فضيحة النفايات الإيطالية.. هكذا كشفت مافيا فساد بوزارة البيئة التونسية

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس منذ الاستقلال في العام 1956. وحتى بعد الثورة التي يحيي التونسيون ذكراها العاشرة، ينتقل أحد الوزراء مباشرة من كرسي وزارته إلى السجن على ذمة قضية اتهم فيها بالفساد.

وكشفت قضية، ما بات يعرف بالنفايات الإيطالية عن تورط عدد من المسؤولين في وزارة البيئة والشؤون المحلية والديوانة (الجمارك) في صفقة استيراد نفايات من إيطاليا لدفنها بالتراب التونسي.

وبثت هذه القضية وإيقاف المسؤولين عنها، شيئا من الارتياح لدى التونسيين الذين لا يزال جزء كبير منهم يعبّر عن دعوته للدولة، لمحاربة الفساد الذي ارتفعت معدلاته في السنوات القليلة الماضية، وتحول إلى مهدد فعلي لاستقرار البلاد وسلامة شعبها. 

رؤوس كبيرة

وبعد تقدم التحقيقات في القضية، أكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بمدينة سوسة (شرق البلاد) جابر غنيمي، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، الاحتفاظ بـ12 شخصا في قضية توريد نفايات من إيطاليا عبر الميناء التجاري بسوسة. 

وكان على رأس قائمة الموقوفين وزير البيئة المقال قبل ساعات من إيقافه "مصطفى العروي" وكذلك مدير ديوانه، وعدد من مسؤولي وكالة التصرف في النفايات، والوكالة الوطنية لحماية المحيط،  وعميد في الديوانة.

ومثل أمام حاكم التحقيق  10 أشخاص على صلة بالقضية، في مقدمتهم وزير البيئة السابق في حكومة إلياس الفخفاخ والمنتمي لحزب "تحيا تونس" شكري بلحسن، بالإضافة إلى المدير العام الحالي للوكالة الوطنية لحماية المحيط، ومدير عام مقال في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

وأضاف "غنيمي" في بيان صحفي، أنه تم إدراج صاحب الشركة الموردة للنفايات في التفتيش، مؤكدا أنه غادر تراب الوطن نحو وجهة أخرى منذ انطلاق البحث.

ولفت إلى أن التهمة الموجهة لهؤلاء تتعلق بتكوين عصابة مفسدين، والتزوير، واستغلال موظف عمومي لوظيفته لتحقيق مكاسب شخصية، وتوريد مواد خطرة.

وسبق، وأن أعلنت رئاسة الحكومة التونسية، يوم 20 ديسمبر/كانون الثاني 2020. إعفاء وزير الشؤون المحلية والبيئة، "مصطفى العروي"، من مهامه، وقال بيان رسمي: "إن رئيس الحكومة، هشام المشيشي، قرر إعفاء العروي من مهامه، وتكليف وزير التجهيز والإسكان والبنية التحتية، كمال الدوخ، بالإشراف على الوزارة بالنيابة".

وقالت الجمارك التونسية، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2020: "إن مصالحها نفذت كل إجراءات التحفظ القانونية على البضاعة الموردة من قبل الشركة الخاصة الناشطة في مجال تدوير النفايات، بعد شكوك حول نوعية الشحنات القادمة من إيطاليا"، مؤكدة أن "وزارة البيئة أعطت الإذن بإدخال النفايات الإيطالية إلى تونس".

أصل الحكاية 

تعود بداية الملف إلى تحقيق استقصائي أجرته صحيفة الأنوار المحلية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وكشفت فيه تورط قنصل تونس بنابولي بية بن عبد الباقي الفراوة ومسؤولين في هذه الفضيحة.

أكد التحقيق الصحفي، قيام رجل أعمال بتواطؤ مع مسؤولين بارزين في الدولة يإدخال 222 حاوية فضلات إلى ميناء سوسة، وإخفاء 70 منها داخل مخازنه.

وتورطت مؤسسة "سوري –بلاست" في إدخال أطنان من الفضلات الإيطالية إلى تونس، وهي شركة يمتلكها "محمد منصف نور الدين" مختصة في تثمين ورسكلة النفايات البلاستيكية المتأتية من عمليات التصنيع.

 وتحصلت على رخصتها في 26 أيار/مايو 2009. ولكن بشرط إنتاج الحبيبات البلاستيكية.

ومارست الشركة المتورطة نشاطها طيلة سنتي 2010 و2011. حيث تزودت بالفضلات البلاستيكية من مؤسسات صناعية مصدرة كليا منتصبة بالبلاد، وعملت في تصدير المنتوج المتحصل عليه، ولكن في سنة 2012. تم إيقاف نشاطها بسبب مخالفات جمركية. 

وحسب الوثائق المنشورة، أظهرت مراسلة خاصة بين المدير العام للبيئة وجودة الحياة والمدير العام للديوانة، تأكُّد المسؤولين من خطورة النفايات التي تم إدخالها إلى تونس، ولا يسمح بتصديرها، وهو ما يؤكد أن كلتا الإدارتين رفضتا إدخال 222 حاوية من السموم إلى تونس.

ورغم ذلك، فإن مسؤولين بارزين في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، تمسكوا بمواصلة الصفقة التي كانت ستتسبب في كارثة صحية في ولاية سوسة، وأن هنالك 7 ولايات قريبة من سوسة مهددة بسبب 222 حاوية فضلات مسمومة.

مافيا داخل الدولة 

من جهتها أكدت نائبة رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة ومكافحة الفساد بمجلس نواب الشعب "أمال الورتاني" أن ملف النفايات فيه إخلالات إجرائية وقانونية، منذ إبرام العقد من الأول بين الشركة الإيطالية والمستثمر التونسي، فالفصل الثاني من العقد يؤكد استيراد نفايات منزلية، وهو ما يخالف القوانين التونسية.

وأضافت "الورتاني" لـ"الاستقلال": أن "كل إجراءات الوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات مع المستثمر التونسي والشركة الإيطالية باطلة من الأول، ورغم ذلك فالديوانة (الجمارك) اجتهدت وفق القوانين المرتبة لعملية الاستيراد".

لكن عندما تريد أن تراقب محتوى المواد الموردة، لا يمكنها فتح الحاويات إلا بحضور مالك البضاعة أو ممثله القانوني، وهو ما لم يقع إلا في تاريخ متأخر جدا، سمح للشركة الموردة بمحاولة الالتفاف على القانون.

لذلك تقول الورتاني: "أعتبر أن هؤلاء الأشخاص مافيا حقيقية في داخل الدولة، ولهم خبراء مختصون في المجال يوضحون لهم كل أساليب التهرب والثغرات القانونية، حيث قام برفع قضية استعجالية من أجل التسريع في إخراج النفايات من الميناء وبدء التصرف فيها".

وأكد النائب عن حزب "قلب تونس" أنه في وقت سابق اجتمعت وزارة المالية في شهر سبتمبر/أيلول 2020. بالديوانة والأطراف المتدخلة من أجل التسريع في إخراج النفايات، بحجة أنه يتم تعطيل عمل المستثمرين، معتبرة ذلك تدخلا من قبل وزارة المالية للضغط على الديوانة من أجل تجاوز الإجراءات القانونية.

ودعت "الورتاني" إلى "فتح جميع الملفات المتعلقة بقطاع النفايات في تونس، واليوم بات متأكد عندنا، أن الوزارة والوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات بشكل خاص هي وكالة تصرف بالفساد، يديرها لوبي يعمل بعلاقة مع جهات نافذة محتكرة للقطاع". 

يشار إلى أن رئيس الحكومة "هشام المشيشي" أقر، الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول 2020. خلال اجتماع مع رؤساء الهياكل الرقابية العليا للدولة بقصر الحكومة بالقصبة، "الانطلاق في مهمة تدقيق شاملة ومعمقة لوزارة البيئة والشؤون المحلية والمنشآت والمؤسسات التابعة لقطاع البيئة، وذلك بعد إجراء مسح لكافة التقارير الرقابية السابقة التي شملت القطاع خلال السنوات الأخيرة، للوقوف على مدى الالتزام بملاحظاتها وتوصياتها".

وشدد "المشيشي"، وفق بلاغ لرئاسة الحكومة، على أن "مقاربة الدولة في تكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة والمحافظة على المال العام، يجب أن تكون مقاربة مهنية وموضوعية لا مجال فيها لأي اعتبارات أخرى". 

كما يذكر أن رئيس الحكومة السابق "إلياس الفخفاخ" متهم بشبهات تضارب مصالح بسبب امتلاكه لشركة تعمل في مجال إعادة تدوير النفايات، وهي القضية التي تسببت في استقالته والإطاحة بحكومته بعد 4 أشهر من تنصيبها.