لا مفر.. لماذا تسعى المعارضة السورية للسيطرة على "عين عيسى"؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مضي عام كامل على عمليات "نبع السلام" التي خاضتها القوات التركية والجيش الوطني السوري، ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، اندلعت في الوقت الحالي معارك جديدة بين الطرفين بمنطقة "عين عيسى" في ريف الرقة الشمالي، في محاولة للسيطرة عليها من فصائل المعارضة السورية.

وفرض الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا سيطرته على مناطق بمدخل عين عيسى الشمالي الشرقي، حيث تقول أنقرة والمعارضة المحسوبة عليها: "إن المدينة تشكل منطلقا للوحدات الكردية، لتنفيذ هجمات أوقعت عشرات القتلى والجرحى في "المناطق المحررة"، شمال سوريا".

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قتل نحو ثلاثين شخصا غالبيتهم من مسلحي المعارضة السورية، جراء انفجار ألغام زرعتها "الوحدات الكردية"، في حوادث متفرقة شهدتها مناطق حدودية مع تركيا، كان أكثرها دموية قرب منطقة عين عيسى.

العملية العسكرية على "عين عيسى" أثارت تساؤلات عن أهدافها، وإلى أين تريد أن تصل المعارضة السورية في هجماتها ضد مناطق خاضعة لسيطرة "قسد"، إضافة إلى ماهية الموقف الأميركي والروسي، من التحرك العسكري الجديد المدعوم تركيا.

خيارات محدودة

تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي السوري، الدكتور محمد نجار: إن "مليشيا (قسد) لا تعبّر عن رأي الشارع الكردي أساسا، وتحظى بدعم إسرائيلي أولا، وتلتقي في كثير من الأحيان مع الاحتلال الإيراني والنظام السوري، وتتنقل بين التبعية للروس أيحانا وللأميركيين أحيانا أخرى"، وفق تعبيره.

ورأى لـ"الاستقلال" أن خياراتها في معركة "عين عيسى" محدودة، لأنها حسمت أمرها عبر بياناتها وتحركاتها العسكرية بعدم تسليم المنطقة للنظام السوري وفقا للرغبة الروسية، وأن المسؤولين الروس يبدو أنهم سيتركون الأمور تذهب إلى القوة الأكبر على الأرض، وهي تركيا".

ولفت نجار إلى أن "تركيا تعمل على تحقيق الحد الأدنى بما يحفظ سلامة وأمن حدودها، وبما لا يسمح دخول العناصر المتطرفة، وتأجيج المشكلة الكردية التركية في الداخل التركي وعلى حدودها مع سوريا".

وأشار إلى أن "تركيا تعمل بحذر، ولن تخوض معركة يمكن أن تؤدي بالنتيجة إلى توتر بالعلاقات مع واشنطن وموسكو، لأنها ليست بوضع متميز مع الطرفين، إذ إن موسكو تريد تسليم كل هذه المناطق للنظام، وأن واشنطن تعتبر حليفا متناقضا مع الطرفين".

من جهته، رأى الخبير العسكري السوري العقيد "عبد الجبار العكيدي" أن "القيادة الكردية التركية الأوجلانية القنديلية، تعتمد منذ اليوم الأول للثورة السورية على مبدأ التحالف مع الجميع، واللعب على التناقضات والخلافات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين (باستثناء تركيا)".

وأضاف: "لكن هذه السياسة أثبتت فعلا أن من يتحالف مع الجميع سيكون عُرضة لأن يخذله الجميع، فالتذاكي الفج هو غباء فج، وهو ما جلب على تلك القيادة خسائر فادحة، بدأت من عفرين ولن تنتهي عند رأس العين".

وأشار "العكيدي" إلى أن قسد تحاول الآن كسب الوقت لحين تسلم الرئيس الأميركي "جو بايدن" وفريقه مفاتيح البيت الأبيض معولة على تصريحاته الداعمة لهم.

في هذه الآونة انشغلت "قسد" بمفاوضات مع النظام تحت المظلة الروسية، تضمن لها البقاء في "عين عيسى" بوصفها نقطة انطلاق لإقلاق تركيا في منطقة "نبع السلام"، وقد بذلت في ذلك الكثير من خلال التحصينات وحفر الأنفاق.

وأكد أن "محاولات قسد قابلها لعب خصومها وحلفائها أيضا على ورقة عين عيسى في إطار ممارسة الضغط عليها، ما جعل من هذه المدينة المحور والبؤرة التي تضغط فيها كل الأطراف على قوات سوريا الديمقراطية وتبتزها لتقديم تنازلات".

منطقة إستراتيجية

وبخصوص الهدف من الهجوم، قال محمد نجار: إن "منطقة عين عيسى مهمة إستراتيجيا، فهي تصل غرب سوريا بشرقها، وهي عقدة مواصلات مهمة شرقي الفرات، وقلب الإدارة الذاتية لميليشيا قسد، وإذا ما تمت السيطرة عليها من الجيش الوطني، فإنها تكون ضربة قاسمة لها، والتي تحاول جاهدة الحفاظ عليها".

ورأى "نجار" أن "قسد" لا تتمتع بدعم كبير من روسيا وأميركا، فرغم قولها إنها لن تتنازل عن "عين عيسى"، فإن التنبؤات الحالية تؤكد أن المنطقة ستسقط لصالح الجيش الوطني، وهذا سيؤمن للأتراك بعدا إستراتيجيا وحماية وأمنا كافيين لحدودها وأمنها القومي.

وبحسب قوله، فإن العملية العسكرية محدودة وليست واسعة، والهدف منها منع الأكراد من السيطرة والتمكن في "عين عيسى" وتحديد إمكانياتها وتقطيع أوصالها من خلال السيطرة على هذه المنطقة.

وبيّن "نجار" أنه "ليس هناك أي مؤشرات على تسليم المنطقة إلى النظام السوري، أو مواجهة مباشرة ستنتهي حتما بانتصار الجيش الوطني السوري المدعوم تركيا، إضافة إلى أنه ليست هناك تصريحات روسية وأميركية بأنها ستتدخل وترسل مساعدات عسكرية إلى قسد".

وعلى نحو مماثل، قال العقيد العكيدي: إن "عين عيسى، تُعد خط دفاع للعمق الحيوي والإداري والسياسي لقسد، إضافة إلى أنها تمثل عقدة طرق هامة تصل الجزيرة السورية وعين العرب وحلب والرقة وتل أبيض. أهمية هذه المدينة دفعت "قسد" إلى تركيز وجودها فيها وافتتاح مكاتب تمثيلية مختلفة".

وأكد أنه من هنا تبرز أهمية إعلان غرفة عمليات الفيلق الأول التابع للجيش الوطني بدء "معركة تحرير بلدة عين عيسى" بعد هجوم شنته قبل أيام بغطاء من مدفعية الجيش التركي، أدت إلى سيطرة مقاتلين من فصيل "أحرار الشرقية" على عدة قرى قريبة من البلدة الإستراتيجية، ومن الطريق الحيوي "إم-4"، الرابط بين العراق شرقا، والمتوسط غربا.

ونوّه إلى أنه "ما عزز احتمالية حدوث  عملية عسكرية أوسع كما هو متداول، حدوث حركة نزوح واسعة شهدتها عين عيسى خلال الأيام الماضية".

تزامن ذلك مع انسحاب قوات النظام والقوات الروسية من مواقع انتشارها في محيط عين عيسى إلى مواقعهم في قاعدتي عين عيسى وتل السمن شمال الرقة و"اللواء 93"، في مؤشر على أن هذا الانسحاب يُعد ضوءا أخضر من موسكو أعقب فشل مفاوضات جرت بين نظام الأسد وقسد برعاية روسية.

وزاد "العكيدي" قائلا: "رفضت قسد تسليم مدينة عين عيسى لقوات النظام، بل استقدمت تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وهددت بطرد النظام من المربعين الأمنيين في كل من الحسكة والقامشلي في حال إجبارها على الخروج من عين عيسى".

وهذا أيضا مؤشر على أهمية هذه المدينة بالنسبة لقسد، ومن خلفها قيادة قنديل التي تعتبر وجود النظام في الحسكة والقامشلي أقوى أوراق التفاوض، وفق قوله.

فشل المفاوضات

وفي ظل العملية العسكرية التي يشنها "الجيش الوطني السوري" بدعم من تركيا، فإن محاولات الروس والنظام السوري استغلال ذلك والتفاوض مع "قسد" للحصول على منطقة "عين عيسى" باءت بالفشل.

وكشفت تقارير صحفية في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن سلسلة اجتماعات بين ممثلي القوات الروسية والتركية من جهة، وممثلي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مع ممثلي النظام السوري والقوات الروسية من جهة أخرى، فشلت في التوصل إلى تفاهمات بشأن وضع بلدة "عين عيسى".

وذكرت أن "قوات سوريا الديمقراطية" والوحدات الكردية طالبوا بوقف هجمات "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، والذي يسعى إلى طردهم من مدينة "عين عيسى" في شمال شرق الرقة.

وعقد ضباط روس وأتراك اجتماعا في "صوامع شركراك" بريف عين عيسى، لبحث الوضع في المنقطة.

فقد طالب الجانب التركي من روسيا بانسحاب كامل لمقاتلي تحالف قوات "قسد" من منطقة عين عيسى، كشرط للتوصل إلى تفاهمات تفضي إلى إيقاف أي عمل عسكري محتمل للقوات التركية، بينما طرح الجانب الروسي انسحابا محدودا لمسافة.

في المقابل، عقد ضباط روس وآخرون من قوات النظام السوري اجتماعا مع ممثلي "قسد"، لبحث مصير "عين عيسى"، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق أيضا.

إذ طرح الجانب الروسي وممثلو النظام انسحابا كاملا لـ"قسد" من عين عيسى ومحيطها، ورفع العلم السوري فوق مؤسساتها الحكومية، وتسليمها إلى قوات النظام بشكل كامل، حتى يتسنى منع الهجمات التركية على المدينة.

وبحسب التقارير، فإن ممثلو "قسد" أبدوا استعدادهم لتسليم مداخل ومخارج "عين عيسى" فقط إلى قوات النظام، كما هو الحال في اتفاق "منبج"، الأمر الذي رفضه الجانب الروسي والنظام السوري بشكل تام.

وعلى ضوء المعارك الجارية، نقلت "قسد" المعتقلين الموجودين في سجونها الثلاثة في "عين عيسى" بريف محافظة الرقة الشمالي، وعددهم 65 شابا اعتقلوا بتهمة العمل بالتهريب والتواصل مع فصائل المعارضة المدعومة تركيا، إلى مدينة الطبقة في الريف الغربي للمحافظة.