ما وراء القصيدة.. لماذا استنفرت إيران بعد أبيات أردوغان عن نهر آراس؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"فرقوا آراس.. عبؤوها رمالا .. لم أكن لأفترق عنك .. فرقونا بالقوة"، بيت من الشعر قرأه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء خطابه أمام الجيش الأذربيجاني في باكو يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، فاندلعت أزمة دبلوماسية كبرى بين طهران وأنقرة.

بيت الشعر كان جزءا من قصيدة للشاعر الأذربيجاني محمد إبراهيموف، تراها إيران دعوة انفصالية، كونها تتحدث عن أهمية نهر آراس للشعب الأذربيجاني، ويقطع النهر الحدود بين طهران وباكو، وتعيش على إحدى ضفتيه أقلية أذرية تركية في شمال إيران.

عقب الحفل، استدعت طهران السفير التركي لديها، ونقلت إليه احتجاجها الشديد، معتبرة أن ما تلاه أردوغان من شعر يستهدف سيادة إيران ووحدة أراضيها، ويعزز الميول الانفصالية لدى أبناء الأقلية الأذرية في إيران.

وكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، عبر تويتر: "لم يُخبر أردوغان أن القصيدة التي تلاها بشكل غير صحيح في باكو تتعلق بالفصل القسري لمناطق أرس الشمالية عن موطنها الأصلي إيران!"، وفق قوله.

وتساءل ظريف: "ألم يفهم أنه تحدث ضد سيادة جمهورية أذربيجان؟، لا أحد يستطيع أن يتحدث عن أذربيجاننا العزيزة"، وهي تصريحات لم تنل إعجاب الحكومة التركية التي سارعت إلى استنكارها.

استنكرت أنقرة رد فعل إيران واستدعت السفير الإيراني في أنقرة، وأبلغته احتجاجها ضد تصرف طهران الذي وصفته بـ"غير اللائق"، و"ادعاءات لا أساس له من الصحة"، على حد قول رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب.

ومع أن الأزمة تم احتواؤها في 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، بالتأكيد على أن البلدين حريصان على تعزيز العلاقة بينهما، إلا أنه كان من المثير للأهمية معرفة ما يقف وراء هذه القصيدة تاريخيا، ولماذا تسببت هذه الأبيات باستفزاز إيران واستنفارها دبلوماسيا؟.

حكاية التأسيس

لفهم مخاوف إيران يأخذنا الحديث إلى بداية تأسيس جمهورية أذربيجان الحديثة، وفي المقابل كيف أصبح الأذريون إحدى الأقليات التي تتشكل منها إيران اليوم.

كانت الجغرافيا الأذرية قبل تأسيس جمهورية أذربيجان الحديثة تحت السيادة الفارسية، وفي 1804 اندلعت حرب بين الإمبراطوريتين الروسية والفارسية، جراء السياسات التوسعية لهما.

أراد الملك الفارسي علي شاه قاجار ضم مملكتي كولخيس وأيبيريا (جورجيا الحديثة) لإمبراطوريته، غير أن القيصر الروسي ألكسندر الأول كان يملك من القوة ما يستعين بها على ردع السياسة التوسعية الفارسية.

استمرت الحرب الروسية الفارسية حتى تمكن الإمبراطور الروسي عام 1813 من انتزاع (جورجيا) وأجزاء من أذربيجان وأرمينيا من قبضة الفرس بالقوة، ثم وقع الطرفان معاهدة "كلستان"، نسبة إلى قرية تقع في محافظة "جورانبوي" الأذرية، وقضت بسيادة الروس على الأراضي التي سلبوها من الإمبراطورية الفارسية.

لم تهدأ الأمور، وعادت للتوتر نتيجة شعور الفرس بالهزيمة التي لحقت بهم، فاندلعت حرب أخرى بين الإمبراطوريتين واستمرت عامين، أي منذ 1826 وحتى 1828، وأسفرت هي الأخرى عن هزيمة الفرس، فتم توقيع معاهدة "تركمانجاي" عام 1828، وسلخت آخر أراضي القوقاز عن إيران.

فقدت إيران، جراء تلك المعاهدة، الأراضي الواقعة في جنوب وشمال القوقاز، بما فيها جورجيا وداغستان وأرمينيا بشكل كامل، باستثناء الأجزاء الجنوبية من أذربيجان حيث يقع الجزء الجنوبي من نهر آراس حاليا.

أصبح الجزء الشمالي من أذربيجان جزءا من الإمبراطورية الروسية حتى انهيارها خلال الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914، عقب ذلك أعلنت أذربيجان في مايو/أيار 1918 استقلالها باسم "جمهورية أذربيجان الديمقراطية".

 غير أن استقلالها لم يكمل العامين، حيث قام الجيش الأحمر السوفيتي البلشفي في أبريل/نيسان 1920 بغزو أذربيجان وضمها للاتحاد السوفيتي وسماها جمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية.

وظلت بذلك، أذربيجان (الشمالية) تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي حتى تفككه عام 1991، وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1991، أعلن المجلس الأعلى لأذربيجان استقلالها رسميا.

أذر إيران

بالنسبة لمنطقة جنوب أذربيجان، فقد ظلت جزءا من الإمبراطورية الفارسية التي تحول اسمها عام 1935 إلى "إيران"، بطلب من حاكمها آنذاك رضا شاه بهلوي.

وشكلت العرقية الأذرية جزءا مهما من النسيج الديمغرافي في الجمهورية الإسلامية، حيث يستوطن الأذر المحافظات في شمال غرب إيران، كمحافظة أردبيل وزنجان وتبريز وآذر، ومحافظات أخرى متفرقة مثل كردستان وقزوين وهمدان وغيلان ومركزي، وعلى نحو أقل في طهران وكرج.

ويتراوح عددهم بين 12 و19 مليون نسمة أي ما يعادل 16 إلى 25 % من إجمالي سكان إيران، في حين يقدر البعض عددهم الحقيقي بنحو 40%، ويسمون بـ"الترك الإيرانيين"، أي الناطقين بالتركية في إيران، ويعتنقون المذهب الشيعي مع وجود أقلية سنية، وينحدر منهم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي.

في مقال للكاتب التركي كورشاد زورلو على صحيفة "خبر ترك" يقول فيه: "لا تكشف إيران عن نتائج التعداد بشكل كامل، إلا أن وزير خارجيتها الأسبق علي أكبر صالحي صرح عام 2014، أن 40٪ من سكان البلاد هم من الأتراك (العرقية الأذرية الناطقة بالتركية)، حتى أن التركية هي اللغة المتداولة بشكل كبير في بعض المدن".

وتعد مدينة "تبريز" المكان الذي يضم أعلى نسبة من السكان الأتراك في العالم، بعد مدينة إسطنبول، وفق الكاتب.

أما نهر آراس المذكور في القصيدة التي ألقاها أردوغان،  فينبع من محافظة أرضروم في تركيا ويمر عبر أرمينيا وأذربيجان ويصب في بحر قزوين في إيران، ويعد من أطول أنهار القوقاز حيث يبلغ طوله 1072 كيلو مترا.

كان مصب النهر أو رأسه الجنوبي يتبع جغرافيا أذربيجان التي سيطر عليها الفرس قبل تأسيس جمهورية أذربيجان الحديثة، لهذا فقد قصد الشاعر أنهم فرقوا نهر آراس، حيث كان الجزء الذي يتبع أذربيجان أصبح مقسما بين أذربيجان وإيران.

القصيدة التي نسج أبياتها شاعر من أذر إيران، تعد "واحدة من رموز الانفصاليين الأتراك"، وفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا" التي أضافت أن الشاعر يتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن التاسع عشر، وعن الفصل القسري بين الأذريين الذين ينحدرون من قومية واحدة ويتحدثون لغة واحدة ويعيشون معا على ضفتي النهر.

مطالب انفصالية

ورغم اندلاع أزمة وحديث البعض بأن أردوغان كان قد تعمد إرسال تلك الإشارة لإيران، على خلفية موقفها السياسي الداعم لأرمينيا ضد أذربيجان، إلا أن أنقرة تؤكد أن ما حصل "سوء فهم".

أنقرة أوضحت أن أردوغان لم يقصد "أذر إيران" بتلك القصيدة، وأنه كان يشير في حديثه إلى مدينة "لاتشين" و"كاراباخ" اللتين تم تحريرهما مؤخرا من قبضة الانفصاليين الأرمن.

ومع أن باكو لا تطالب طهران بهذه المساحة الجغرافية التي تعترف بها الأمم المتحدة كأرض إيرانية، إلا أن القصيدة التي ألقاها أردوغان أثارت خوف إيران من أن تحيي مطالب انفصالية من قبل الأقلية الأذرية لديها.

في مقاله بصحيفة "خبر ترك" يقول الكاتب التركي "كورشاد زورلو": "القضية ليست عبارة عن قراءة شعر.. وبالطبع تركيا لا تملك أية مطامع في أراضي إيران، بل إن القضية تتعلق بالمكان الذي تمت فيه قراءة الشعر، والأحداث التي كانت سببا في قراءته، وضرورة التمركز المسبق ضد ما قد يحدث في المنطقة في هذا الاتجاه".

وأضاف: "رغبت إيران أن تكون أرمينيا مرتبطة بها، لتقف كحاجز في منتصف خط أنقرة -ناخجوان-باكو، وكانت ترى أن استمرار أزمة قره باغ ضرورية لأجل مصالحها، غير أن وتيرة تقدم أذربيجان قد تسارعت واستطاعت أخذ بوابة "أغبيند" الحدودية، لينقطع الدعم اللوجستي المقدم من إيران للمنطقة المحتلة تماما".

وعلل زورلو ذلك الأمر بأن طهران رغبت بأن تظل باكو غارقة بمشاكلها مع أرمينيا، ولا تنصرف يوما من الأيام للأتراك الأذر الموجودين لديها، قائلا: "ذلك حدث حتى لا تتطور أذربيجان إلى موقف تتمكن فيه من أن تحول تركيزها على الأتراك (الأذر) الموجودين في إيران".