محمد العفاس.. طبيب تونسي عزلته الحكومة من الخطابة وأثار جدلا في البرلمان

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحوّل النائب عن "ائتلاف الكرامة" بمجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي "محمد العفاس" إلى الشخصية الأكثر جدلا في الحياة السياسية في تونس خلال الأيام الأخيرة.

مداخلة "العفاس" خلال مناقشة ميزانية وزارة المرأة يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، أثارت موجة جدل غير مسبوقة في تونس، وصلت إلى درجة تبادل العنف اللفظي والجسدي داخل أروقة البرلمان، وانقسم حولها النخب وعموم المواطنين.

"حرية المرأة"

"العفاس"، الذي اقتحم الحياة السياسية حديثا، عبر عن جملة من القناعات التي تعود للمدرسة الفكرية الإسلامية التي ينتمي إليها، عندما قال: إن "حرية المرأة لدى المتاجرين بقضاياها هي حرية الوصول للمرأة وانحلال وفسوق وفجور".

مضيفا: "عندما نتكلم عن الضوابط والحياء يتهموننا بالظلامية والرجعية... ومكاسب المرأة عندهم هي الأمهات العازبات، والإنجاب خارج إطار الزواج، والإجهاض، وممارسة الرذيلة، والشذوذ الجنسي.. وهذا النموذج خلف المواخير التي تبيع فيه المرأة شرفها، وخلف نسبا عالية في الطلاق والعنف الزوجي".

لم تكن تصريحات "العفاس" خارج السياق الذي تسير عليه كتلته "ائتلاف الكرامة"، التي تأسست قبيل الانتخابات التشريعية للعام 2019، ورشحت محمد العفاس على رأس قائمتها في مدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية.

الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أدان تصريحات "العفاس" التي اعتبرها تضمنت "تحقيرا وترذيلا للمرأة التونسية"، وقرر "رفع هذا التعدي إلى أنظار العدالة"، داعيا بقية نواب مجلس الشعب "لإدانة الخطاب وإصدار موقف رسمي لشجبه".

كما عبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن استيائها الشديد من خطاب العفاس ووصفته بـ"الخطاب الداعشي، والانتهاك الصارخ للدستور والحقوق"، كما رفضوا إدراجه "تحت غطاء حرية التعبير".

في المقابل أعلنت "التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور" عن مساندتها لتصريحات العفاس، مستنكرة "الهجمة الشرسة التي يتعرض لها على خلفية توصيفه للظواهر المنحرفة في المجتمع بأسمائها الصحيحة".

الطبيب القارئ

ولد محمد العفاس عام 1984 بمدينة صفاقس (جنوب شرق) والملقبة بعاصمة الجنوب، نظرا لحجمها ودورها في البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ليزاول تعليمه الابتدائي والثانوي في نفس المدينة، قبل أن ينجح بتفوق في امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) ليلتحق بكلية الطب بصفاقس، ويتخرج منها عام 2005.

في تلك الفترة، التحق العفاس بحلق تحفيظ القرآن الكريم التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم والأخلاق الفاضلة بمدينة صفاقس، حيث أتم ختم القرآن تلاوة وتجويدا على رواية "الإمام قالون" صاحب القراءة المعتمدة في تونس.

انتقل بعدها طالب الطب من حفظ القرآن إلى تحفيظه، في وقت شهدت فيه تونس ارتخاء للقبضة الأمنية المشددة، من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي كان يتصدى لكل مظاهر التدين في البلاد.

أمّ العفاس المصلين منذ عام 2016، في عدد من مساجد صفاقس في صلاة التراويح خلال شهر رمضان المعظم، قبل أن يصعد المنبر منذ عام 2018.

لم يعرف عن العفاس خلال تلك الفترة التحاقه بأي نشاط سياسي أو نقابي أو طلابي، رغم ظهور بوادر عودة الإسلاميين إلى الجامعة بعد حملة القمع التي طالتهم بداية التسعينيات.

وبعد حصوله على الدكتوراه في الطب 2012، قرر العفاس ممارسة المهنة في المستشفيات العمومية حتى تم انتخابه عضوا بمجلس النواب في 2019.

ثورة الياسمين

كغيره من شباب تونس لم يتخلف محمد العفاس عن الثورة التي اندلعت إثر إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده، وسط مدينة سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.

شارك محمد العفاس في الإضراب العام، الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل بجهة صفاقس يوم 12 يناير/كانون الثاني 2011، والذي يعتبر نقلة نوعية في الثورة، وأحد الأسباب المباشرة لسقوط نظام بن علي.

بعد فرار بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، أخذت البلاد منحى جديدا، وكذلك محمد العفاس الذي بادر بتأسيس عدد من الجمعيات كان من أبرزها جمعية "شباب الغد"، والتي تم إغلاقها بقرار من حكومة المهدي جمعة عام 2013.

وفي عام 2012، شارك "العفاس" في تأسيس المنظمة التونسية للشغل برفقة إمام جامع سيدي اللخمي "رضا الجوادي" وعدد من المنشقين من الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في تونس)، وهو ما فجر خلافا ما زال مستمرا حتى اليوم، ووصل إلى درجة الاعتداء بالعنف الشديد عليه.

وبعد أسابيع قليلة من سقوط النظام في تونس، ارتقى الإمام الشاب منبر الجامع الكبير بمدينة صفاقس، وهو أول مسجد بني في المدينة على يد الأغالبة، بعد فتح تونس وتأسيس المدينة، وكان للعفاس دور بارز في قيادة جملة من التحركات والمسيرات المناصرة للثورة، والرافضة لكل محاولات الانقلاب عليها، والتي كانت تقودها جمعيات الأئمة والخطباء.

إلا أنه في نفس الوقت كان للعفاس خطابات أثارت جدلا واسعا، لا يزال صداها مستمرا إلى اليوم، ولعل أبرزها تلك التي أعلن فيها عن تأييده للجهاد في سوريا، واستشهد فيها بأقوال أحد أئمة تونس الذين ساندوا انتقال الشباب للقتال هناك.

في العام 2013، عرف العفاس بمواقفه الرافضة للانقلاب العسكري بمصر، والمجازر التي تلته وهو ما عبّر عنه مرات عديدة من على منبر الجامع الكبير، وبعد دخول تونس في أزمة سياسية، إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013، شارك في الدعوة إلى التمسك بالمسار الديمقراطي في البلاد، رافضا عودة رموز النظام القديم الذين التحق أغلبهم بحزب "نداء تونس"، الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

كرسي البرلمان

نهاية عام 2014، فاز حزب "نداء تونس" بالانتخابات التشريعية وفاز الرئيس الراحل الباجي "قائد السبسي" بالانتخابات الرئاسية، ليشكل الحزب الحكومة الجديدة التي تولى حقيبة الشؤون الدينية فيها "عثمان بطيخ"، والذي كان ضمن أجندته عزل مجموعة كبيرة من الأئمة، كان في مقدمتهم محمد العفاس الذي تم عزله من الخطابة يوم 3 سبتمبر/أيلول 2015.

حينها تعطلت صلاة الجمعة في المسجد نفسه لأسابيع متتالية، بعد رفض المصلين لتعويض العفاس بإمام آخر عينته وزارة الشؤون الدينية، رغم تتالي الوساطات من قبل مسؤولين بالمنطقة.

هذا العزل لم يغيّب العفاس عن الشأن العام، حيث حافظ على ما يعتبره محاولات إصلاح، ومكافحة الفساد في المستشفيات التي اشتغل فيها طيلة سنوات عزله.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية في 2019، انطلق المحامي الشاب "سيف الدين مخلوف" برفقة عدد من قيادات "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" ومدونين، بتشكيل قوائم انتخابية مستقلة تحت اسم "ائتلاف الكرامة"، تم اختيار محمد العفاس على رأس قائمتها في دائرة صفاقس 2، ونجح في حصد أكثر من 22 ألف صوت في المرتبة الثالثة، بعد حركة النهضة وحزب قلب تونس.

مواقف صلبة

ومنذ أدائه القسم تحت قبة البرلمان، تحول "العفاس" إلى أحد أبرز الأسماء المثيرة للجدل، حيث كانت له جملة من المداخلات التي وصفت بالحادة و"المتطرفة" من قبل معارضيه، في حين حظيت بإشادة كبيرة من قبل مناصريه.

خلال جلسة منح الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ يوم 27 فبراير/شباط 2020، قال العفاس، في مداخلته: "الفخفاخ موجود في المجلس اليوم باعتباره الشخصية الأقدر على تشكيل حكومة حسب تقدير رئيس الجمهورية، لكن ائتلاف الكرامة لا يعتبره كذلك". 

ولخص العفاس أسبابه في عدة اعتبارات سياسية وفكرية منها "لأنه امتداد لعصابة فرونكوفونية حكمت تونس لأكثر من 50 سنة، ولأنه امتداد لعصابة فرنسا التي نهبت تونس، وليس لحمله الجنسية المزدوجة، ولكن للتوجه الفكري الذي يحمله الفخفاخ".

وأضاف: "الفخفاخ ليس الأقدر، لأنه عاجز عن الوقوف أمام تطاول السفير الفرنسي الذي يصول ويجول في كامل البلاد، ويفعل ما يريد، وهو ليس الأقدر أيضا لأنه لم يتخل عن جنسيته الفرنسية قبل تقديم نفسه لأحد أهم المناصب في البلاد، معتبرا أنه قد يكون الأقدر على حماية فرنسا ومصالحها في تونس".

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انتقد العفاس اختيار الرئيس قيس سعيد لبطانته قائلا: "من بطانتك نعرف خطك"، مشيرا إلى أن "سعيد" أحاط نفسه بعدد من "العلمانيين واليساريين والمشبوهين".

وقال العفاس في الجلسة المخصصة لميزانية رئاسة الجمهورية: "حسبنا أننا انتخبنا عمريا عزيز النفس، فإذا بك تقبّل أكتاف الصليبي الماكر الذي أساء لنبينا صلى الله عليه وسلم، وحسبناك وفيا فإذا بك تخون دماء ونضال شهدائنا وأجدادنا، وتعد الاحتلال الفرنسي الهمجي الدموي حماية".

وخاطب العفاس الرئيس بقوله: "أعرض عن هذا فإني لك من الناصحين قبل أن تسقط كما سقط من قبلك". وسأل العفاس سعيد: "أين الإقامة والجنسية لأرملة الشهيد محمد الزواري أم أنها أضغاث أحلام".