بعد إفراجها "المؤقت" عن ناشطات.. الرياض تواصل الاعتقالات

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"السلطات السعودية تتخبط ولا ترغب في حل ملف المعتقلين، أو تصحيح أخطائها، ولا يهمها الضغوط الخارجية، أو الحديث عن ملف حقوق الإنسان"، هكذا فسر ناشطون حقوقيون الاعتقالات التي نفذتها السعودية أخيرا.

الناشطون استندوا في دلائلهم إلى ممارسات السلطات السعودية ومساعيها لإخراس كل الأصوات المناهضة لسياستها أيا كانت صفة أو جنس المنتقد لها، سواء كانوا رجالا أو نساء، حقوقيين أو كتاب أو مثقفين أو غيرهم.

وفيما اعتبر البعض إفراج المملكة عن 3 معتقلات مؤخرا بداية أمل لحل قضية المعتقلين، فإن ناشطين عبر "تويتر" وصفوهم بـ"الواهمين" معتبرين الإفراج المؤقت "مراوغة".

الناشطون برهنوا على كلامهم بحملة الاعتقالات الجديدة التي شنتها السلطات الخميس 4 أبريل/نيسان 2019 واستهدفت 8 أشخاص، وجاءت عقب إفراجها عن المعتقلات عزيزة اليوسف وإيمان النفجان ورقية المحارب الأسبوع الماضي، مع سريان إجراءات محاكمتهن بتهمة التخابر مع جهات خارجية.

وأفاد مراقبون بأن جميع الاعتقالات التي وقعت خلال الساعات والأيام الماضية واستهدفت كُتاباً وصحفيين تمت دون أوامر قضائية ودون سبب قانوني، وجرت باقتحام المنازل ليلاً على يد قوة مسلحة مع ترهيب سكان المنازل بالسلاح ومصادرة بعض الممتلكات.

حملة اعتقالات

وكالة أسوشيتد برس قالت الجمعة 5 أبريل/نيسان الجاري، إن السلطات في السعودية اعتقلت 8 سعوديين بينهم اثنان يحملان الجنسية الأمريكية، ضمن حملة اعتقالات جديدة بحق ناشطين وكتاب وأكاديميين، بعضهم على علاقة بناشطين آخرين معتقلين منذ مدة.

وأفادت الوكالة بأن معظم هذه الاعتقالات وقعت الخميس 4 أبريل/ نيسان الجاري وشملت محامين وكتّابا يدعون بهدوء إلى الإصلاح الاجتماعي، وكان معظمهم على صلة بمجموعة من الناشطات في مجال حقوق المرأة اللواتي يخضعن للمحاكمة حاليا.

ومن بين المعتقلين امرأة حامل و7 رجال بينهم الكاتب والطبيب بدر الإبراهيم، وصلاح حيدر نجل الناشطة الحقوقية عزيزة اليوسف التي أطلق سراحها بشكل مشروط مؤخرا، واعتقل معظم هؤلاء من منازلهم في الرياض، وأوقف شخص واحد في مدينة الدمّام.

كتاب ومدونون

ومن جانبها، قالت منظمة "القسط لدعم حقوق الإنسان" -ومقرها في لندن- في تغريدة على تويتر إنه بعد خبر الإفراج المؤقت عن بعض المعتقلات والمعتقلين في السجون السعودية، وردت أخبار من مصادر موثوقة تؤكد وقوع حملة اعتقالات جديدة، وتشير إلى احتمال توسّعها.

وأوضحت المنظمة أن المعتقلين هم "كتاب ومدونون يقومون بنقاشات عامة حول الإصلاحات" في المملكة، مشيرة إلى أن من بينهم "عبد الله الدحيلان، بدر الإبراهيم، خديجة الحربي، وزوجها ثمر المرزوقي، ومحمد الصادق، وصلاح الحيدر نجل عزيزة اليوسف، وفهد أبا الخيل، فيما لم تذكر اسم المعتقل الثامن حتى كتابة هذه السطور.

بينما أشار حساب "معتقلي الرأي" إلى اسمين آخرين، وهما "مقبل الصقار، ويزيد الفيفي"، مبينا أن "الصقار" هو صاحب رواية "ميم عين" التي تتناول وقائع من حياة ومعاناة المرأة في السعودية.

وأوضح الحساب أن "الفيفي" اعتقل على خلفية تعبيره عن رأيه وحديثه عن الفقر والفساد المنتشر في محافظته فيفاء، حيث أطلق قبل أيام وسم محافظ_فيفا_تطوير_أم_تدمير، وغرّد عدة تغريدات حول ذلك، كما نشر قبل أيام أيضاً مقطع فيديو عبر قناته على يوتيوب بعنوان "عمل استخباراتي خارجي تدعمه أجندة داخلية في منطقة #جازان"، وقد عبّر فيه عن رأيه حول ما يجري في جازان.

اعتقال الشاب صلاح الحيدر نجل الدكتورة عزيزة اليوسف المفرج عنها مؤخرا بشكل مؤقت، يكشف عدم صدق السلطات في نيتها الإفراج عن عزيزة، وعزمها المضي قدما في حالة القمع وإسكات الأصوات الحرة بأي ثمن.

ولفت الحساب إلى أن حملة الاعتقالات الجديدة التي تستهدف الكتّاب وعددا من الشخصيات الأكاديمية لا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة، قائلاً: "نرفض هذه الحملة القمعية الشرسة ونطالب بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي".

منع السفر

ومنعت السلطات السعودية كذلك العشرات من الناشطين من السفر تمهيداً لاعتقالهم، فيما أكد معارضون، أن بعض الناشطين المطلوبين استطاعوا الفرار خارج البلاد بعد علمهم ببدء حملة الاعتقالات، بينما لا يزال الاتصال مفقوداً بآخرين، ووصل عدد المطلوبين على قائمة السلطات إلى أكثر من 40 اسماً تتواصل مطاردتهم – بحسب صحيفة العربي الجديد -.

وحسب معارضين سعوديين، فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، فإن سبب الاعتقالات يعود إلى مجموعة من النشاطات الثقافية كانت قد نظمتها هذه المجموعة بين عامي 2014 و2016، ومن بينها ملتقى "تواصل" الثقافي الذي استضاف شخصيات سعودية وعربية بارزة.

تصعيد القمع

وقال الدكتور عبد الله العودة أستاذ القانون الدستوري، ونجل الداعية سلمان العودة المعتقل والمحكوم بالإعدام، إن "حملة الاعتقالات هي سلوك متوقع من السلطات السعودية مادام ليست هناك مؤسسات مستقرة ولا تمثيل شعبي ولا فصل سلطات بالمعنى المدني ولا مؤسسات مجتمع مدني".

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "حتى لوخفت الوتيرة فما دامت الأسباب المتمثلة في الاستبداد والسلطة المطلقة، موجودة فستتكرر كل مرة، وما لم نعالج هذه الأسباب فستتكرر نفس السلوكيات السياسية الخاطئة"، موضحا أن العلاج يكمن في المشاركة السياسية وإقامة دولة المؤسسات والحقوق.

وأكد "العودة" أن الاعتقالات مؤشر واضح على عدم رغبة الإدارة الحالية بحل أي ملف، ورسالة مفادها أن الاعتقال هو الحل!.

عادل السعيد نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قال، "لا يبدو أن القيادة السعودية في الوقت الراهن عازمة على الاستدارة وتصحيح أخطائها سواء في الداخل أو الخارج، بما في ذلك ملف الاعتقالات على خلفية حرية التعبير".

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" معقبا على الاعتقالات الجديدة، بقوله "حملة الاعتقالات تؤكد أن المملكة ماضية في سياسة تكميم الأفواه وقمع أصحاب الرأي، التي استعرت بشكل مهول في عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد".

ورفض "السعيد" اعتبار الإفراج المؤقت عن بعض الناشطات اتجاها سعوديا جديدا نحو التهدئة، قائلا "طالما أنها تصّر على المضي قدماً في محاكمتهن مع الناشطات الأخريات اللاتي لا تزلن تقبعن في السجون، بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي والمطالبة بإصلاحات".

وعقب يحيى عسيري رئيس منظمة "القسط" لحقوق الإنسان، في حديثه لـ"الاستقلال" على حملة الاعتقالات، قائلاً: "كنا ننتظر من السلطات السعودية حملة إفراج عن معتقلي الرأي، فأصبحنا على حملة من الاعتقالات، وهذا يدل على أنها لا تعي الضغوطات الخارجية، ولا تعي مصلحتها ولا ترعى حقوق الإنسان".

وقالت الدكتور حصة الماضي الناشطة الحقوقية عبر حسابها بتويتر، إن "الضغوط الدولية على السلطة السعودية تجعلهم مرتبكين ومتخبطين في تصرفاتهم وما هذا الاعتقال الذي طال مجموعة من النشطاء إلا دليل على ذلك".

المزروع أيقونة

حملة الاعتقالات الجديدة، سبقها القبض على الدكتور أنس المزروع المحاضر بكلية القانون بجامعة الملك سعود، بعد ساعات من مشاركته في معرض الرياض الدولي للكتاب في دورة 2019 (في الفترة من 13ـ 23  مارس/آذار الماضي)، ورصده للأوضاع السياسية السيئة في بلاده، ودفاعه عن معتقلي الرأي والناشطات الحقوقيات.

وعلى خلفية اعتقاله توالت تحذيرات الناشطين عبر تويتر، من أن يصبح المزروع أيقونة تنفجر في وجه السلطات السعودية، مؤكدين أن ما يفعله النظام سيجبر الشعب على الاصطفاف والوقوف في وجه السلطات، التي وصفها المغردون بأنها "قمعية وتخشى كلمة الحق مما سيدفع الشعب إلى انتهاج نفس النهج للمطالبة بالإصلاح والحقوق والحريات".

وحسب مراقبين فإن المملكة منذ اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية  إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعيش حالة غضب مكتوم، ليأتي بعدها الحديث عن حالات انتهاكات وتعذيب بحق معتقلات في السجون، واعتقال ناشطين حقوقيين بمثابة صب الزيت على النار.