صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.. لماذا وصلت إلى طريق مسدود؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجأة وبدون مقدمات، تغير الخطاب الإسرائيلي بشأن إنجاز صفقة تبادل أسرى مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بعد سنوات من الحديث عن حراك إقليمي ووساطات دولية.

أثير الموضوع هذه المرة من قبل وسائل إعلام إسرائيلية، أفادت بوجود مفاوضات مع حركة حماس برعاية مصرية حول تبادل الأسرى، لكنها ألمحت إلى أن الصفقة لن تتم بالشكل الذي تريده الحركة.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، نقل موقع "واللا" العبري عن مسؤولين إسرائيليين (لم يسمّهم) قولهم: إن إسرائيل ترفض الإفراج عن معتقلين فلسطينيين متهمين بقتل إسرائيليين، لكنها مستعدة لإطلاق سراح آخرين غير متهمين بذلك.

وذكر الموقع أن حركة حماس رفضت العرض الإسرائيلي، وتُصر على الإفراج عن العشرات من الأسرى المتهمين بقتل إسرائيليين.

ابتزاز متعمد

خلال ديسمبر/كانون الأول 2020، روجت إسرائيل كثيرا لإمكانية التوصل لإبرام صفقة تبادل مع "حماس"، وذلك بعد تفاقم "وباء كورونا" في قطاع غزة.

وأفادت القناة الإسرائيلية (13) أنه يمكن الحديث عن تسارع كبير في الاتصالات بين الجانبين، حيث أعربت إسرائيل عن استعدادها لإجراء محادثات مع حركة حماس.

ونقلت القناة عن مسؤولين مصريين قولهم: إنهم سيدعون الجانبين لمناقشة الموضوع في القاهرة. وذكرت أنه في إسرائيل يدركون أن الحديث يدور على ما يبدو عن فرصة ربما تكون لمرة واحدة، لذلك عبروا عن استعدادهم لإجراء الحوار مع "حماس".

وفي ابتزاز واضح، أشارت إلى أن "الجانب الإسرائيلي بين أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقات مع حماس فلن يتم تمرير لقاحات كورونا إلى قطاع غزة".

وأفادت أن الوسطاء المصريين نقلوا إلى حماس اقتراحا "سخيا" من إسرائيل للتقدم بصفقة التبادل، عبر تقديم مساعدات طبية وحتى إطلاق سراح سجناء أمنيين ليسوا مدانين بعمليات قتل فيها إسرائيليون.

لكن الحركة نفت في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، وجود أي "حراك" في ملف "تبادل الأسرى"، بينها وبين إسرائيل، وصرح المتحدث باسم الحركة حازم قاسم، أن "الحديث الصهيوني حول هذا الملف، لا أساس له من الصحة، ولا جديد في هذا المسار".

وأضاف: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو "ما زال يتهرب من اتخاذ أي قرار في هذا الملف، ويهدف من وراء نشر هذه المعلومات، إلى تعزيز حضوره الشخصي لأي انتخابات متوقعة".

وخلال السنوات الماضية، عرضت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، صور 4 جنود إسرائيليين وهم: "شاؤول آرون" و"هادار غولدن" و"أبراهام منغستو" و"هاشم بدوي السيد"، رافضة الكشف عن أية تفاصيل تتعلق بهم دون ثمن.

"فضيحة كبرى"

وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي "تسفي هاوزر": إن الصفقة المقترحة لتبادل الأسرى مع حركة حماس "فضيحة في حال تحققت".

وأضاف "هاوزر" في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020: "تم نشر الخطوط العريضة لتفاصيل صفقة للإفراج عن المخربين، وبناء على مهام منصبي اطلعت على التفاصيل الكاملة، ويتوجب علي أن أقول لكم بشكل واضح: "نتحدث عن صفقة تخالف أسس توصيات لجنة شمغار".

وهذه اللجنة التي تبقي معلوماتها سرية، مكلفة بوضع آليات للتعامل مع خطف جنود إسرائيليين، وكيفية التفاوض من أجل إطلاق سراحهم. وتشكلت اللجنة بعد صفقة تبادل شهيرة أطلق بموجبها الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" الذي أسرته حركة حماس لأكثر من 5 سنوات.

وتابع "هاوزر": أن "الصفقة ستعيد مئات المخربين إلى دائرة الإرهاب، وأدعو رئيس الحكومة للتراجع عن الفكرة الخطرة التي يجري تداولها بين الجانبين، واستخلاص العبر من تداعيات صفقة شاليط، حيث عاد غالبية المخربين للعمل في الإرهاب"، على حد وصفه.

وتشترط حركة حماس بدء أي مفاوضات مع الاحتلال بإفراجه عن محرري "وفاء الأحرار"، الذين أعاد اعتقالهم (بعد الإفراج عنهم في صفقة جلعاد شاليط).

وأعاد الاحتلال اعتقال أكثر من 50 مُحررا بالصفقة التي تمت عام 2011، وأفرج بموجبها عن 1000 أسير، نصفهم من ذوي الأحكام العالية، مقابل إطلاق سراح شاليط، الذي أسر من على حدود قطاع غزة صيف 2006.

وقبل كشف وسائل الإعلام العبرية عن التفاصيل الجديدة بيوم، قال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية: إن حركته وفصائل المقاومة "تعمل بصمت وبقوة وبوعي من أجل تحرير الأسرى، ومن أجل كسر قيدهم".

وأضاف: أن "حماس التي أنجزت صفقة "وفاء الأحرار" ومن خلال ما هو بين يدها وما يمكن أن تقوم به مع فصائل المقاومة، سوف تنجز -إن شاء الله- لكم هذه الحرية، وهذا التحرير، وهذه العودة إلى الأهل وإلى الديار"، دون تفاصيل أكثر.

وتعتقل إسرائيل في سجونها حوالي 5000 فلسطيني، بينهم المئات بأحكام عالية من السجن المؤبد والمتعدد.

أسرى ومفقودون

أشار المسؤولون الإسرائيليون الذين تحدثوا لموقع "واللا" إلى أن إسرائيل تعارض محاولة حماس تقسيم الصفقة المحتملة إلى قسمين: الأسرى والمفقودون.

وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت عن فقدان جثتي جنديين في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي في 2014 هما "آرون شاؤول"، و"هدار غولدن"، لكن وزارة الأمن الإسرائيلية عادت وصنفتهما، في يونيو/حزيران 2016، على أنهما مفقودان وأسيران.

وإضافة إلى الجنديين، تحدثت إسرائيل عن فقدان إسرائيليين اثنين أحدهما من أصل إثيوبي، والآخر من أصل عربي، دخلا غزة بصورة غير قانونية خلال عامي 2014 و2015.

واشترط المسؤولون حل ملف الأسرى من أجل تقديم مساعدات لقطاع غزة، لمواجهة "فيروس كورونا،" وتزويد القطاع باللقاحات. كما قال المسؤولون الإسرائيليون: "لن تكون هناك تهدئة جدية تشمل مشاريع كبيرة، ما لم يُزل ملف الأسرى من جدول الأعمال"، وفق موقع "واللا".

وفي سبتمبر/أيلول 2020، كشف "إسماعيل هنية"، عن أن مصر تتوسط بين حركة حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق جديد لتبادل الأسرى.

وتناولت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، أنباء تشير إلى أن حراكا محموما يجري في هذه الأثناء لإبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس، في ظل اتساع رقعة انتشار "فيروس كورونا" في قطاع غزة.

ولفتت إلى أن الصفقة قد تُنفذ بمزيد من التنازلات الفلسطينية، مقابل مساعدات إسرائيلية ذات علاقة بمكافحة الوباء. 

أزمات داخلية

تشير التقديرات الفلسطينية إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" يحاول تحقيق إنجاز في خضم أزمات داخلية لا حصر لها.

يتبنى هذا الرأي، المحلل السياسي الفلسطيني "شرحبيل الغريب" الذي عدد أزمات يواجهها نتنياهو شخصيا، من بينها ضغوط من عائلات الأسرى الإسرائيليين.

ومن هؤلاء، عائلة الجندي الإسرائيلي "آرون شاؤول" التي وجهت في يوليو/تموز 2020، اتهاما لحكومة الاحتلال بالفشل في استعادة الجنود الأسرى.

وفي عام 2018 أيضا، وبعد 4 سنوات من الصمت بغرض "ترك الحكومة تعمل من دون ضغوط"، أطلق "سمحا غولدين"، والد الجندي الإسرائيلي هدار غولدين الأسير لدى حركة حماس، حملة لممارسة ضغوط على نتنياهو "الذي لا يعمل شيئا لاستعادة ابننا وبقية المحتجزين" كما قال.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، دعا سمحا غولدين في حديث لموقع "يديعوت أحرونوت" إلى استغلال الفرصة الحالية في ظل التقارير عن إمكانية حصول تقدم في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، من أجل إتمامها.

ويقول المحلل السياسي شرحبيل الغريب لـ"الاستقلال": "نتنياهو يواجه أكثر من أزمة داخلية أولها تفشي فيروس كورونا، وانعكاساتها الاقتصادية على المشهد الداخلي الإسرائيلي".

وتطرق أيضا إلى هشاشة الحكومة الإسرائيلية والانشقاقات داخل "حزب الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو، وتهم الفساد التي تلاحقه، قائلا: "من خلال تسريب بعض الأخبار، هو يحاول إلهاء الرأي العام الإسرائيلي".

وفي تقديره، فإن الحكومة الإسرائيلية "تعمل على إدارة صفقة التبادل، ولا تعمل على إنجازها، وهذا واضح من خلال بعض القضايا الثابتة التي وضعتها الخارجية الإسرائيلية بأنه لن تتكرر صفقة مثل شاليط ".

وأردف: "لا يزال هناك تباين في المواقف بين حماس وإسرائيل بشأن الصفقة، ولذلك لا يمكن أن نبني أي رؤى في هذا المسار"، مبينا أن الأحاديث حول قرب إنجاز الصفقة "بعيدة عن الواقع".