تشكيل حكومة جديدة باليمن.. كيف فرضت الإمارات والسعودية إملاءاتهما؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من عام على اتفاق الرياض، تم الإعلان مساء الجمعة 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن تشكيل حكومة جديدة في اليمن مكونة من 24 حقيبة وزارية برئاسة الدكتور معين عبد الملك.

وفي الوقت الذي يفترض أن يكون هذا الإجراء الذي طال انتظاره خطوة باتجاه حل الأزمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، يتساءل كثيرون عن مدى فاعلية هذه الحكومة، وهل ستكون قادرة فعلا على حل الأزمة، وما هي مؤشرات نجاحها؟.

حل "الانتقالي"

تم تشكيل الحكومة مناصفة بين المكونات الجنوبية والشمالية، بواقع 13 حقيبة للمكونات الجنوبية و11 حقيبة للمكونات الشمالية، بالإضافة إلى تعيين رئيس وزراء من الشمال، وهو ما تم احتسابه بحقيبتين.

حصل المجلس الانتقالي على 4 حقائب وزارية ضمن حصص المكونات الجنوبية، ما يعني أنه شريك أساسي وفاعل في الحكومة الشرعية، وعليه فإن بقاءه يعني استمرار الأزمة السياسية، ولا قيمة حينها لأي تشكيل حكومي، وفق متابعين.

حسب مراقبين، نجاح الحكومة الجديدة يجب أن يكون مسبوقا بمؤشرات تمهد لحل الأزمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، من تلك المؤشرات عودة الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، والقدرة على ممارسة مهامها ومسؤولياتها من هناك بسلاسة وبدون أي عراقيل من قبل الحزام الأمني الذراع العسكري للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.

كانت الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض قد منعت من العودة إلى عدن منذ الانقلاب الذي قاده المجلس الانتقالي في أغسطس/آب 2019، ثم إعلان الإدارة الذاتية على عدن والمحافظات الجنوبية في أبريل/نيسان 2020.

حل المجلس الانتقالي الذي بات يعمل كخط مواز للحكومة الشرعية منذ تأسيسه صيف 2017، هو المؤشر الآخر الذي يمهد لنجاح الحكومة الشرعية في ممارسة مهامها وأداء مسؤولياتها، وفق متابعين.

علاوة على ذلك، فإن استمرار التشكيلات المسلحة التابعة للحزام الأمني، خارج إطار وزارة الدفاع اليمنية يعني بقاءها كقنبلة موقوتة تهدد الحكومة الشرعية، وعليه فمن أجل نجاح الحكومة الشرعية وفاعليتها يجب إدراج تلك التشكيلات المسلحة ضمن وزارة الدفاع التابعة للحكومة الشرعية المشكلة حديثا.

ويبلغ قوام الحزام الأمني نحو 90 ألف جندي، قامت الإمارات بتشكيلهم وتدريبهم في معسكرات في عدن وخارج اليمن، وحتى اللحظة تقوم بدفع مرتباتهم وتحكم من خلالهم قبضتها على الموانئ  والجزر والمحافظات الجنوبية.

الشق العسكري

كانت اتفاقية الرياض التي تم توقيعها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قد قضت بتنفيذ الشق العسكري قبل السياسي، ويعني انسحاب قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي وإعادة انتشارها خارج عدن والمحافظات الجنوبية قبل تشكيل الحكومة الجديدة.

غير أنه تم الإعلان عن تشكيل الحكومة قبل انسحاب التشكيلات المسلحة من المدينة، ورغم إعلان الرياض عن انسحاب تلك التشكيلات لكن تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق لم يتم بالشكل المتفق عليه.

ما حدث هو انسحاب بعض الوحدات العسكرية فقط من أبين مع بقاء التشكيلات المسلحة مسيطرة على مفاصل مدينة عدن ومطارها ومطار المكلا ومينائي عدن وبلحاف.

حاولت السعودية الدفع بتنفيذ الشق السياسي قبل الشق العسكري، غير أن مقترحها لم يلق قبولا من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو الأمر الذي أخر من تنفيذ اتفاقية الرياض لأكثر من عام.

كان مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري قد صرح في 21 يوليو/تموز 2020، لقناة "الجزيرة" أن السعودية تسعى لاتفاق بديل عن اتفاق الرياض لتنفيذ الشق السياسي فقط، مشيرا إلى أن اتفاق الرياض مشروع سعودي إماراتي وقع عليه اليمنيون ولم ينفذ.

وأضاف: "أن اتفاق الريتز كارلتون المقترح يركز على تعيين المسؤولين ويتجنب الشق الأمني"، مشيرا إلى أن كل الأوراق بيد التحالف ولو أراد تنفيذ اتفاق الرياض حرفيا فسيتم ذلك.

بعدها غادر جباري الرياض معترضا على آلية عمل المفاوضات التي تشرف عليها السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.

مؤشر سلبي

ورغم تفاؤل البعض بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن آخرين يرون وجود مؤشرات سلبية في تشكيل الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، أبرزها خضوع الرياض لرغبة أبوظبي في عدم تنفيذ الشق العسكري كما نصت عليه الاتفاقية، ومن ناحية أخرى فإن الرياض نفسها خذلت الحكومة الشرعية لصالح المجلس الانتقالي في أكثر من موقف.

خلال سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى، في يونيو/حزيران 2020، سحبت السعودية، وهي الطرف المسؤول عن تأمين الجزيرة، قواتها التي يبلغ قوامها 1000 جندي، ومنحت الانتقالي فرصة السيطرة على الجزيرة والمؤسسات الرسمية التابعة لها، في موقف كاشف لحجم دعم المملكة للمجلس الانتقالي.

رمزي محروس محافظ سقطرى صرح وقتها أن "القوات السعودية انسحبت من أمام إدارة الأمن في سقطرى، وسمحت بعبور ترسانة من الأسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا".

وأضاف محروس: "قوات الشرعية تلقت ضمانات من القوات السعودية بوقف التصعيد، لكن تلك القوات تراجعت عن ضماناتها وتركت الانتقالي يسيطر على الجزيرة".

ولادة متعسرة

في حديث للاستقلال يقول الكاتب والصحفي اليمني خالد شاكر: "ولدت هذه الحكومة متعسرة بسبب حجم الخلافات والتدخلات، وهي خلافات وصلت حد التناحر، معبرة عن نفسها في الميدان من خلال المعارك العسكرية خاصة في محافظة أبين".

مضيفا: "ورغم طول المدة التي استغرقتها إجراءات تشكيل الحكومة، لكن مع ذلك لا يزال الشق العسكري وهو الأهم والمهدد لهذه الحكومة بدون تنفيذ باستثناء إجراءات شكلية في مناطق أبين".

شاكر يرى أن تشكيل الحكومة يجب أن يتبعه ذوبان ما بات يعرف بالمجلس الانتقالي في المرحلة الجديدة، مقابل تمثيله بأربع حقائب وزارية في الحكومة الجديدة.

وتابع: "لكن منذ تشكيله أرادت دولة الإمارات أن يكون ذراعا سياسيا لها في الجنوب، ونظاما موازيا للحكومة الشرعية، ورأينا كيف حاولت الإمارات خلال الفترة الماضية أن تجعل من المجلس قوة عسكرية كبيرة تضاهي الجيش الوطني وأمدته بالأسلحة اللازمة والتدريبات، وساعدت على سيطرته على الأرض".

الكاتب والصحفي اليمني قال: "أصبح المجلس يقدم نفسه كدولة ممثلة للجنوب، ويحظى بتمثيل واستضافة ليس في الإمارات فحسب، بل في السعودية راعية تنفيذ اتفاق الرياض".

وأكد أن "هناك شكوكا كبيرة في متابعة تنفيذ الاتفاق، خاصة في الشق العسكري منه، والدعم الذي قدم للمجلس حتى أصبح لديه قوات ومليشيات وأسلحة حديثة وسيطرة على مناطق حيوية ليس دعما عاديا يمكن الاستغناء عنه بسهولة".

ويضيف: "مؤشرات الفترة الماضية تؤكد أن كل الإجراءات التي مضت فيها السعودية والإمارات ضاعفت من حجم التحديات أمام الحكومة اليمنية، وساعدت على مد المجلس الانتقالي بكل أسباب البقاء والتمثيل والتوسع والسيطرة".

وأوضح شاكر "بدا ذلك واضحا في سيطرة المجلس على العاصمة الانتقالية للحكومة وجزيرة سقطرى الإستراتيجية ومحافظات الجنوب، وكانت تحركات القوات التابعة له خلال الفترة الأخيرة أيضا، تسابق الزمن لفرض واقع جديد ومضاف لصالحها على الأرض".

وختم الصحفي اليمني حديثه بالقول: "لا أتوقع أن تتخلى عن هذه القوات والمكاسب السياسية والميدانية بهذه السهولة أو بمجرد تمثيلها في الحكومة، وفي تقديري سنشهد خلال الفترة المقبلة خلافات كثيرة، وستكون شهية المجلس الانتقالي مفتوحة أيضا للتوسع أكثر مستفيدا من الصبغة السياسية التي اكتسبها من اتفاق الرياض، وسيحافظ على ما بحوزته من مكاسب سياسية وقوات عسكرية".