تهديد البرلمان الأوروبي بفرض عقوبات على مصر.. ما قابليته للتنفيذ؟

إسماعيل يوسف | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في بيان من 19 بندا يتضمن مطالب حقوقية من مصر ويمهد لعقوبات، أصدر البرلمان الأوروبي قرارا مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، ينتقد بعنف الاعتقالات والإعدامات وسجن الصحفيين والحقوقيين والأطباء، ويطالب بربط المساعدات لمصر بوقف انتهاكات حقوق الإنسان.

ورغم أن البرلمان الأوروبي أصدر العديد من البيانات ضد نظام السيسي وقمعه منذ عام 2015، وحتى 2020، إلا أنه لا يملك سلطة إجبار على الاتحاد الأوروبي (الجهاز التنفيذي لحكومات أوروبا) لاتخاذ مواقف معينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

نادرا ما يلجأ الاتحاد اﻷوروبي إلى تطبيق سياسات عقابية في إطار سياساته الخارجية تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، على عكس فرض الشروط والمتابعة اﻷكثر حزما فيما يتعلق بتحرير التجارة، واستقبال الصادرات المصرية في اﻷسواق اﻷوروبية بمعايير جودة معينة، وتحسين مناخ اﻻستثمارات اﻷجنبية، والتعاون في مجالات الأمن ومواجهة الهجرة غير الشرعية.

لكن كان ملفتا أن بيان البرلمان الأوروبي الأخير أكد في فقرته رقم 12 على أنه "يدعم الشعب المصري في تطلعاته لإقامة دولة حرة ومستقرة ومزدهرة وشاملة وديمقراطية تحترم تشريعاتها الوطنية والدولية عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها".

مراجعة العلاقات

البيان ذكر نظام السيسي بأن "احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية يشكل عنصرا أساسيا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وأن توفير مساحة للمجتمع المدني هو التزام مشترك منصوص عليه في أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر".

وأضاف البيان: أنه "يجب ألا يواجه أي مدافع عن حقوق الإنسان قيودا مالية أو تجريما أو حظر سفر أو شروط الكفالة، أو أن يُسجن بسبب عمله المشروع في مجال حقوق الإنسان".

البيان شدد أيضا في الفقرات 16 و17 على "دعوته لإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر"، وقال: إنه يعتبر أن وضع حقوق الإنسان في مصر "يتطلب مراجعة جادة لعمليات دعم الميزانية للمفوضية ويتطلب تقييد مساعدات الاتحاد الأوروبي لدعم الجهات الديمقراطية والمجتمع المدني بشكل أساسي".

وذكر بأن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يجب ألا يمنحوا جوائز للقادة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، في إشارة لحصول السيسي علي الوسام الفرنسي "جوقة الشرف".

القرار الذي صوت عليه البرلمان اﻷوروبي، بأغلبية 434 عضوا ضد 49 وغياب 202 عضو (من أصل 685 عضوا) تضمن عددا من النقاط الهامة لعل أبرزها هي الاعتراف الضمني بأن السياسات الأوروبية تجاه مصر "مخيبة للآمال وتتغلب فيها المصالح على حقوق الإنسان".

البرلمان اتهم النظام المصري باستغلال محاربة الإرهاب في انتهاك حقوق الإنسان وسجن كل معارض، ودعا للإفراج الفوري وغير المشروط عن 25 ممن وصفهم بـ"المحتجزين تعسفيا، والمحكوم عليهم بسبب قيامهم بعملهم الحقوقي المشروع والسلمي".

من بين هذه الأسماء الـ 25، عبد المنعم أبو الفتوح، عزت غنيم، هيثم محمدين، علاء عبد الفتاح، ماهينور المصري، هدى عبد المنعم، ، إسراء عبد الفتاح، زياد العليمي وسناء سيف.

البرلمان الأوروبي أبدى غضبه تجاه الاعتقالات اﻷخيرة للعاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قائلا: إنها "جاءت انتقاما من لقائهم مع دبلوماسيين أوروبيين في مصر".

واستنكر البرلمان "تشريعات مكافحة الإرهاب"، وقوائم الإرهاب "التعسفية"، والحبس الاحتياطي، مؤكدا أنها "تتعارض مع التزامات مصر بموجب اتفاقات حقوق الإنسان الدولية"، واعتبر "عمليات التوقيف والاحتجاز المستمرة جزءا من نمط أوسع لتخويف المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان".

وأبدى قلقه إزاء مصير السجناء والمحتجزين في ظروف سيئة وداخل أماكن مزدحمة، خاصة في ظل جائحة كورونا، وأدان "الاعتقالات التعسفية والمضايقات التي يتعرض لها العاملون في المجال الطبي والصحفيون" بسبب حديثهم عن أوضاع انتشار الفيروس وطالب بالإفراج الفوري عن أي طاقم طبي لا يزال قيد الحبس.

واستنكر القرار تزايد عدد أحكام الإعدام المنفذة في مصر، ودعا لوقف تنفيذ العقوبة بهدف إلغائها، وضمان المحاكمة العادلة، والإفراج الفوري عن الأحداث الصادر بحقهم أحكام إعدام.

وأبدى البرلمان الأوروبي أسفه لما قال: إنه محاولة السلطات المصرية "تضليل وعرقلة التحقيقات بشأن اختطاف وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016".

وقال: إن "البحث عن الحقيقة بشأن اختطاف وتعذيب وقتل مواطن أوروبي لا يخص أسرته وحدها، لكنه واجب حتمي للمؤسسات والاتحاد الأوروبي تتطلب اتخاذ جميع الإجراءات الدبلوماسية اللازمة" ضد مصر.

تغريدات بالعربية

لم يكتف نواب البرلمان الأوروبي بالبيان الذي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ويقدم مطالب محددة للقاهرة والاتحاد الأوروبي، ولكنهم غردوا على موقع تويتر بمزيد من الانتقادات، وكان ملفتا أن غالبيتهم غرد باللغة العربية.

قال النائب جان كريستوف أويتجين: إن "نواب البرلمان يستنكرون بأشد أنواع العبارات، القمع الطائش الذي تشهده مصر"، وأشار إلى أن "محاربة الإرهاب لا تعني سجن الصحفيين، المحامين، المثقفين والحقوقيين".

وقالت العضوة في البرلمان هانا نيومان: إن السيسي "طاغية" يضع الناس في السجن بسبب تطبيقات على هواتفهم المحمولة وفي المقابل نقدم له الأسلحة ليقوم بمهمته.

وطالبت عضوة البرلمان، ثريا رودريغيز الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه باتخاذ موقف حازم ضد "انتهاكات" حقوق الإنسان في مصر، وقالت: إنها "تعتبر الاعتقال التعسفي للناشط الحقوقي باتريك زكي مثالا على وحشية وعدم عقلانية السياسة المصرية الحالية"، وختمت تغريدتها بكلمة "كفاية".

وكتبت النائبة كاتلين تشيه تقول: "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي عندما تتعرض الحريات المدنية لهجمات ممنهجة في مصر".

كما نشر النواب على "تويتر" بيانا موحدا، للمطالبة بالضغط على نظام السيسي لوقف الانتهاكات، والإفراج عن المعارضين والمعتقلين.

رفض "الوصاية"

رد النظام المصري وأذرعه الإعلامية على قرار البرلمان الأوروبي كان عنيفا خصوصا أنه جاء عقب إبرام السيسي عدة صفقات سلاح مع إيطاليا وفرنسا واتفاقيات للغاز. 

برلمان السيسي بغرفتيه، النواب والشيوخ، وحزب الأغلبية الجديد "مستقبل وطن"  أصدروا بيانات عنيفة ضد القرار الأوروبي، واتفق الجميع على رفض ما أسموه "وصاية" أوروبا على مصر، وأنها توصيات إخوانية.

مجلس النواب رد على نظيره "الأوروبي" في بيانه قائلا: "لا تنصبوا أنفسكم أوصياء علينا"، وطلب منه "النأي عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة ‏أغراض سياسية أو انتخابية".

‏واعتبر البيان أن القرار الأوروبي "غير مقبول ولا يلائم الشراكة الإستراتيجية ‏المصرية الأوروبية"، وأنه "يعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن". 

أما مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) فأصدر بيانا، اعتبر فيه قرار البرلمان الأوروبي "ذريعة للتدخل في شؤون مصر"، وأنه "تضمن ادعاءات مخالفة للحقيقة حول حقوق الإنسان في مصر".

ورد حزب الأغلبية "مستقبل وطن" ببيان من 6 نقاط واصفا القرار الأوروبي بـ"المسيس وغير الموضوعي" وقال: إن البيان مبني على "ازدواجية المعايير" لأنه "لم يتطرق لأوضاع إنسانية قاسية كالأوضاع في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول التي تشهد أزمات سياسية".

وأضاف: "هناك أجزاء من تقرير البرلمان الأوروبي تعبر عن نهج سياسي ناتج عن بعض جلسات الاستماع لبعض أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية الهاربين في بعض دول أوروبا".

تغليب المصالح

وفق مراقبين، ظلت السياسات الأوروبية لحقوق الإنسان تجاه مصر، مخيبة للآمال وتتميز بالنفاق وتغليب مصالحها على انتهاكات حقوق الإنسان والقتل والتعذيب في مصر.

ومع انقلاب الجيش في مصر على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، توقع كثيرون أن يهرول الاتحاد الأوروبي للدفاع عن حقوق الإنسان مع تعاظم الانتهاكات.

لكن قام الأوروبيون على العكس بتوثيق علاقتهم مع نظام السيسي والدفاع عن قمعه مقابل مصالحهم ودور مصر في محاربة الإرهاب ومنع الهجرة غير الشرعية، وصفقات السلاح.

ومنذ 2015 أصدر البرلمان الأوروبي (الجهاز التشريعي) العديد من البيانات ضد انتهاكات النظام في مصر واقترح عقوبات، لكن رفض الاتحاد الأوروبي (الجهاز التنفيذي) تطبيقها.

من بين هذه القرارات ما صدر في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بحظر بيع أدوات تستخدم في التعذيب والإعدام بمصر، بأغلبية 612 صوتا مقابل 11 وامتناع 54 عن التصويت، وأيضا قراره في عام 2015، بحظر بيع وتصدير الأدوات المستخدمة في تنفيذ عقوبة الإعدام.

أيضا سبق للبرلمان الأوروبي، أن وافق بالإجماع في أبريل/نيسان 2016 بأغلبية كبيرة ولم يرفضه سوى 10 أعضاء من أصل 598 عضوا على قرار يطالب البرلمان المصري بإجراء مراجعة عاجلة للتشريعات التي "تنتهك الدستور" مثل قانون الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، وقانون التظاهر.

في 8 أغسطس/آب 2018، أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان دراسة بعنوان: حالة حقوق الإنسان في العالم العربي 2017-2018، رصد فيها هذا التعامل الأوروبي مع السلطة في مصر عقب الانقلاب.

الدراسة أشارت إلى الإستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، القائمة على الحرص على "استقرار نظام السيسي لتحقيقه مصالح دول الاتحاد، وتقديم هذا على حقوق الإنسان".

أوضحت الدراسة أن هناك تغيرا في الموقف الأوروبي أو تبريرا لهذا الانحياز لدعم الأنظمة الديكتاتورية العربية تلخصه "سياسة الجوار الأوروبية المعدلة، في الاهتمام بـ "استقرار المنطقة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية"، بحيث يكون هذا في صميم السياسة الجديدة.

وأن "سياسة الجوار الأوروبي" التي طُرحت منذ عام 2016، تعكس إستراتيجية الاتحاد الأوروبي العالمية وتطرح مفهوم "البرجماتية المبدئية" مع التركيز القوي على أمن أوروبا، والتركيز الضعيف على الديمقراطية، حيث يعتبرون "الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون" مجرد "قيم"، وليست "معايير ملزمة".

وتشير سياسة الجوار الأوروبية المعدلة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتزم رسميا دعم الديمقراطيات "في حال ظهورها في المنطقة العربية، لكنه لن يحاول الضغط على حكومات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تنتهج القمع والثورة المضادة".

ومن ثم فهم يرون أنه رغم أن الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الفساد، وضعف التنمية الاجتماعية والاقتصادية والفرص المتاحة للشباب، وغياب العدالة الاجتماعية، وهذه المشاكل تؤجج التشدد والاحتجاج والتطرف العنيف، إلا أن "الاستقرار" أهم وهو ما تحققه الأنظمة القمعية مثل نظام السيسي.

مستقبل السياسات

وفق مراقبين، يبدو من بيان البرلمان الأوروبي الأخير أن هناك محاولة ليس فقط لنقد سياسات مصر القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان، على غرار البيانات السابقة، لكن الدعوة إلى "تغيير طبيعة تعامل الاتحاد وسياسة الجوار، وتحذير الحكومات الأوروبية من تكرار أخطاء الماضي".

ظهر ذلك في الفقرتين 16 و17 من البيان حيث طالبتا بـ"إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، وربط المساعدات بتحسن ملف مصر في حقوق الإنسان".

لكن المشكلة ليست في بيانات البرلمان الأوروبي ونوابه الغاضبة، إنما في السياسات الفعلية المستقلة التي تنتهجها كل دولة أوروبية على حدة، وتسعى من خلالها لتحقيق مصالحها، حسب متابعين.

أغلب هذه الدول لا ترى ملف حقوق الإنسان مشكلة تستلزم وقف صفقات السلاح وضمنها أدوات التعذيب، كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون علنا خلال زيارة السيسي الأخيرة لباريس في 6 ديسمبر/كانون الأول 2020.

وحسب خبراء، فإن ملف حقوق الإنسان في مصر سيبقى على الأقل على جدول أعمال السياسات الأوروبية المخيبة للآمال، لحين بلورة معارضة حقيقية في الشارع كما حدث في ثورة يناير 2011.

بعض هؤلاء الخبراء يرون أن تحرك المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في مصر بقوة، هو الضمانة الحقيقية للفت انتباه الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لممارسة نوع من الضغط النسبي على القاهرة لتحسين الملف الحقوقي.

بعض المدافعين عن حقوق الإنسان الأوروبيين برروا سياسات حكومات بلادهم الضعيفة تجاه حقوق الإنسان في مصر بالقول: "إنهم يقولون: ما البديل عن حكومة السيسي والاستقرار في المنطقة؟ نعم، سياسات حكومته مضرة، لكن أين هي المعارضة؟ أين نشطاء 2011؟ أين الحركات الاجتماعية؟ يجب أن يأتي التغيير من داخل مصر، ولا يمكن أن تفرضه أوروبا".