تعديل قانون المالية بالمغرب.. كيف اخترق لوبي "الحمامة" الحكومة؟

ربيع الأندلسي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ورطة جديدة وضعت الحكومة المغربية نفسها فيها، خلال مناقشة "قانون المالية" لسنة 2021، ما جعلها في فُوَّهة اتهامات كانت توجّه لها بأنها "حكومة شركات".

هذه الاتهامات جاءت خلال محاولة الحكومة تمرير تعديل "المادة 129" من قانون المالية، عبر مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، بما يخدم مصلحة شركة "وحيدة" يشارك في أسهمها الرئيس السابق لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، صلاح الدين مزوار.

لكن المسعى الحكومي لتمرير التعديل، اصطدم بـ"يقظة" أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، الذين أجبروا وزير الاقتصاد، محمد بنشعبون (ينتمي لحزب الأحرار/شعاره الحمامة)، على سحب التعديل.

فبعد مناقشة البرلمان لقانون المالية، وإحالته لمجلس المستشارين، اكتشفت لجنة المالية بمجلس النواب خلال القراءة الثانية لمشروع القانون، إجراء تعديلات عليه من المستشارين بـ"إيعاز من مزوار"، حسب اتهامات حزبية.

الاتهامات ضد "مزوار"، جاءت عقب تعديل الحكومة وأغلبيتها داخل "المستشارين"، لمادة في مشروع قانون المالية، من خلال الرفع من الضرائب الجمركية (إلى 17.5 في المائة بدل 2.5) على "ألياف البوليستير" (لصناعة الألبسة).

المثير في ذلك أن هناك شركتين مغربيتين تحتكران هذا القطاع، كل واحدة منهما تنتج 30 بالمائة من الألياف، في حين 40 بالمائة يتم استيرادها، وسيؤدي رفع ضريبة الاستيراد إلى تحقيق أرباح للشركتين المحليتين، إحداها يساهم فيها "مزوار".

اختراق اللوبيات

حزب الاستقلال (معارض)، في بيان صادر عنه في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، اتهم الحكومة بـ"الخضوع للوبيات (المال والنفوذ)، وصياغة قوانين تخدم مصالحها، مما يهدد أمن البلاد".

وعبر الحزب، عن استيائه لـ"انزياح الحكومة عن قيم النزاهة والشفافية وخدمة الصالح العام، وتخليها عن مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية، مستسلمة للوبيات الضغط وذوي المصالح الفئوية".

هجوم "حزب الاستقلال" وإن كان يستهدف الحكومة، إلا أن مراقبين يجمعون على أن المعني بهذا البيان هم وزراء "حزب التجمع الوطني للأحرار"، الذين يسيطرون على القطاعات الاقتصادية والمالية في الوزارات، والأهم أن "الأحرار" كان سببا في منع "الاستقلال" من دخول الائتلاف الحكومي الحالي. 

بدوره، اتهم الأمين العام لـ"حزب الأصالة والمعاصرة"، عبد اللطيف وهبي (معارض)، الوزير السابق "مزوار" بـ"السعي نحو الربح السريع، وتوظيف بعض البرلمانيين بمجلس المستشارين لتمرير تعديل الرسوم الجمركية على البوليستير".

وأشهر "وهبي" أمام أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، وثيقة قال إنها "تضم اسم مزوار، كمساهم في الشركة".

وأضاف: "هناك شركتان تعملان في هذا المجال، كل واحدة منهما تنتج 30 % من الألياف، أي ما مجموعه 60 % من الإنتاج، في حين تبقى 40% يتم استيرادها، وسيؤدي رفع رسوم الاستيراد إلى تحقيق أرباح للشركتين".

ولم يتوقف "وهبي" عند هذا الحد، بل وجّه سهام نقده إلى مجلس المستشارين، الذي اتهمه "بخدمة مصالح لوبيات من هذا الطراز"، واتهم مزوار بـ"المرور إلى مرحلة الرعونة الاقتصادية بعدما فشل سابقا في رعونته السياسية".

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وخلال اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لمجلس النواب، فشل وزير الاقتصاد، بنشعبون (حزب الأحرار) في الدفاع عن تعديل قانون المالية، أمام تصلب مواقف البرلمانيين. 

ورفع أعضاء اللجنة المكونة من أحزاب، "العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي (ضمن الائتلاف)، والأصالة والمعاصرة" (معارض)، في وجه الوزير شعار "لا لتوظيف البرلمان لصالح شركة معينة عبر الرفع من الرسوم الجمركية المطبقة على مادة البوليستير المستوردة من الخارج".

وخلال ذات الجلسة، اتهم برلمانيون، مزوارا، -وهو أيضا الرئيس السابق لاتحاد مقاولات المغرب (نقابة رجال الأعمال)، والوزير السابق لأكثر من ولاية حكومية-، بالضغط على المستشارين البرلمانيين من أجل تمرير هذا التعديل.

السلطة والمال

وفي السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، "رشيد أوراز"، أن "الدول الصناعية تصدت لظاهرة الخلط بين المصالح الشخصية لرجال الأعمال، والمصلحة العامة للمواطنين، بسنّ قوانين كابحة". 

وأوضح "أوراز"  في حديث لصحيفة "الاستقلال"، أن "قوة ذوي النفوذ في الدول النامية يَحول دون سن قوانين مشابهة".

وأشار إلى أن "المقاطعة الشعبية التي شهدها المغرب عام 2018، نبّهت الدولة إلى ظاهرة تداخل السياسة بالمال، فبسبب الغلاء الذي نتج عن مجموعة من التكتلات الاقتصادية في بعض المجالات، انطلقت مقاطعة اقتصادية استمرت لأشهر".

وأضاف أوراز: أن "الدولة كان لها رد على هذه المقاطعة من خلال تعيين مجلس المنافسة (مؤسسة تهتم بدراسة أداء الأسواق ومحاربة الممارسات غير الأخلاقية) بحلة جديدة، إلا أنه وحسب ما يبدو عجز هذا المجلس عن معالجة كل الملفات".

وأكد الباحث المختص أن "التأخر في معالجة قضية التداخل بين السلطة والمال من شأنه أن يؤدي إلى مشاكل اقتصادية في المستقبل".

وليست هذه المرة الأولى التي ينكشف فيها هذا التداخل القوي بين الاقتصادي والسياسي في الحكومة الحالية، بل إن الأمر تكرر مرات سابقة، وكان المستفيدون من هذه القوانين يحملون لونا سياسيا واحدا، هو "التجمع الوطني للأحرار".

ففي 2018 أجرى حفيظ العلمي، "وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد" الأخضر والرقمي، القيادي في "التجمع الوطني للأحرار"، عملية بيع لإحدى شركاته في قطاع التأمين، لصالح رجال أعمال أجانب، غير أن هذه العملية لم تعُد على خزينة الدولة بأي شيء.

الصفقة التي بيعت بها شركة التأمين بأكثر من مليار دولار، في واحدة من أكبر الصفقات التي شهدها المغرب منذ أكثر من عقد من الزمن، خسرت معها خزينة الدولة أكثر من 44 مليون دولار، كضرائب.

وما فجر الشكوك والاتهامات حينها، هو تزامن هذه الصفقة مع تمرير تعديل في قانون المالية لعام 2018، تضمن فقرة عَنونها "وزير الاقتصاد والمالية" آنذاك، محمد بوسعيد، القيادي في نفس الحزب كذلك، بـ"إعفاء بيع الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات من الضريبة".

هذا الإعفاء بررته مذكرة تقديم مشروع القانون المالي، بالسعي إلى "تشجيع إعادة هيكلة الشركات وتعزيز رأسمالها".

وتظل أكبر قضية في هذا الشأن هي المتعلقة بملف البنزين، حيث استفادت شركة "إفريقيا غاز"، باعتبارها أكبر شركة في القطاع داخل المغرب، التي تعود ملكيتها لوزير الفلاحة في الحكومة الحالية، ورئيس "التجمع الوطني للأحرار"، عزيز أخنوش، من قانون "تحرير الأسعار"، في ديسمبر/كانون الأول 2015 من تحقيق أرباح كبيرة.

ففي سنة 2017 وحدها، حققت شركة "إفريقيا غاز" أرباحا وصلت إلى 470 مليون درهم (نحو 47 مليون دولار)، وتجاوزت التوقعات لسنة 2018 الذي كانت تحصر الأرباح في 490 مليون درهم (نحو 49 مليون دولار)، ليصل إلى 773.7 مليون درهم (نحو 77 مليون دولار).

وأطلق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، حملات موجهة جعلوا وسم #حكومة_الشركات هو عنوانها، وذلك لإثارة الانتباه إلى ما يجري من سياسات حكومية، تستفيد منها فقط تكتلات سياسية واقتصادية محددة.