ليس التسلح وحده.. هذه الأسباب وراء العقوبات الأميركية على تركيا

12

طباعة

مشاركة

من غير المتوقع أن تثني العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على هيئة الصناعات الدفاع التركية، أنقرة عن الاستمرار في حملة تطوير التكنولوجيا المحلية.

إلا أن هذه العقوبات تبدو "حسب وكالة الأناضول" غير مستدامة، كونها تأتي في سياق إستراتيجية واشنطن لـ "التنافس بين القوى العظمى".

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات كلا من رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية بالرئاسة التركية إسماعيل دمير، ومسؤولي المؤسسة مصطفى ألبر دنيز، وسرحات غانتش أوغلو، وفاروق ييغيت، بحجة شراء تركيا منظومة إس 400 الدفاعية الروسية.

وفرضت واشنطن العقوبات على تركيا، وفق قانون معاقبة الدول المتعاونة مع خصوم الولايات المتحدة المعروف بـ"كاتسا" (CAATSA)، الذي جرى تمريره في يوليو/تموز 2017، ووقعه الرئيس دونالد ترامب، ليدخل حيز التنفيذ في 2018.

ورقة ضغط

ونشرت وكالة الأناضول التركية مقالا للكاتبين "إسلام دوغرو وقاسم إيليري" قالا فيه: إن تمسك الولايات المتحدة بـ "العقوبات" بإصرار، يحمل إلى تركيا رسالة مفادها أن "اقطعي علاقتك مع روسيا".

 إذ إنه وبعد صدور القرار، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: "عملت تركيا على الرغم من تحذيرنا، على شراء أنظمة إس 400 من روسيا، وواصلت عملياتها التجريبية. لن نتسامح مع صفقات كبيرة مع قطاع الدفاع الروسي".

نتيجة لذلك تم حظر منح تراخيص وتصاريح تصدير منتجات وتقنيات الولايات المتحدة إلى رئاسة صناعات الدفاع التركية، كما تم منعها من اقتراض أكثر من 10 ملايين دولار من المؤسسات المالية الأميركية ذات أجل استحقاق 12 شهرا. 

كما ذكر أنه سيتم منع رئاسة صناعات الدفاع التركية من الاقتراض من المؤسسة المالية الدولية، ولن يُسمح لمسؤوليها الذين تم الإعلان عن أسمائهم، بدخول الولايات المتحدة.

وتابع المقال قائلا: "والآن تنتظر واشنطن لترى هل ستعود تركيا للغرب أم لا؟ هذه هي مشكلتهم الرئيسة. إن أنقرة تستمر في طريقها بإصرار، فلو لم تعد فستزداد حجم الفجوة بشكل كبير جدا".

 وينتظر كل من المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أن تتخذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى. وفي اللحظة التي ترفع فيها واشنطن الوتيرة، ستأخذ العقوبات مكانها على المسرح في أوروبا، وفق المقال.

ويرى أن "أنقرة مستعدة لذلك أيضا، لكن إذا تطور الوضع على هذا النحو، يجب أن يأتي الدعم من خط لندن - الدوحة - بكين".

 من ناحية أخرى يعتقد أنه "يجب مراقبة أوروبا بعناية، كما سننتظر لنرى متى ستعتلي جوقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي أعلنها الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، المسرح".

فهم لا يرغبون -بالتأكيد- بالتحالف الذي يبدأ من الصين، مرورا بروسيا وإيران وتركيا أن يصل إلى الشرق الأوسط ومنه إلى إفريقيا، بحسب المقال.

لكن من المثير للفضول، معرفة خلفية هذه العقوبات المفروضة بموجب قانون "كاتسا"، وعملية تنفيذها وتأثيرها على مسار العلاقات التركية الأميركية.

قانون كاتسا

ووفقا للمقال، لطالما صنفت الولايات المتحدة الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية كدول تشكل تهديدا لأمنها القومي. ومع ذلك، فإن قانون "كاتسا"، لا يذكر الصين كعدو، ولكنه يشمل عقوبات ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية فقط.

ويتضمن القسم الثاني من القانون، الذي يستهدف شركات الدفاع ووكالات الاستخبارات في هذه الدول، العقوبات على روسيا. كما تنص المادة 231 من القانون المكون من 3364 صفحة في الجزء المتعلق بموسكو، على فرض عقوبات على قطاع الدفاع والاستخبارات الروسي، والأشخاص والمؤسسات التي تجري "معاملات مالية مهمة".

أردف الكاتبان: وهذه العقوبات، والتي تعرف أيضا باسم "العقوبات الثانوية" في قانون مكافحة الإرهاب، والتي تم اعتمادها في الكونغرس الأميركي في 2 أغسطس/آب 2017، مدرجة على النحو التالي:

 وقْف الدعم المصرفي للواردات والصادرات، للأفراد والمؤسسات المشمولين بالعقوبات، عدم إصدار ترخيص تصدير منتج أو تكنولوجيا، منع الاقتراض من المؤسسات المالية الأميركية ونظيرتها الدولية.

وأيضا بموجب القانون، لا يسمح للمؤسسات المالية بالتسوق مباشرة مع الاحتياطي الفيدرالي، عدم إجراء مناقصات أو عقود مع أشخاص أو مؤسسات مشمولة بالعقوبات، منع التعامل بالعملة الأجنبية، ومنع المدفوعات أو التحويلات الائتمانية بين المؤسسات المالية والبنوك.

ومنها أيضا: حظر الأفراد أو المؤسسات الخاضعة للعقوبة من تملك العقارات في الولايات المتحدة، حظر تبادل رأس المال أو الديون من الأشخاص أو المؤسسات الخاضعة لعقوبات من قبل الأفراد والمؤسسات الأميركية، وحظر دخول الولايات المتحدة للأشخاص المشمولين بالعقوبات.

يفرض القانون أيضا، عقوبات على كبار المسؤولين الذين لهم وظائف مماثلة للأشخاص والمؤسسات المشمولين بالعقوبات. ووفقا للمادة ذات الصلة من القانون، فإن رئيس الولايات المتحدة ملزم باختيار وتنفيذ ما لا يقل عن 5 من هذه المواد الاثني عشر.

حليف الناتو

ويعتبر الكاتبان "إيليري ودوغرو" أن هذا القانون يشكل خطرا ليس فقط على أنقرة، بل على الدول الأوروبية المتعاونة مع روسيا، في خطوط أنابيب الطاقة إلى تركيا خاصة ألمانيا والنمسا. 

كما تعتبر إندونيسيا، التي أبرمت صفقة بقيمة 5.48 مليارات دولار من نظام إس 400 مع روسيا، وتتعاون مع موسكو في مجال الدفاع، مدرجة أيضا في قائمة الدول المتوقع أن تخضع لعقوبات قانون "كاتسا". 

وتابع المقال: "ومع ذلك، فإن هذه العقوبات بموجب قانون كاتسا سجلت في التاريخ، كأول مرة يتم فيها تطبيقها بجانب تطبيقها للمرة الأولى أيضا على دولة في حلف الناتو مثل تركيا".

لكن لم يكن من الممكن فرض العقوبات على تركيا مباشرة بموجب هذا القانون. فقد كان من المفترض أن يشير الكونغرس الأميركي على أمور أو اتفاقات بعينها أبرمتها أنقرة يجعلها تدخل في نطاق هذا القانون.

وشرح الكاتبان ذلك بالقول: "ظهرت نية تركيا في شراء إس 400 من روسيا على جدول أعمال الكونغرس الأميركي لأول مرة في عام 2018، وطلب الأخير من وزارة الدفاع تقريرا بهذا الشأن".

جرى تقديم تقرير الوزارة إلى الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقد ذكر فيه أن شراء تركيا للمنظومة مؤكد، وأنه سيكون لهذا تأثير سلبي لا يمكن تجنبه على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، وعلى دور أنقرة في حلف الناتو.

وهكذا قيد الكونغرس، بموجب قانون NDAA الخاص بميزانية الدفاع لعام 2019، تصدير طائرات إف 35 لتركيا. 

وتم وصف تسلم أنقرة لأنظمة إس 400 في شهر يوليو/تموز 2019، من قطاع الدفاع والاستخبارات الروسي بأنها "معاملات مالية مهمة" في قانون NDAA بشأن الميزانية لعام 2020، وطالب الكونغرس بفرض خمس عقوبات على تركيا بموجب قانون "كاتسا" خلال 180 يوما على الأقل، بحسب الكاتبين التركيين.

وبموجب قانون كاتسا، نشرت وزارة الخارجية الأميركية قائمة شركات الدفاع والاستخبارات الروسية التي تم فرض عقوبات عليها في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017، واحتلت شركة "Almaz-Antey Air and Space Defense Company"، التي تنتج أنظمة إس 400 المرتبة الثانية في القائمة. 

ويرى "إيليري ودوغرو" أن خطر عقوبات قانون كاتسا كان بمثابة "سيف ديموقليس" (سيف الملك المستبد ديونيسوس الثاني الذي حكم سرقوسة الإيطالية في القرن الرابع قبل الميلاد) بالنسبة للعلاقات التركية الأميركية.

في مواجهة الكونغرس

 وقد كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أكد عند توقيعه على قانون "كاتسا"، على وجود أخطاء فادحة في هذا القانون، لكن لم يكن أمامه خيار سوى التوقيع عليه، حيث أقر الكونغرس القانون بأغلبية كبيرة جدا.

ونوه الكاتبان إلى أنه وخلافا للنظام الأساسي في واشنطن، أدلى ترامب بتصريحات تدعم الموقف التركي في قضية شراء إس 400، وعلق العقوبات ضد أنقرة بموجب قانون كاتسا على الرغم من ضغوط الكونغرس.

لدرجة أن ترامب صرح في قمة مجموعة العشرين في اليابان في يونيو/حزيران 2019، أن فشل سلفه باراك أوباما في بيع صواريخ "باتريوت" لم يترك لأنقرة أي خيار آخر، وأعلن دعمه للرئيس رجب طيب أردوغان.

ولكن خلال كل هذا، كان الكونغرس قد استهدف تركيا، خاصة بعد موقفها الحازم في إجراء العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابية في شمال سوريا، وفي نقاشات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط.

 كما كان موقف تركيا الداعم لصراع أذربيجان لاستعادة أراضيها المحتلة لما يقرب من 30 عاما من قبل أرمينيا، مزعجا للغاية بالنسبة لواشنطن. كما يقول الكاتبان.

واستطرد الكاتبان: "لقد قام ترامب الذي سيسلم الرئاسة لبايدن في الحفل الذي سيعقد في 20 يناير/كانون الثاني، بفرض عقوبات على تركيا بناء على قانون NDAA 2020، قبل أن يتم التوقيع على قانون NDAA لعام 2021".

وهكذا سحب ترامب من بايدن ورقة مهمة يمكن استخدامها ضد تركيا قبل مغادرة مقعده في البيت الأبيض. 

فلو تركت العقوبات لبايدن، الذي تحيط بسياسته تجاه المنطقة في الفترة الجديدة علامة استفهام كبيرة، فإن طريقة تطبيقها أو الخيارات المتاحة ستكون غير مؤكدة، كما يرى الكاتبان.

وأضافا: "من ناحية أخرى تصعب خطوة ترامب هذه، جدا على الكونغرس حاليا وعلى بايدن بعد تولي منصبه فرض عقوبات أخرى على تركيا، كما تفسح مجالا يمكّن أنقرة فيها أن تتفاوض مع بايدن لرفع هذه العقوبات".

ونوها قائلين: "لذلك، وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه القول: إن العلاقات بين البلدين ستتضرر بشكل خطير من جراء هذه العقوبات، فإن هذه العملية مهمة من حيث اختفاء تهديد "كاتسا"، وخلق أرضية لصفقة جديدة بين أنقرة وواشنطن".

ولفتا إلى أن فرض القيود على التعاون الدفاعي مع دولة مثل تركيا بالنسبة لدولة مثل الولايات المتحدة، تستعد لمنافسة القوى الكبرى وتعتبر الصين وروسيا تهديدا عليها في ملفات إستراتيجية الأمن القومي والدفاع، لا يمكن أن تكون مستدامة على المدى الطويل.

واختتم الكاتبان التركيان مقالهما بالإشارة إلى مدى تأثر تركيا بالعقوبات قائلين: "إن أبعاد الآثار المترتبة على هذه العقوبات على المدى القصير، سوف تكشف عن المدى الذي وصلت إليه صناعة الدفاع التركية في بلوغ اكتفائها الذاتي". 

ومع ذلك، فإن آثار هذه العقوبات على المدى الطويل لن تثني تركيا عن عزمها وتصميمها وإصرارها في ملف تكنولوجيا الدفاع الوطني.

وأضافا: "إن قيام الكونغرس الأميركي بفرض العقوبات على نطاق صغير كحظر بيع الذخائر الذكية، سيوفر مساحة لإنتاج نظرائها محليا، كما سيوفر إمكانية لزيادة جهود أنقرة في مجال تكنولوجيا الدفاع الوطني، بدلا من أن يجعلها تتراجع في حملتها هذه".