واجه رافضي التطبيع بعنف.. كيف أصبح المغرب يضيق برأي معارضيه؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتقادات يواجهها المغرب داخليا، بعد قمعه للمظاهرات والوقفات الاحتجاجية المناهضة لإعلان الرباط استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.

بعد هذا الإعلان بأربعة أيام، حدث إنزال أمني لم تشهده شوارع العاصمة الرباط حتى أيام حراك 20 فبراير/شباط 2011، لمنع احتجاج شعبي كان يعتزم مناهضو التطبيع تنظيمه رفضا لإعلان عودة العلاقات.

ولجأت السلطات لاستعمال العنف قبل انطلاق الوقفة الاحتجاجية، بالمقابل سمحت قبلها بيوم واحد فقط بتنفيذ مظاهرة داعمة للإعلان، ما أثار غضبا لهذه الازدواجية في التعامل.

أما منصات التواصل الاجتماعي فتشهد "حربا ضروسا" بحق كل المناهضين للتطبيع، لم تسلم منه لا الهيئات ولا الشخصيات، ما يطرح سؤالا لدى المتابعين، هل أصبح المغرب يضيق برأي معارضيه؟.

قمع ممنهج

في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، بدا المشهد صادما بالعاصمة الرباط، الأجهزة الأمنية بمختلف تنوعاتها تحيط بشخصين طاعنين في السن، وترفض أن يتحدثا لوسائل الإعلام، مع محاولة إبعادهما بالقوة عن محيط مقر البرلمان.

هذان الشخصان لم يكونا إلا الناشط اليهودي المغربي الرافض للتطبيع، "سيون أسيدون" (72 عاما)، إلى جانب نقيب المحامين الأسبق والناشط الحقوقي، عبد الرحمن بنعمرو (87 عاما).

كما طوق الأمن محيط البرلمان من جميع الاتجاهات، ومنع مرور الأشخاص ناحية المؤسسة التشريعية في شارع محمد الخامس الشهير، وإغلاق الأبواب الرئيسية لمحطة القطار "الرباط المدينة" المجاورة للبرلمان.

هذه المشاهد أثارت غضبا وانتقادا على منصات التواصل الاجتماعي، مستغربة من هذا "الإنزال" غير الطبيعي، لـ"خنق" وقفة سلمية ضد التطبيع على منوال تظاهرة داعمة للقرار.

وفي السياق، قال عضو الأمانة العامة لجماعة "العدل والإحسان"، حسن بناجح: "النظام المغربي يضيق بحرية التعبير ويمنع وقفة لمن يخالفه الرأي، في الوقت الذي يفتح فيه الأحضان للصهيوني القاتل المجرم".

واعتبر في في حديث مع "الاستقلال"، أن السلطات بقمعها للاحتجاج "تدرك أن الرأي الشعبي العام ضد خطوة التطبيع، لما عرف عن الشعب المغربي مساندته الدائمة لفلسطين ورفضه المطلق للتطبيع، والمسيرات المليونية في ساحات الرباط سابقا شاهدة على هذا الأمر".

وأضاف: أن "النظام المغربي يتخوف من الرأي المعارض لقرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا كاف للدلالة على تفنيد ادعائه أن قراره يلقى تأييدا شعبيا، ولو كان الأمر كذلك لما خشي من أن يعبر معارضو التطبيع، خصوصا أن تعبيراتهم سلمية".

وتابع: "فلننظر الآن للشراسة التي يتعامل بها النظام مع حرية التعبير في الساحات، ناهيك عن أنه يغلق وسائل الإعلام الرسمية أمام الرأي الآخر ويفتحها فقط للرأي المساند لقراره، وهذا يدل أن قرار التطبيع هش وضعيف".

وأكد بناجح أن الدولة "تدرك أن قرار التطبيع يطعن الشعب في كرامته وفي وفائه للقضية الفلسطينية على مر التاريخ، وتعرف أنها بهذا القرار أحدثت جرحا غائرا في كرامة الشعب، ولن يقبل الشعب به". 

بدوره، اعتبر الناشط الحقوقي أحمد عصيد، أن "سلوك السلطات المغربية في منع وقفة معارضة لقرار استئناف العلاقات مع إسرائيل، يعد خرقا سافرا للدستور ولالتزامات الدولة، واعتداء على حق مواطنين في التعبير عن رأيهم".

وكتب عصيد، عبر صفحته بفيسبوك، أن "السلطات المغربية سمحت لمواطنين بالتظاهر أمام البرلمان لمساندة موقفها وسياستها في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لكنها بعد يوم واحد منعت مواطنين آخرين قاموا بوقفة رمزية لمعارضة سياسة الدولة في نفس الموضوع".

وشدد على أن "دور الدولة ليس رعاية من يحابيها وقهر من يعارضها، بل حماية جميع مواطنيها ورعاية حقوقهم الأساسية وأولها حقهم في الاختلاف سواء فيما بينهم أو مع القرارات الرسمية".

وأوضح عصيد أن "انقسام المجتمع بين مؤيد لموقف السلطة ومعارض لها هو خاصية جميع دول العالم، ولا يوجد إجماع في السياسة لأن ما يطبعها هو الاختلاف والخلاف، والذين يريدون إجماعا يعبرون عن نزعة فاشيستية عليهم محاربتها في نفوسهم".

ضد الشعب

بعد أن تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ذلك المشهد اللافت بالرباط، وقبله مشاهد أخرى لتفريق الأمن وقفات مناهضة للتطبيع في عدة مدن، دعا حزب "الأصالة والمعاصرة" (مقرب من السلطة) إلى مقاضاة المشككين في قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بمغربية إقليم الصحراء (تزامن مع إعلان التطبيع).

وفي كلمته باسم كتلة الحزب بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، قال العربي المحرشي: "نطلب فتح تحقيق مع مجموعة من الناس، منهم من أصدر بيانات ومن كتب على مواقع التواصل، ومنهم من شكك وذهب بعيدا وقال بأن الرئيس الأميركي الذي سيأتي مستقبلا (بايدن) سيلغي قرار الأول (ترامب)".

وتابع المحرشي: "نذكركم بخطاب الملك محمد السادس عام 2014، الذي جاء فيه: أي شخص إما أن يكون وطنيا أو خائنا فليس هناك مرتبة وسطى بين الوطنية والخيانة، كما أنه ليس هناك درجات في الوطنية ولا في الخيانة، فإما أن يكون وطنيا أو خائنا".

الباحث الحقوقي عزيز إدامين، وصف كلمة المحرشي بـ"الموقف غير المشرف والمخزي، ويحسب عليه ولا يحسب له"، واعتبر أن "الأصالة والمعاصرة استغل خطاب الملك لينعت أي شخص له موقف مغاير أو يناقش أمورا في العلاقات الدولية أو القيمة القانونية للإعلانات الرئاسية الأميركية، بكونه خائنا لوطنه".

وقال إدامين في تدوينة على فيسبوك: "ما كنت أهتم لأمر هذا التصريح لو جاء في فضاء آخر، لكون السياسة أصبحت عبثية في المغرب، لكن أن يتم ذلك في جلسة دستورية وفي مؤسسة دستورية، فهو العيب بعينه، إنها كلمة غير مشرفة نهائيا، فمن حق أي مغربي أن ينتقد ويعبر عن رأيه كما يشاء، وليس ضروريا أن يطبل للدولة حتى يكون وطنيا".

بدوره، قال بناجح: "إذا كان هناك من يقول بذلك (مقاضاة المشككين)، فهذا انحطاط وتخلف وجر البلاد إلى الهاوية، لأنه مهما كان الرأي المخالف، مادام رأيا سلميا ولا يتوسل بأدوات العنف، فلماذا نضيق به ونطالب بمثل هذه المطالب الزجرية في حقه".

وأضاف: "إذا وجدت مثل هذه المطالب، فهذا أكبر دليل على أن هذه فعلا دولة بوليسية، بل هذا أكبر دليل عن كيف تنشأ المشاكل الكبرى المهددة للبلد، هذه كارثة حقيقية إن وجد بيننا من لا زال عنده مثل هذا التفكير الديكتاتوري وهذه الأفكار الهدامة التي لا تريد إلا سيادة صوت واحد بدون أي معقب عليه".

سقف يتقلص

مباشرة، بعد إصدار عدة هيئات وقوى مدنية بيانات تنتقد قرار التطبيع، "استلت" حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي "خناجرها الإلكترونية"، لتخوين المناهضين للتطبيع والتشكيك في وطنيتهم، رغم أن هذه الهيئات كانت سباقة خلال مسارها السياسي والاجتماعي لتنظيم مسيرات وطنية داعمة للصحراء ومناهضة للتطبيع.

وقال الصحفي إسماعيل عزام، عبر صفحته بفيسبوك: "صراحة كمية المعارك والتخوين في فيسبوك هذه الأيام كبيرة جدا، الشخص يجب أن يدخل للفيسبوك بخوذة لحماية نفسه!".

من جانبه، أكد الصحفي يونس مسكين أن "الدول التي تمرر قراراتها بقهر وإذلال شعوبها، تفتح الباب أمام تجرؤ الحيتان الدولية عليها، لكونها تصبح فاقدة، أو ناقصة، الشرعية والسند الداخلي".

وشدد في تدوينة على فيسبوك، أن "من حق المغربي أن يكون مع قضية الصحراء وضد التطبيع وضد ربط هذا بذلك.. ولا يجعله هذا أقل وطنية من مخالفيه".

البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، تساءلت "ماذا كان يضر المغرب لو تم السماح لمجموعة من النشطاء بالاحتجاج السلمي والمشروع للتعبير عن موقف؟".

وأضافت في منشور على فيسبوك: "بقدر ما يكسب المغرب نقطا في قضية الصحراء، بقدر ما يحتاج إلى ترسيخ صورة البلد الديمقراطي أمام الآخرين، لأن مصداقية النموذج هي ما يمنح اسم المغرب إشعاعه للاستمرار في كسب نقاط جديدة".

وتابعت: "رغم كل الإكراهات والنقائص التي يعيشها نموذجنا، ورغم صعوبة المرحلة التي نمر منها، لا يجب أن ننسى أن لنا دستورا وقوانين وحقوق وحريات يجب أن ندافع عنها في السراء والضراء".

وأوضحت ماء العينين أنه "في كل الدول الديمقراطية، يعلم الناس شعوبا وأنظمة، أنه لا قرار في الكون يحظى بالإجماع، لأن الإجماع مخالف لطبيعة التجمع البشري، إلا إذا كان إجماعا قسريا مفروضا بالقهر، ونحن لسنا في حاجة إليه".

وأكدت: "بالنسبة لي، حق مناهضي التطبيع في الاحتجاج حق مكفول، وحق مدعمي التطبيع كذلك مكفول، ما دام الجميع يحترم القانون ويلتزم بالمشروعية".

من جهته، قال بناجح: "سقف الحرية في المغرب أصلا منخفض، ومع التطبيع وأسلوب التعامل مع معارضي القرار، هو فقط زاد الطين بلة، وكشف حتى لمن كان يحتاج إلى تأكيد أن الدولة لا تقبل بحرية التعبير، وتريد مجتمعا تابعا ورعايا لا مواطنين كاملي المواطنة".

وأضاف: "كيف يريد للشعب أن يصمت والقرار يتعلق بقرار مصيري، لا يمكن أن تقدم عليه شعوب حرة، أن تقايض أرضا بأرض، وأن تقايض قضية عادلة بالإجهاز على قضية أخرى عادلة".

وتابع: "قضية صحرائنا المغربية عادلة، والقرارات الداعمة لها لا يمكن لأي شخص إلا أن ينشرح لها، لكن لا يجب أن تكون على حساب أم القضايا العادلة في العالم (فلسطين)".

وختم "بناجح" تصريحه لـ"الاستقلال" بالقول: "ما حدث يكشف حقيقة وكنه واقع حقوق الإنسان في المغرب، وكما يقال إن قيمة الحرية ليس في منحها لمن يوافقك، لكن قيمة الحرية في كونها فعلا حرية أن تعطى للمعارض".