تحقيقات مرفأ بيروت.. لماذا اتهمت دياب وتجاهلت مسؤولين آخرين؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أربعة أشهر على الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت، فجر القاضي المكلف بالتحقيق في القضية فادي صوان الساحة السياسية اللبنانية مرة أخرى بإعلانه توجيه اتهامات إلى رئيس الوزراء المؤقت حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بالإهمال الجنائي في القضية. 

وخلّف انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020 نحو 200 قتيل وأكثر من 6 آلاف جريح بالإضافة إلى خسائر مادية بمليارات الدولارات. 

وجاءت اتهامات صوان لدياب وكل من وزير المالية السابق علي حسن خليل (2014 - 2020)، ووزيري الأشغال السابقين غازي زعيتر (2014 - 2016)، ويوسف فنيانوس (2016 - 2020)، ومدير عام أمن الدولة طوني صليبا. 

وينتمي كل من خليل وزعيتر إلى حركة أمل، في حين ينتمي فنيانوس إلى تيار المردة. والتياران متحالفان مع حزب الله الشيعي.

وترى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن لائحة الاتهام الصادرة بحق دياب والوزراء الثلاثة تمثل أول خطوة مهمة في تحقيق فشل حتى الآن في توفير المساءلة عن أحد أكبر التفجيرات غير النووية في التاريخ. 

وأشارت الصحيفة في 10 ديسمبر/ كانون الأول، إلى الانتقادات التي وجهت للقرار وقالت إنها تلقي باللوم بشكل غير عادل على كارثة يراها الكثيرون تتويجا لسنوات من الحكم السيئ من قبل النخبة الحاكمة بأكملها وليس فردا واحدا. 

ودخلت النترات إلى ميناء بيروت في أواخر عام 2013 في عهد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وتداول المنصب بعده كل من تمام سلام في 2014 ثم سعد الحريري في نهاية 2016 ثم حسان دياب في نهاية 2019. 

رفض سياسي

قال صوان: إنه سيسعى لاستجواب دياب كمتهم في القضية، كما دعا الوزراء الثلاثة السابقين لاستجوابهم كمتهمين أيضا، رغم استجوابه لهم في السابق ولكن بصفتهم شهودا وليسوا متهمين.

لم ينتظر دياب كثيرا للرد على اتهامات صوان كما أنه لم يمتثل للتحقيق أمامه ورفض ذلك بحجة أن الأخير انتهك الدستور بتجاوزه دور مجلس النواب اللبناني الذي لديه محكمة متخصصة لمحاكمة كبار المسؤولين. 

ويأتي قرار صوان بعد أسبوعين من رسالة أرسلها إلى مجلس النواب اللبناني أشار فيها إلى "شكوك جدية تتعلق ببعض المسؤولين الحكوميين" وتورطهم في الانفجار، بحسب بيان صادر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن مجلس كبار القضاة الذي عين صوان للتحقيق في القضية.

ونقلت النسخة الإنجليزية من موقع الجزيرة نت تصريحات عن مصدر لبناني قال فيها: إن صوان حاول إقناع البرلمان بتحري المسؤولية السياسية للوزراء لكنهم رفضوا المضي في هذه الخطوة، وهو ما دفعه إلى توجيه التهم مباشرة.

وأوضح المصدر أن قرار محاكمة دياب والوزراء الثلاثة السابقين يستند إلى مراسلات مكتوبة تم التحقق منها، مرسلة إليهم، تحذر المسؤولين من نحو 3000 طن من المواد المتفجرة في ميناء بيروت.

كما رفض باقي المدعى عليهم الاتهامات أو المثول أمام القاضي صوان للتحقيق معهم وأعلن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري تضامنه مع دياب في خطوة اعتبرها البعض محاولة لتكوين حائط صد لأي محاكمة يمكن أن تفتح الباب واسعا أمام محاكمات قد تشمل جميع المسؤولين السابقين في تهم فساد متعددة. 

يقول الصحفي اللبناني عبد الرحمن صلاح: إن ما يثار عن لائحة الاتهام التي أعدها صوان، هو كيف قفز التحقيق من فوق رؤساء الأجهزة المعنية بإدارة المرفأ إلى الوزراء ورئيس الحكومة مباشرة، ولماذا لم يتهم رؤساء الأجهزة هذه وكبار الضباط فيها.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن الفِرق السياسية المقربة من الوزراء المتهمين، ترى أن هذا الاتهام كيدي وسياسي من الدرجة الأولى، بمعنى أنه محاولة لاستهداف بعض خصوم الرئيس ميشال عون، وتحديدا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي خاض سجالات سياسية حادة ضد عون منذ سنوات. 

وأشار صلاح إلى أن الاتهامات استهدفت أيضا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي عارض وصول عون لرئاسة الجمهورية ويعد أحد المرشحين لتولي أعلى منصب في البلاد.

وأضاف: "بغض النظر عن مدى دقة اللائحة الاتهامية التي قدمها القاضي صوان، غير أنها تصب في مصلحة سجال سياسي بين أحزاب الطبقة الحاكمة، نظرا لمحسوبية المتهمين على فرق سياسية تخاصم الرئيس عون، وإن كانت تشترك معه في التحالف مع حزب الله". 

وأردف: "لذلك فإن هذا الاتهام سيتم استخدامه في زواريب المحاصصة السياسية والطائفية بدلا من أن يكون خطوة في سبيل إحقاق العدل، وفي النهاية لن يتم محاسبة أحد، لا المتهمين الحاليين، ولا الأسماء التي يطالب آخرون بضمها إلى لائحة الاتهام".

واعتبر تيار المردة في بيان ما قام به القاضي صوان، انتقائية واستنسابية غير محقة وغير مبنية على أسس صحيحة، وقالت: إنه يدفعها إلى الاعتقاد بأن الهدف من هذه الاتهامات لم يعد تبيان الحقيقة وكشف الفاعلين، بل أصبح من أجل تحقيق مآرب سياسية. 

واعتبر التيار أن الهدف من وراء هذه الاتهامات تدفيعهم ثمن مواقف سياسية معينة، وطالب صوان بعدم الانجرار إلى لعبة السياسة والشعبوية. 

سيناريوهات صوان

اعتبر البعض عدم مثول المدعى عليهم أمام المحقق العدلي يشكل إحراجا كبيرا للقضاء وبالتالي سيكون أمام صوان خيارات محدودة بينها أن يتنحى بنفسه عن القضية، أو أن يأخذ خطوة أكثر جرأة يأمر فيها استدعاء المدعى عليهم.

وعندها تدخل البلاد في مرحلة جديدة عنوانها أمني قضائي وساحتها الشارع كما يقول الكاتب ميشال نصر في مقالة بموقع ليبانون ديبايت. 

ويرى الكاتب اللبناني سعد إلياس أن صوان سيكون أمام خيارات ثلاثة: أولها استكمال إجراءاته القانونية بالادعاء على مزيد من رؤساء الحكومات السابقين ووزراء بينهم العدل والدفاع، وهو مطلب نادى به كثيرون مؤكدين أن الاتهامات استثنت أشخاصا على حساب أشخاص آخرين. 

الخيار الثاني وفق مقالة إلياس في صحيفة القدس العربي في 13 ديسمبر / كانون الأول، أن يقوم صوان بإصدار بلاغات بحث وتحر أو مذكرات توقيف بحق المتخلفين عن المثول أمامه ويقصد هنا دياب والوزراء الثلاثة. 

أما الخيار الثالث هو أن يتنحى القاضي صوان عن الملف تماما وهو ما يعني وفق إلياس أن مصير التحقيق وتحديد المسؤوليات سيكون مجهولا. 

واتفق معه تقرير آخر لموقع "أساس ميديا" اللبناني الذي اعتبر أن المجموعة السياسية أدخلت ملف جريمة المرفأ في متاهة الاصطفافات السياسية والحزبية التي قد تؤثر بشكل مباشر على مجريات التحقيق الأمر الذي قد يطمس حقيقة الفاعل. 

وتوقع الموقع في تقرير نشره في 13 ديسمبر/كانون الأول أن يتنحى صوان نتيجة ضغوط أكبر سيتعرض لها إذا استمر على هذا المنوال.

وأكد الصحفي عبد الرحمن صلاح أن المنظومة السياسية في لبنان تضغط بقوة على القضاء، "ومن الصعب بل من شبه المستحيل أن يخرج النظام القضائي والعدلي بنتائج ملموسة في قضية مثل انفجار مرفأ بيروت".

بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة أن القضاء في لبنان خاضع للهيمنة والوصاية، وأن أي مسؤول يستطيع تحديه، مؤكدا أن لبنان سيشهد الكثير من هذه الأمثلة. 

وربما يدعم وجهة النظر التي ساقها بشارة بأن القضاء يخضع للهيمنة والوصاية، اللقاء الذي جمع الرئيس عون بمجلس القضاء الأعلى قبل يوم من إعلان القاضي فادي صوان الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء المؤقت والوزراء السابقين.

وقال بشارة في مقابلة تلفزيونية في 10 ديسمبر/كانون الأول: إن ما قام به دياب من رفض للتحقيق هو ما يقوم به عون عندما يتحدث عن حقوق المسيحيين ويتذرع بأي شيء ليمنع المحاسبة.

ويرى بشارة أنه سيتم إدخال الملف بمتاهة قانونية، عبر مسألة الاختصاص، "هل المسألة من اختصاص المجلس العدلي الذي كلفه مجلس الوزراء بهذا الموضوع، أم أنه من اختصاص مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء"، ليتم إغراق الملف داخل المنظومة بين هذا الفريق وذاك.

ونسبت وول ستريت جورنال إلى رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي قوله: إنه "تم تطبيق معايير مزدوجة بحق دياب لأن مسؤولين آخرين، بمن فيهم الرئيس ميشال عون، شاهدوا أيضا هذه الوثائق التي تحذر من وجود المواد الكيميائية المتفجرة في الميناء ولكن لم يتم توجيه تهم إليهم"، مؤكدا أن "الحقيقة كاملة وغير قابلة للتجزئة".