في بلدية "إمام أوغلو".. ماذا يعني رفع الأذان وقراءة القرآن بالتركية؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة مفاجئة، أثار رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، غضب الأتراك، عقب فعالية ثقافية أقامتها البلدية إحياء للذكرى الـ747 لوفاة المتصوف الشهير، جلال الدين الرومي المعروف بـ"مولانا".

وأقدمت البلدية في الفعالية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، على رفع الأذان وقراءة القرآن الكريم والأدعية باللغة التركية بدلا من العربية، على خلاف ما هو متعارف عليه منذ سنوات طويلة.

بداية النهاية

ونشرت صحيفة "ستار" التركية مقالا للكاتب نوح ألبايراك، قال فيه: "تم افتتاح المجلس الأول (البرلمان عام 1920) بذبح القرابين بعد صلاة الجمعة في مسجد حجي بيرم في أنقرة".

وكان صدى جملة "هدفنا هو حماية مكانة الخلافة وتحكيم سلطان تركيا وخليفة الإسلام المقدس على جميع أنحاء الوطن" يتردد في الغرفة المعلق على جدارها آية "وأمرهم شورى بينهم".

واستدرك قائلا: "لكنهم أسقطوا السلطنة بعدها بسنتين ونصف (عام 1923) كما أسقطوا الخلافة بعد الأخيرة بسنتين ونصف أيضا، لكن عصمت باشا (إينونو) كان قد أراح الشعب بقوله: لن يتم التقصير في الحفاظ على الأحكام الإسلامية وتطبيقها بعد سقوط الخلافة، وبالتأكيد كان الواقع عكس ذلك تماما".

وأشار ألبايراك إلى أن "الحكومة آنذاك أصبحت تقول بعد ذلك، يجب على الدين أيضا أن يتوافق مع تيار الحياة، وأن تكون المساجد مأهولة مع دخولها بالأحذية، كما ينبغي أن تعزف الآلات الموسيقية، وأن تكون لغة العبادة تركية.. وهكذا أعلن حزب الشعب الجمهوري عام 1932، عاما للإصلاحات الدينية".

وتابع: "لقد كانت الحكومة مشغولة بالإصلاحات الدينية لدرجة أنها لم تتمكن من إصدار رخصة الطيران لوجيهي هوركوش الذي كان يطالب بالرخصة لطائرته محلية الصنع والتي صنعها بجهوده، حيث كان الجواب الذي يأتيه من الحكومة يقول: نظرا لعدم وجود موظفين في الدولة لتقييم هذه الطائرة، لا يمكننا إصدار الترخيص..".

وبالطبع كانت الدولة في ذلك الوقت مشغولة جدا بتهيئة الأمور لإعلان تطبيق أول "أذان وقرآن باللغة التركية" في ليلة القدر في جامع أيا صوفيا في 3 فبراير/شباط 1932، وفقا للكاتب التركي.

وأضاف: "الآن يمكننا أن نرى حزب الشعب الجمهوري وعلاقته بالدين والعبادة بعد أن صوت أولئك الذين قالوا إن رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو قرأ سورة ياسين في جامع أيوب وأنه لا دخل لهم بعقيدته وعبادته".

استغلال المراسم

وقال الكاتب في صحيفة "خبر ترك"، مراد بارداكجي: إن "المراسم المولوية التي يتم تنظيمها كل عام في 17 ديسمبر/كانون الأول في جميع أنحاء البلاد، لم يتم تنظيمها هذا العام في العديد من الأماكن بسبب كورونا".

وأضاف: "حتى تلك التي أقيمت لم تكن كسابقاتها من السحر والتألق، فيما تمت إقامة الاحتفالات التي حضرها مسؤولو الدولة في ولاية قونية بشكل محدود".

واستطرد بارداكجي: "لكن ونظرا لوجود العديد من أعمال ومؤلفات جلال الدين الرومي وسحر الحفل في الطريقة المولوية الذي تم تشكيلها من بعده، أصبح (مولانا) الآن قطاعا خاصا وأداة تجارة مثالية للأسف!".

وأضاف: "فبغض النظر عن مطاعم كرات اللحم أو الحمامات التركية أو شركات السفر أو محلات الكباب التي تحمل اسم (مولانا)، أصبح هذا الاسم مصدرا مستهلكا من قبل (فقراء العلم) الذين يعانون من مشاكل في البحث والكتابة".

وتابع بارداكجي: "كما أصبح السماع (رقص صوفي) أداة تجارية أيضا! حيث يقوم البعض برقص السماع في عروض الأزياء وفي الحفلات الموسيقية وحفلات الرقص وحتى في المطار!".

وهنا يُعتبر "الدراويش" الذين يشاركون في إقامة مثل هذه الاحتفالات كـ"رأس مال متحرك"، وأصبحت هذه الطقوس تجرى بسرعة على حسب الطلب إثر تحولها الى عامل جذب سياحي، فلم يعد الغرض منه أداء طقوس صوفية مثل الذكر، وفقا للكاتب التركي.

وأضاف: "لقد اعتدنا على إساءة استخدام المولوية منذ فترة طويلة، لكننا لم نواجه استغلالا للمراسم المولوية لذلك الذي نظمته بلدية إسطنبول الكبرى (رئيسها يتبع لحزب الشعب الجمهوري المعارض)".

ونوه إلى أنه "يجب ألا ننسى كما يجب أن نعرف أن الطقوس المولوية والسماع ليست وسائل عرض أو ترفيه، بل طقوس ذكر، لها قواعد صارمة للغاية تعود إلى قرون".

وأردف بارداكجي: "لا يهم إن كنت تقبله أو لا تقبله، تؤمن به أو لا تؤمن به، من الواجب احترام التقاليد التي تعود إلى قرون طويلة! لكن وفي البرنامج الذي نظمته بلدية إسطنبول بعنوان المراسم المولوية والتي قدمته مجموعة مؤسسة عاشقي مولانا العالمية، تم تجاوز وتجاهل جميع قواعد المولوية وهي الموجودة لأكثر من 700 عام".

عار غير مسبوق

وأوضح بارداكجي أن المراسم المولوية تبدأ بتقاسيم ناي، ثم يقدم نعت بالفارسية، ويليه موشح كلماته بالفارسية أيضا، وخلال هذا يؤدى السماع والذي يقدمه رجال فقط.

وبعد انتهاء الابتهالات، يتلى القرآن متبوعا بـ"غول بانغ" التقليدي والذي يعني "صوت الورد" بالفارسية وتنتهي المراسم بالدعاء.

وأشار بارداكجي إلى أنه "تم تجاهل وتجاوز جميع هذه القواعد في المراسم الذي نظمته بلدية إسطنبول الكبرى، حيث تمت ترجمة النعت والموشحات إلى التركية، كما كانت هناك نساء بين الدراويش والموسيقيين الذين يطلق عليهم اسم مطرب، أي كان الرجال والنساء سويا في المسرح كما كان القرآن أيضا يقرأ بالتركية!",

وعلق قائلا: فالذين رأوا أنه من الذل قول "الله أكبر" أو "لا إله إلا الله" (بالعربية) فضلوا قولها بالتركية! لقد حولوا "صدق الله العظيم" إلى جملة غريبة مثل "ما أحسن وأصدق ما قاله الله العظيم" بالتركية.

وأضاف: "بما أنه كان معروفا أن المجموعة التي أطلقت على نفسها اسم (عاشقي مولانا) جعلت من طقوس المولوية طقوسا مضحكة وغريبة لسنوات، لم تكن المؤسسات الرسمية تأخذها على محمل الجد، لكن بلدية إسطنبول أعطت لهم هذه الفرصة، وظهر ما يمكن اعتباره عارا غير مسبوق، في المراسم المولوية".

ولفت إلى أنه حتى في الوقت الذي كانت الحكومة فيه تحاول تطبيق أكثر الطرق صرامة لـ"قراءة القرآن باللغة التركية" عام 1934، كانت المراسم المولوية قد أقيمت بتعليمات من مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك بلغتها الأصلية، أي الفارسية عندما قام شاه إيران رضا بهلوي بزيارة تركيا!.

شبح المحاكم 

ويرى بارداكجي، أن هناك احتمالين لتحويل بلدية إسطنبول احتفالات مولانا (شبي عروس) إلى "قضية سياسية" من مثل "قراءة القرآن باللغة التركية".

الاحتمال الأول هو "حرص البلدية والحزب الذي ينتسب إليه رئيسها على العودة إلى الثلاثينيات عندما كان يتم تنفيذ الانقلاب اللغوي بصرامة، واشتياقها للأيام التي كان يتم فيها رفع الأذان باللغة التركية في جميع أنحاء البلاد وتدريس القرآن بالتركية في مساجد مختارة".

واستدرك قائلا: "لكن لا يمكنني أن أتخيل أن حزب الشعب الجمهوري، الذي جرب هذا الأمر قبل 80 عاما، ولم يستطع محو آثار الكراهية التي سببها الأذان والقرآن بالتركية، لم يفكر كيف أن قراءة القرآن باللغة التركية من قبل بلدية تابعة له سيضر بحزبها وأن الناخبين سيقولون: إن كانوا يقومون بهذا الآن، هذا يعني أنهم إذا اعتلوا عرش السلطة، فلن يسمحوا بقراءة القرآن حتى".

وأضاف بارداكجي: "لذلك، هناك احتمال ثان، وهو أنه لم يتم النظر في البرنامج الذي قدمته المجموعة في احتفالات (شبي عروس) بل تمت استضافتهم ليدوروا في مسرح محسن أرطغرل فقط/ وهذا طيش وجهل وانتهاك تام للتقاليد!".

ومع ذلك، فقد لعبت بلدية إسطنبول الكبرى دورا أساسيا في تشويه ليلة "شبي عروس"، حيث سمحت بقراءة القرآن والنعت والدعاء والفقرات كلها باللغة التركية بعد 90 عاما ونشرتها بفخر على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الكاتب.

وختم بارداكجي مقاله متهكما: "أيا كان المسؤول عن حدوث هذا الأمر، فلديه الآن مهمة أكثر أهمية بكثير: وهي إعادة إنشاء محاكم الاستقلال وشنق مئات من الأشخاص من أجل أن يكونوا عبرة للباقي، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تعود بها بلدية إسطنبول سريعا إلى أيام الثلاثينيات!".