رغم تحالفهما.. لماذا تتنازع روسيا وإيران على مناطق شرقي سوريا؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ما زالت روسيا تدفع بتشكيلاتها العسكرية في مناطق شرقي سوريا، التي تخضع للسيطرة الإيرانية الكاملة، ولا سيما في ريف دير الزور، وذلك منذ زيارة أجراها قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى مدينة البوكمال في يونيو/ حزيران 2020.

وتحتل مدينة "البوكمال" موقعا إستراتيجيا بالنسبة لإيران، إذ تسيطر الميليشيات المدعومة منها على البادية وشرق دير الزور بشكل أساسي، والتي تُعد طريقا لها من إيران عبر العراق إلى سوريا، وتتعرض بين الحين والآخر إلى قصف أميركي وإسرائيلي.

انتشار عسكري

شهدت مناطق "دير الزور" وصول تعزيزات عسكرية للنظام السوري، مدعومة من قوات روسية، إذ رافق الأرتال من "الفيلق الخامس" و"لواء القدس" والحرس الجمهوري، عدد من الضباط الروس، ومجموعات حماية تتبع للشرطة العسكرية الروسية، وفقا لما ذكرته مواقع محلية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020.

وبدت التحركات العسكرية كأنها مقدمة لعمليات انتشار واسعة، هي الأولى من نوعها في المنطقة التي تهيمن فيها الميليشيات الإيرانية بشكل شبه كامل، إذ تضمنت الخطوات الأولى لعمليات الانتشار، إنشاء مقر عسكري للقوات الروسية في منطقة البوكمال القريبة من الحدود العراقية-السورية.

وذكرت المواقع المحلية بأنه جرى تحويل الفندق السياحي في المنطقة كمركز قيادة، والملعب البلدي الملاصق للفندق سيكون غالبا مكانا لتجمع الآليات العسكرية، والمكاتب الخدمية التي تعنى بشؤون عناصر الميليشيات الروسية التي ستنتشر في المنطقة الإستراتيجية.

وأشارت إلى أن قسما من التعزيزات الواصلة حديثا، توزع بين حقول النفط في ريف البو كمال الغربي، وعلى نقاط أخرى في بوادي الصالحية والدوير والعباس والجلاء المحيطة بمنطقة الحقول، وتمركز القسم المتبقي من التعزيزات في مركز مدينة البوكمال.

وترجح التوقعات تواصل تدفق تعزيزات الميليشيات الروسية نحو المنطقة خلال الأيام المقبلة، من حلب وحماة والجنوب السوري، ليصبح لعناصر ومجموعات "فصائل المصالحات" مشاركة فعلية في عمليات الانتشار في محافظة دير الزور.

وفي السياق ذاته، أكدت مصادر من المرصد السوري لحقوق الإنسان في ريف دير الزور الشرقي، أن "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا، بدأ بالانتشار ضمن نقاط عدة واقعة على الحدود السورية – العراقية قرب مدينة البوكمال.

وأثار الانتشار العسكري الروسي في مناطق دير الزور، الذي جاء بعد محاولات عدة، قوبلت برفض كبير من الميليشيات الإيرانية، غضب قيادات من الحرس الثوري الإيراني، بحسب مواقع سورية.

وعلى خلفية ذلك، عقد ضباط روس اجتماعا مغلقا مع عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني وضباط النظام السوري، في محيط البوكمال، وفق معلومات أوردتها مواقع محلية سورية.

تحريك الأذرع

من جهته، رأى المحلل العسكري عبد الله الأسعد أن "المنطقة الشرقية من سوريا غنية بالنفط، وإستراتيجية لأنها تربط دمشق بالعراق، وأن إيران وميليشياتها توجهت نحوها لأنها غنية وقريبة من الآبار، وإذا ما انسحبت أميركا من سوريا فسيكون لها اليد العليا فيها، وهذا لن ترضى به روسيا".

وأضاف الأسعد في حديث لـ"الاستقلال" أن روسيا لا تريد لإيران أن تنتشر في البوكمال والميادين ودير الزور، لأن هذه المناطق أيضا ترتبط بخطوط البترول "تي 1، تي 2، تي3، تي4" السورية، وإذا سيطرت عليها طهران تصبح بيدها مفاتيح الثروة النفطية، وكذلك وجود مناجم فوسفات بالمنطقة، إضافة إلى الطريق الحيوي الرابط بين سوريا والعراق.

وتابع: "تحرك تنظيم الدولة في المنطقة الشرقية، يقف خلفه الروس، والصراع اليوم بين إيران وروسيا يجري بتحريك الأذرع. هذا التقاتل الخفي يجري على منطقة جيوسياسية".

وتوقع الأسعد أن "تشكل هذه المنطقة الثقب الأسود لابتلاع جميع المتقاتلين فيها، كون نظام الأسد عاجز عن لعب دور في شرق سوريا، وأن الطرفين الروسي والإيراني يتقاتلان بشكل مندفع للاستيلاء على ثروات المنطقة".

من جهته، قال الخبير العسكري السوري "عبد السلام عبد الرزاق": إن "الوجود العسكري الروسي في محافظة دير الزور، يحقق لروسيا العديد من الأهداف العسكرية والاقتصادية، أهمها، دعم الميليشيات التابعة لها، وضم عناصر جديدة إلى صفوفها من أبناء المنطقة، وبالتالي منافسة الوجود الإيراني الناجح جدا في عمليات التجنيد، والتغلغل في الوسط الاجتماعي".

وأضاف "عبد الرزاق" خلال تصريحات صحفية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020: أن "الوجود الروسي يؤمن أيضا السيطرة على الثروة الباطنية في المنطقة، ووصْلها ببقية مناطق سيطرة النظام في الجنوب والشمال والمنطقة الوسطى، والتقليل من دور الميليشيات الإيرانية، التي باتت تتحكم بالحياة العامة المحلية، بشكل يضر بالصورة التي تريد روسيا تسويقها عن النظام بأنه عاد قويا، وبات متحكما بمفاصل الدولة".

لكن الكاتب والصحفي السوري "مصطفى النعيمي"، ربط التحركات الروسية الأخيرة في دير الزور، بالاجتماع الأمني الثلاثي (الروسي، الأميركي، الإسرائيلي) الذي عُقد في مدينة القدس المحتلة، في 25 يونيو/حزيران 2019.

وأشار إلى أن "هدف روسيا قطع الإمداد البري بين بغداد ودمشق، بعد أن أثبتت الضربات الجوية من التحالف وإسرائيل على المواقع الإيرانية فشلها، مؤكدا: "رغم هذا العدد غير المحدود من الضربات على امتداد الأعوام الأخيرة، ما زالت إيران قوية في سوريا، وما زالت أسلحتها وصواريخها تتدفق، وتطورها في سوريا".

ورأى النعيمي أن "كل ما يجري اليوم هو بطلب إسرائيلي، ومن غير المستبعد أن نشهد عمليات عسكرية برية ضد الميليشيات الإيرانية، لإنهاء وجود إيران في سوريا".

وفي 25 يونيو/حزيران 2019، عقدت قمة ثلاثية أمنية جمعت إسرائيل وأميركا وروسيا، في القدس المحتلة، بدأت بموقف توافقي حول المستقبل السياسي بسوريا، في ظل بقاء نظام بشار الأسد، وقد تباينت المواقف حول دور إيران بسوريا والمنطقة.

تخفيف الضغط

وفي السياق ذاته، أعرب الكاتب السوري، "فراس علاوي"، عن اعتقاده بأن الطرفين "إيران وروسيا" لا يزالان بحاجة بعضهما البعض، وأن ما يجري الآن في شرق سوريا هو عملية حشد وتنسيق ضد تنظيم الدولة، والذي ازداد نشاطه بالفترة الأخيرة.

واستبعد "علاوي" خلال تصريحات صحفية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2012، وجود صدام بين "إيران وروسيا"، وأن هناك نوعا من إعادة التموضع لكلا الطرفين، مشيرا إلى أن "الروس يريدون عمليات مشتركة ضد تنظيم الدولة في البادية السورية، بينما يريد الإيرانيون وجودا روسيا لتخفيف الضغط الإسرائيلي عليهم. وهذا ما يفسر الوجود الروسي شرق سوريا".

وفي المقابل، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد "عبد الله الأسعد": إن "المنطقة بمثابة ورقة ضغط بالنسبة لروسيا على جميع الأطراف، خاصة على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" التي تدعمها أميركا، لذلك هي نقلت بعضا من قواتها من مطار "حميميم" إلى مطار القامشلي.

وبين أن روسيا دائما تريد أن تكون قريبة من القوات الأميركية سواء في منطقة "رميلان" أو الآبار المحيطة بها.

ووفقا لتقرير نشره موقع "إيران وير" في يوليو/تموز 2020، فإن رتلا للقوات الروسية انتشر في الثكنات التابعة لقوات النظام السوري بأحياء دير الزور.

ويعتبر هذا الرتل الرابع للقوات الروسية الذي يدخل المحافظة بالتزامن مع خلافات بين الميليشيات الإيرانية من جهة، وقوات النظام السوري والميليشيات الروسية من جهة أخرى.

فقد أبعدت ميليشيا حزب الله العراقي قوات النظام السوري من حي جمعيات الرصافة في دير الزور، واستولت على مقار النظام وحواجزه، وانتشرت فيها.

وذكر التقرير، أن القوات الروسية في سوريا سبق وأن استولت على "حقل نفطي" في ريف دير الزور الشرقي، بعد طُرد قوات النظام منه، وذلك في سياق الانتشار الروسي في المنطقة على حساب الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.