صحيفة إيطالية: الاحتجاجات أسقطت "القناع الديمقراطي" لرئيس الجزائر

12

طباعة

مشاركة

خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطاب لطمأنة شعبه بعد أن أمضى أكثر من شهر في ألمانيا للخضوع للعلاج جراء الإصابة بعدوى "جائحة كوفيد-19".  

بالتالي لم يشهد تبون، "فشل" استفتاء الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، على التعديلات الدستورية (بلغت نسبة المشاركة 23.7 بالمئة) التي دفع إليها بشدة.

في غضون ذلك، أكدت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" الإيطالية أن الجزائر تعيش أزمة عميقة، تكشف عجز الطبقة الحاكمة عن اقتراح حلول ملموسة وكسب ثقة شعبها، بينما تتضاعف المواجهات والتهديدات على حدود البلاد.

أوضحت الصحيفة الإيطالية أن "الجزائر الجديدة" التي وعد الرئيس "تبون" في ديسمبر/كانون الأول 2019 ببنائها، لا تزال بعيدة كل البعد عن التحقق، لا سيما وأنه هو بنفسه من يتغيب عن المشهد في الوقت الحالي. 

وأشارت إلى أنه في 28 أكتوبر/تشرين الأول، نُقل الرئيس الجزائري إلى مستشفى ألماني بعد إصابته بفيروس كورونا. ومنذ ذلك الحين، كانت المعلومات الصادرة عن المكتب الصحفي للرئاسة المتعلقة بوضعه الصحي، نادرة ومتضاربة. 

وأكدت "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن الغياب المطول للرئيس، أدى إلى شل العديد من الإجراءات التي كان ينبغي للحكومة اتخاذها هذا الشهر. وعلى وجه الخصوص، لا تزال نتائج الاستفتاء الذي أجري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني والذي ضغط "تبون" بشدة من أجله، مجمدة مؤقتا. 

وعلى الرغم من التصويت بـ"نعم" على مشروع التعديل الدستوري بنسبة 66.8 بالمئة من الأصوات، يؤكد الامتناع القياسي عن التصويت بعد توجه 23.7 بالمئة فقط من السكان إلى صناديق الاقتراع، عدم ثقة الشعب في الحكومة الجديدة، بحسب الصحيفة الإيطالية. 

وفي ظل نشأة مسافة مادية وسياسية بين الرئيس وشعبه، من المرجح أن يؤدي انتشار الأزمات التي تشهدها الجزائر إلى تفاقم وضع حرج للغاية من نواح عديدة، اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، بحسب الصحيفة الإيطالية.

أزمة صحية واقتصادية

لفتت الصحيفة إلى أنه بينما يوجد الرئيس بعيدا عن البلاد، تواجه الجزائر توترات على الصعيدين السياسي والاقتصادي. كما ضربت الموجة الثانية من "فيروس كورونا" البلاد، وتسببت في ارتفاع أعداد الإصابات مجددا منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني.  

وتابعت الصحيفة "بأن الوضع الحرج في المستشفيات في شمال البلاد، أجبر السلطات على إعادة فرض حظر التجول، وسلسلة من القيود على الشركات منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني". 

وأضافت أنه "على ضوء التطورات الأخيرة، يشكل تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الوباء، سيناريو محتملا للغاية، خصوصا بعد أن أضرت الأزمة الصحية قطاع الطاقة، وهو مورد تعتمد عليه الدولة بشكل شبه كامل، مما تسبب في خسائر للشركات الحكومية تصل إلى مليار يورو".

لكن لا تبدو الإجراءات الاقتصادية الطارئة جزءا من أولويات الحكومة الحالية، وفق "إيل كافي جيوبوليتيكو".  

في الأشهر الأخيرة، ذكرت الصحيفة الإيطالية أن الرئيس الجزائري، رفض مرارا وتكرارا طلب الحصول على المساعدة المالية المخصصة للأزمة الاقتصادية الحالية من قبل صندوق النقد الدولي. 

وفي عدة مناسبات، كرر "تبون" أن تراكم الديون الخارجية يهدد السيادة الوطنية، مفضلا "الاقتراض من المواطنين الجزائريين بدلا من صندوق النقد أو البنك الدوليين". 

في الوقت الحالي، بفضل ديونها الخارجية المنخفضة، نوهت الصحيفة، بأنه يمكن للجزائر الحصول على قروض كافية من المؤسسات الدولية، لا سيما وأن المساعدات المالية تشكل الآن وسيلة التدخل الوحيدة القادرة على تجنب الانهيار الاقتصادي للبلاد.

 لكن عدم استعداد الحكومة لتقديم تنازلات يجعل تفاقم الأزمة الاقتصادية سيناريو محتملا للغاية.

خمول حكومي

بالنسبة لنظام مؤسسي مثل النظام الجزائري، الذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، يستوجب غياب "تبون" الإيقاف الكامل لأنشطة الحكومة. 

وبينما تواجه البلاد واحدة من أخطر الأزمات المنهجية في السنوات الأخيرة، تظل المؤسسات مجمدة بانتظار عودته.  وعلى الرغم من توفر الأدوات لحل هذا المأزق، تختار الدولة الخمول على ما يبدو. 

وألمحت الصحيفة أن الحكومة يمكنها أن تقرر تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تسمح بتعيين رئيس مؤقت، إذا كان رئيس الدولة غير قادر جسديا على أداء واجباته بعد مضي 45 يوما.

 لكن هناك صمت كبير من جانب الحكومة، مما يؤجج انعدام الثقة في النخبة السياسية، التي على الرغم من الوعود الصارخة بالتغيير في العام الماضي، لا تزال منغلقة داخل قصورها.

بالتالي، لا تسلط الديناميكيات السياسية الحالية الضوء فقط على النظام المؤسسي المختل، الذي يثقل كاهل الوضع في البلاد، ولكن أيضا على الأزمة السياسية العميقة التي لم تتمكن الإجراءات والمناورات التي جرت في العام 2019، من حلها والتغلب عليها. 

وبإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حاول "تبون" إخماد حركة الحراك من خلال اتباع عملية إصلاحات تدريجية، لكن الشك العام، الذي تم التعبير عنه في الاقتراع، أدى إلى فشلها. 

وختمت الصحيفة بالقول: "إن الإصلاح المقترح بدا مألوفا للكثيرين، ويشبه ما قام به "نظام بوتفليقة"، الذي تمكن من الاحتفاظ بالسلطة لمدة عشرين عاما، من خلال بناء واجهة ديمقراطية بذكاء دون إجراء تغييرات جوهرية".  

في المقابل، سقط قناع "تبون" الديمقراطي الآن، وترك مكانه، دولة يهددها الركود وشعب يواصل الاحتجاج، وفق الصحيفة الإيطالية.


المصادر