الداخلية في البلاد، بين بعض القبائل التي تعززت من خلال التعاون مع النظام على حساب تلك المستبعدة من هذه العملية. 

وقد حدث ذلك في بلد أصله الجغرافي في حد ذاته عنصر من عناصر الانقسام الداخلي القوي، لا سيما وأن المناطق الثلاث التي تتكون منها ليبيا، برقة وطرابلس وفزان، تحتفظ  باختلافات لم يتم احتضانها داخل هوية دولة ليبية مشتركة.

وأكد الموقع الإيطالي أن الوضع في البلاد، ظل في فترة ما بعد القذافي فريسة لمنافسة ذات طبيعة جغرافية لم تتوقف بل عادت إلى السطح في سيناريو الفوضى الناجمة عن الافتقار إلى سلطة مركزية معترف بشرعيتها على المستوى الوطني والتي يمكن أن تمنع مثل هذه المطالبات. 

وفي ظل هذه الفوضى التي نشأت بعد سقوط القذافي، ادعت جهات فاعلة مختلفة شرعيتها لأسباب مختلفة.  

بدورها، بدأت القبائل في المطالبة بالشرعية على أساس محاربتها النظام وقد حولها هذا إلى أن تصبح فاعلا سياسيا من جميع النواحي.

فاعل سياسي 

إلى جانب التفسيرات الأنثروبولوجية والتاريخية المفيدة في فهم أن القبائل تمثل طريقة معقدة في فهم العلاقات الشخصية، أردف الموقع أن القبائل الليبية أظهرت في الممارسة العملية أيضا أن لها دورا اجتماعيا مهما خلال أشهر الثورة وفي ليبيا الجديدة ما بعد القذافي.

 في بداية الثورة وأثنائها، كان دور القبلية أساسيا في تنظيم التعبئة لصالح النظام وضده. وعندما ترك سقوط النظام ثغرات سياسية في البلاد، ملأها من تسبب في إنشائها، على حد تعبير الموقع الإيطالي. 

وفي العديد من المدن، سرعان ما سقطت مجالس المدن المختلفة المنظمة ذاتيا في أيدي زعماء القبائل. كما نجحت الهياكل القبلية في إنشاء شبكات لحفظ الأمن- ذات طبيعة عسكرية بشكل أساسي - والتي ولّدت شعورا بالأمان لدى السكان وبالتالي كسب المزيد من الدعم لهذه الجهات الفاعلة.

وذكر الموقع الإيطالي أن الكثير من هذه القبائل حافظت على استقلالها خلال السنوات الانتقالية، وأصبحت تسيطر بحكم الأمر الواقع على بعض المناطق الإستراتيجية للبلاد، مثل حقول النفط والمسالك التجارية الحيوية وتهريب المهاجرين. 

وبهذه الطريقة، بدأت بعض الجماعات المسلحة، في ممارسة سلطة قسرية وقضائية على بعض المجالات الكلاسيكية للدولة، ودفع التنافس من أجل السيطرة على الموارد الاقتصادية الرئيسية بعض القبائل والجماعات المنظمة على أساس المدينة للاقتتال بذريعة التنافس القديم القائم.

وبذلك، يرى الموقع الإيطالي أن اختزال الصراع  الليبي بأكمله في مجرد حرب بين القبائل سيكون خطأ فادحا.

وأوضح أن الاختلافات الموجودة بين القبائل كانت مجرد وسيلة لخوض الحرب، والاستيلاء على الموارد، إلى جانب ممارسة السلطة على المنشآت الاقتصادية للبلاد، من خلال استخدام هوية القبيلة الأولية التي لم تعد خاضعة لسلطة مركزية ضغطت عليها واستغلتها حتى ذلك الحين لمصالحها الخاصة. 

كما يقدم السيناريو الليبي الحالي مثالا واضحا لهذا التحليل: لقد صنعت قبائل برقة جبهة مشتركة، ملتفة حول الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في محاولة لبسط السيطرة على المنطقة الغربية. 

أما واقعيا، تبدو أن الرغبة هي استعادة السيطرة على الأراضي - وخاصة مدينة بنغازي - التي فقدتها بعد الثورة مباشرة، وفق الموقع الإيطالي. 

من جانبه، يقدم حفتر نفسه على أنه شخصية قيادية من برقة، مستغلا الانقسامات على المستوى الجغرافي لإبقاء القبائل الشرقية تحت سيطرته. 

وبالتالي، خلص الموقع إلى أن دور القبائل في السياق الليبي أساسي، ليس فقط بسبب دور المحرك الاجتماعي الذي تمثله، ولكن أيضا للدعم العسكري الذي تقدمه لأطراف الصراع. 

وبالإضافة إلى الدعم الأجنبي لكلا الطرفين، يبدو دور الجهات الفاعلة المحلية ضروريا للسيطرة على البلاد، وخطوط الاتصال وعلى أغلى ما تملكه ليبيا: النفط.