الصراع على المضائق والممرات المائية.. هل يمهد لاندلاع حرب عالمية؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار التاريخ، كان الصراع قائما بين القوى الكبرى في العالم، حول السيطرة على طرق التجارة والمضائق والممرات المائية، وهي الحالة التي يعيشها العالم اليوم أيضا على الطاقة، ومسارات التجارة العالمية.

ذلك الصراع، كشفت عنه القوة الأولى في العالم، وهي "أميركا" التي أبدت انزعاجها من الدور الروسي والصيني في الممرات المائية حول العالم، معلنة عن نشرها غواصات هجومية وطائرات من الجيل الخامس للتغلب على الدفاعات الروسية الصينية، ومؤكدة مساعدة حلفائها في الحفاظ على ممراتها المائية.

"البنتاغون"، وفي بيان صحفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن عن إستراتيجية بحرية جديدة تنفذها قواته البحرية ومشاة البحرية وخفر السواحل؛ لاستهداف ما أسماه بـ"التحركات العدوانية" من قبل الصين وروسيا، للسيطرة على الممرات المائية الدولية الرئيسة.

وقال: إن "الإستراتيجية تلزِم واشنطن بالعمل مع الدول الحليفة والشريكة، لإبراز قوتها بالممرات البحرية المتنازع عليها لردع الخصوم المحتملين"، مؤكدا أنه "حال اندلاع القتال، سينشر غواصات هجومية، وطائرات من الجيل الخامس، وقوات استطلاع بحرية، ومركبات آلية، وغارات بحرية للتغلب على دفاعات العدو".

روسيا والصين

الإعلان عن "الإستراتيجية الأميركية" يأتي بعد شهر من "تحركات روسية" عبر خطوات جادة، لاستعادة النفوذ السوفيتي السابق في القارة الإفريقية.

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وافقت "موسكو" على إنشاء قاعدة عسكرية لها بالسودان على البحر الأحمر، حيث مياه المنطقة الحارة، وذلك بعد وجود المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط بقاعدة طرطوس السورية.

وكالة "تاس" الروسية من جانبها، توقعت أن تلك القاعدة العسكرية التي ستستقبل سفنا تعمل بالطاقة النووية، ستسهل عمل البحرية الروسية بالمحيط الهندي، وتزيد قدرتها على الطيران بأطقم بديلة لسفنها بعيدة المدى، مع تحصين موقع موسكو الإفريقي الجديد بأنظمة صواريخ "أرض جو" متطورة، مما يسمح لها بإنشاء منطقة حظر طيران لأميال حولها.

كما يأتي الحديث عن الإستراتيجية البحرية الأميركية بعد يوم واحد من خطاب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في مؤتمره الصحفي السنوي يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، الذي عدد فيه نجاحات جيش بلاده قائلا: إنه "أحد أكثر الجيوش كفاءة بالعالم".

محاولة الوجود الروسي بالبحر الأحمر لأول مرة منذ عقود؛ سبقه وجود صيني منذ 2017، حيث تستضيف "جيبوتي" بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، قاعدة بحرية للصين هي الأولى لبكين خارج الشرق الأقصى، التي تواجه فرض عقوبات أميركية على شركاتها المتعاونة مع الجيش الصيني.

وفي أغسطس/آب 2017، حصلت الصين على أول قاعدة عسكرية لها في الخارج، حيث أجّرت قاعدة عسكرية في "جيبوتي" أفقر دول العالم، والتي تحصل على 160 مليون دولار سنويا من تأجير القواعد العسكرية.

وبعد يوم واحد من إعلان واشنطن إستراتيجيتها البحرية الجديدة، كشفت وكالة "رويترز" أن إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بصدد فرض عقوبات تجارية على 80 شركة صينية بعضها اتهمته واشنطن بالتعاون مع الجيش الصيني، بتطوير مشاريع بناء وعسكرة جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أدرج البنتاغون شركة "SMIC" الصينية العملاقة على قائمته السوداء، وأوقفت وزارة التجارة الأميركية تصدير المعدات لها بدعوى وجود خطر أن تقع بأيدي العسكريين الصينيين.

واشنطن، فرضت أيضا عقوبات على 25 معهدا، تعمل بأبحاث تشييد السفن، وتتبع شركة حكومية صينية، ردا على ما اعتبرته الخارجية الأميركية ممارسات الصين القسرية ببحر الصين الجنوبي. 

مقال للخبيرة المصرية بالشؤون الإفريقية، "أميرة عبد الحليم"، عن تصاعد التنافس الدولي بين الصين وأميركا حول المضائق، أشارت فيه إلى تغير سياسة "بكين" الخارجية بإنشاء أول قاعدة لها بالخارج في جيبوتي، بهدف "الحفاظ على الأمن المشترك للممرات البحرية الإستراتيجية الدولية"، وفقا للاتفاق الذي يسري حتى عام 2026.

الباحثة المصرية، قالت: "إن الصين تحركت بعيدا عن تركيزها التقليدي بشرق آسيا والمحيط الهادي، نتيجة لتزايد مصالحها بإفريقيا والشرق الأوسط، في إطار المشروع الصيني (مبادرة الحزام والطريق)"، موضحة أن الوجه الآخر الذي تسعى بكين للظهور به، هو تنافسها مع واشنطن، التي أزعجها الوجود الصيني بقاعدة على بعد أميال من القاعدة الأميركية بجيبوتي.

وأشارت إلى أنه "وبالتوازي، تعمل الصين على تطوير قواها البحرية، مع تعزيز السيطرة على بحر الصين الجنوبي (البحر المقابل للمتوسط في شرق آسيا)، وهو الأمر الذي يزيد من تهديد الهيمنة الأميركية والوجود الياباني بالمحيط الهادي".

صراع القواعد 

ولأن الأمن البحري يمثل للقوى الدولية أهمية إستراتيجية، تنطلق من ارتباطه بأمن الطاقة؛ فتمثل المضائق والممرات المائية في الإستراتيجية العسكرية نقطة تفوق للقوى المسيطرة عليها.

ومن أهم هذه المضائق، "هرمز" بالخليج العربي، و"باب المندب" و"قناة السويس" بالبحر الأحمر، و"جبل طارق" بمدخل البحر المتوسط، و"البسفور" و"الدردنيل" بين آسيا وأوروبا، و"ملقا" والمضائق الإندونيسية جنوب شرق آسيا، وقناة "بنما" بين الأميركيتين.

ويعبر مضيق "هرمز" حوالي 40% من النفط المنقول بحرا للعالم، فيما يعبر "باب المندب" (30 كم)، نحو 3.5 ملايين برميل نفط، أي (30%) من نفط العالم، بحسب "The World Factbook" .

لهذا يحتدم السباق بين القوى العالمية والإقليمية، على نيل موطئ قدم لها بالبحر الأحمر، رغم أن معظم الدول المطلة عليه عربية (مصر، السعودية، الأردن، السودان، اليمن، جيبوتي، الصومال) ما عدا إسرائيل وإريتريا.

وفي الوقت الذي تستضيف فيه "جيبوتي" قاعدة بحرية صينية، وتدخل روسيا على الخط في السودان، تستضيف جيبوتي قاعدة "ليمونير" الأميركية منذ 2001، والتي يتمركز فيها 4 آلاف جندي، ويستخدمها "البنتاغون" لتنفيذ عملياته ضد حركة "الشباب" بالصومال، وتنظيم "القاعدة" في اليمن، مقابل 38 مليون دولار سنويا.

فرنسا، هي الأخرى تملك قاعدة عسكرية بجيبوتي منذ نحو 100 عام، وهي الأقدم بالقارة السمراء، ويتمركز بها 900 عسكري، فيما أنشأت اليابان أول قاعدة لها خارج أراضيها بجيبوتي أيضا عام 2010، وأنشأت إيطاليا قاعدة لها بجيبوتي عام 2013.

تركيا، دخلت هي الأخرى مؤخرا سباق القواعد العسكرية بالبحر الأحمر، حيث أنشأت أكبر قاعدة عسكرية لها بالعالم في الصومال عام 2017، فيما تم الاتفاق بين أنقرة والخرطوم على إقامة قاعدة تركية في سواكن على البحر الأحمر.

وفي نفس السياق؛ تبني الإمارات قاعدة عسكرية لها بجزيرة "ميون" اليمنية قرب باب المندب، وفي فبراير/شباط 2020، وافقت جمهورية "أرض الصومال" على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية بمدينة "بربرة" بساحل خليج عدن، فيما تؤجر أبوظبي منذ 2015، ولمدة 30 عاما قاعدة عسكرية بميناء عصب بإرتيريا، حسب "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى".

وتتحدث تقارير صحفية عن وجود قواعد عسكرية لإيران وإسرائيل بجزر "أرخبيل دهلك" الإريترية، إلا أن الخارجية الإريترية نفت ذلك في أبريل/نيسان 2015.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2020، دشنت مصر قاعدة "برنيس" العسكرية كأكبر قاعدة عسكرية برية بحرية جوية لها في البحر الأحمر.

وفي تقديره لموقف الصراع الأميركي الروسي الصيني حول المضائق، قال الخبير المصري بالشؤون الإفريقية، مصطفى الجمال: "نحن أمام أزمة عالمية كبيرة، وخاصة بأميركا بعدما أصابت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي بخسائر كبيرة".

مدير مركز "البحوث العربية والإفريقية"، في حديثه لـ"الاستقلال"، يعتقد أن الصراع العالمي على المضائق والممرات المائية "لن يقود إلى حروب قادمة"، مشيرا إلى أن "الحروب بالمستقبل القريب ستكون على مكامن ومصادر الطاقة وخاصة اكتشافات الغاز والبترول بالبحرين الأحمر والأبيض".

وأضاف: "لا أظن أن العالم مقبل على حروب مباشرة بين القوى العظمى بسبب الممرات والمضائق أو غيرها، لأن هذا سيكون مدمرا للبشرية كلها، وأننا أمام حروب بالوكالة بهذه المناطق والممرات، والتهديد المتبادل بإقامة قواعد أو نشر قوات هنا وهناك".

وشدد الخبير المصري على أن "أزمة كورونا أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم الأول"، في إشارة إلى عدم قدرتها على تحمل حرب مدمرة.

صراع الأقوى

وفي رؤيته، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أشرف الصباغ، أن "تأكيد أميركا مساعيها للحفاظ على وجودها ونفوذها بالممرات المائية الإقليمية والدولية، لا يأتي ضمن ما يتم تصويره من صراع ضاري، ومواجهات محتملة بين واشنطن وخصومها الروس والصينيين".

وأوضح: "إنما يأتي ضمن إستراتيجية تأكيد قوتها، واستعادة صورتها التقليدية التي أضر بها وجود دونالد ترامب بالبيت الأبيض 4 سنوات".

"الصباغ"، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "أميركا أكبر قوة عسكرية واقتصادية وعلمية وتقنية بالعالم إلى الآن، وأكبر قوة مهيمنة على المضايق والمحيطات، سواء بقواها الذاتية أو بالتعاون مع حلفائها وشركائها".

وأضاف: أن "واشنطن ليست بحاجة لإعلانات وهمية ساخنة، وذلك مجرد تسخين من الإعلام الروسي وتحليلات ضعيفة وغير موثوق بها، لإعطاء طابع بأن موسكو موجودة في المحيطات وقادرة على منافسة أميركا، وهذه الإعلانات متعلقة بالداخل الروسي، لإقناعه بأن السلطة الحالية قوية، بل وتنافس وتصارع أكبر القوى العالمية".

الباحث في الشأن الروسي، يعتقد أن "موسكو تحاول من جهة أخرى، استخدام تركيا لدق المزيد من الأسافين، سواء بين أنقرة وواشنطن، أو بين أنقرة وبروكسل، أو بين أنقرة ودول الخليج والشرق الأوسط".

وتابع: "وبالتالي، نجد الكثير من الدعايات والأخبار الضعيفة حول التعاون البحري الروسي التركي، والمناورات البحرية الوهمية بين الطرفين، أو المناورات البحرية الروسية والمصرية التي ستعبر فيها السفن المصرية مضيق البوسفور رغما عن تركيا".

ويرى الصباغ، أنها "أخبار وتحليلات ضعيفة وساذجة، علما بأن هناك اتفاقيات ومعاهدات صارمة، تنظم مرور السفن الحربية للدول، عبر المضايق وفترات وجودها بالمياه الإقليمية أو الدولية، إضافة إلى أن روسيا نفسها أعلنت قدرتها على إيصال صواريخها من أراضيها إلى سوريا والمتوسط دون المرور عبر المضايق والبحار أو عبر أراضي دول أخرى".

الكاتب والمحلل السياسي المصري تساءل: "إذن فلماذا الآن كل هذه الأخبار والتحليلات الروسية عن الصراعات والمنافسات بالبحار والمضائق والممرات المائية؟".

وجزم بالقول: "لا توجد صراعات وحروب على الممرات المائية الإقليمية والدولية، ولن تلعب الممرات دورا بأي حروب مقبلة أكثر من دورها المعتاد، حتى لو تم تجميد المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالممرات البحرية بسبب الحرب".

وهذا لسبب بسيط، وهو أن "الدول التي تركز على تطوير أسلحتها، تقول: إنها قادرة على إيصال صواريخها من دون الحاجة لنقلها إلى أراضي دول أخرى"، بحسب الصباغ.

ويرى الصباغ، أن "الصراع داخل البحار والممرات المائية، أمر آخر له ظروفه وحيثياته، ولا علاقة له بحروب حالية أو مقبلة، وإنما بحسابات وترتيبات تتعلق بتحولات إقليمية اقتصادية وجيواقتصادية بالدرجة الأولى؛ ولكن روسيا تسعى بكل خطوة لعسكرة كل شيء، وإشاعة انطباعات قاتمة بالحروب والدماء والقصف والدمار".

وقال المحلل السياسي المصري: إن "إعلان أميركا يأتي في سياقات تتعلق بمصالحها حصرا، وإصلاح ما تم إفساده بوجود ترامب، واستعادة الثقة مع حلفائها وشركائها".

بينما الجانب الروسي "يضع تفسيرات متعجلة وغير دقيقة، لإشاعة فوضى إعلامية وإفساد الدور الحقيقي لتداول المعلومات والأخبار، ودق المزيد من الأسافين بين دول الشرق الأوسط، وهذه الدول وحلفائها الغربيين، ومعالجة الأوضاع الداخلية الروسية المتردية باستعراض العضلات والأسلحة ووسائل الدمار".

وأشار الصباغ إلى أن "روسيا تحاول التسلل عسكريا وبحريا إلى إفريقيا، ولشاطئ البحر الأحمر، لكنها فشلت في تدشين قاعدة أو مركز عسكري بجيبوتي، أسوة بدول كثيرة".

وأكد أن "هذا الأمر الذي دفع روسيا للتسلل إلى السودان، مستغلة مرحلة التحول السياسي في البلاد؛ ومع ذلك، فتصريحات موسكو حول القاعدة الروسية بالسودان لا تزال عند مستوى التصريحات".

وأوضح في ختام تصريحه لـ"الاستقلال" أنه "لو حدث توقيع مع السودان فإن الوجود العسكري الروسي سيتعزز لأول مرة بالبحر الأحمر، قبالة السعودية، وعلى تخوم قناة السويس ذات الأهمية الإستراتيجية للاقتصاد العالمي، فضلا عن تعزيز حضورها في شمال إفريقيا، ومنطقة الخليج، وقرب إيران".