"ورقة الصحراء".. كيف لعبت بها واشنطن وأبوظبي لدفع المغرب إلى التطبيع؟

عبدالرحمن محمد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل رحيله بأسابيع قليلة عن البيت الأبيض، واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما اعتبره "إنجازات تاريخية" بحسب تعبيره، معلنا عبر حسابه على تويتر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن اتفاق المملكة المغربية وإسرائيل على إقامة علاقة دبلوماسية كاملة.

في ذات الإعلان، كشف ترامب عن افتتاح واشنطن "قنصلية" في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين الرباط و"جبهة البوليساريو"، وهو ما اعتبره مراقبون ثمنا مدفوعا مقابل الخطوة التطبيعية المغربية.

لم يكن الاتفاق مفاجئا لكثيرين، بل جاء نتيجة سياسات قديمة واجتماعات ولقاءات سرية ومعلنة على مدار السنين والشهور الماضية بين "الرباط وتل أبيب"، إضافة إلى تطبيق حرفي لمبدأ "الأرض مقابل السلام"، لكن بطريقة أخرى جديدة.

إعادة العلاقات

وفيما عبر ترامب عن الأمر بـ"اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية"، فإن الصحف الإسرائيلية اعتبرت تلك الخطوة "إعادة لعلاقات كانت قائمة لسنوات طويلة، لكنها قطعت لأسباب تتعلق بما حدث في فلسطين بداية الألفية الحالية".

صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في عددها الصادر 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أشارت إلى إعلان ترامب بأنه "إعادة للعلاقات الدبلوماسية بعد أن قطعت عام 2000 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومع ذلك عمل المغرب وإسرائيل بشكل أقل من المعتاد".

وقالت الصحيفة: "أولى العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين أقيمت أوائل الستينيات عبر إطار أمني، باعت إسرائيل وقتها أسلحة للمغرب وقدمت مساعدات زراعية للمملكة وقت حكم الملك الراحل الحسن الثاني".

وفي عام 1995، وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو، تقرر في المغرب إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بشكل علني، واستمرت قرابة 5 سنوات، حتى اندلاع الانتفاضة الثانية، بحسب "معاريف".

وفي أغسطس/ آب 2017، كشف موقع "إسرائيل فالي" حرص البلدين على بقاء العلاقات الاقتصادية بينهما "سرية وبعيدة عن الأضواء"، مؤكدا أن المغرب "يحل في المرتبة الثانية بعد مصر فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، متقدما على كل من موريتانيا وإثيوبيا وأوغندا وغانا".

زيارة "كوشنر"

في 28 مايو/ أيار 2019، زار جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، المغرب والتقى الملك "محمد السادس"، في إطار تسويق "صفقة القرن"، التي قوبلت برفض مغربي رسمي وشعبي، حسب إعلام محلي.

لكن في 29 أغسطس/ آب 2020، نشرت صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية مقالا لأحمد الشرعي، صاحب مؤسسة "الأحداث المغربية" القريبة من السلطة، يتمنى فيه أن تؤتي دبلوماسية "كوشنر" ثمارها، مؤملا أن "يأتي اليوم الذي يمكن للعرب والإسرائيليين أن يزدهروا فيما بينهم بسلام من خلال التسامح والتجارة والسياحة والتبادل الثقافي".

 

زيارة "كوشنر"، رغم الحديث عن عدم الاحتفاء بها رسميا من قبل المغرب، كانت الحجر الذي حرّك المياه الراكدة، حيث سعت بعدها "تل أبيب" عبر ممثليها في استمالة المغرب، لتصل في نهاية المطاف إلى مرادها.

طيلة الفترة التي سبقت إعلان ترامب، نَشر الحساب الرسمي لدولة الاحتلال الناطق بالعربية على "تويتر" العديد من التغريدات والمقاطع المصورة تحت ما اعتبره "تعايشا سلميا" بين شعبي المغرب وإسرائيل.

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشر الأكاديمي الإسرائيلي "إيدي كوهين"، تغريدة على تويتر، كشف خلالها عن اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب في نيويورك، لـ "وضع اللمسات على اتفاق التطبيع والسلام الإبراهيمي بين الرباط وتل أبيب".

"الأرض مقابل السلام"

في 18 سبتمبر/ أيلول 2020، وقبل أن يكشف الإسرائيليون أخبار اجتماع نيويورك، نشرت مجلة "تايم" الأميركية تقريرا تشيد فيه بالتغييرات التي قام بها ترامب في الشرق الأوسط ودعم وضع إسرائيل في المنطقة، بجر عدد من الدول العربية التي كانت لسنوات طويلة معادية لها، نحو تطبيع العلاقات معها بشكل كامل.

وفي سياق الحديث عن "المغرب"، قالت المجلة: "من البلدان القريبة من التطبيع مع إسرائيل، ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء للدفع بتطبيع العلاقات الثنائية بينها وبين إسرائيل".

وأرجعت "تايم" أسباب دخول بلدان عربية تحت مظلة التطبيع، إلى اهتمام تلك الدول بحل قضاياها الداخلية مثل الإرهاب، والاهتمام بالتنمية الاقتصادية بدل الاهتمام بالصراعات لما تسببه من إضعاف جيوغرافي وسياسي.

يأتي ملف الصحراء الغربية في مقدمة التحديات التي يواجهها المغرب، حيث تبحث الرباط عن دعم دولي لإنهاء أزمة إقليم الصحراء وفق رؤيتها بإقامة حكم ذاتي تحت سيادتها.

وبإعلان ترامب الأخير، يكون المغرب قد حقق انتصارا دبلوماسيا كبيرا، لكنه سيشهد تخوفا شعبيا كبيرا من مقايضة الأرض الفلسطينية في مقابل الأرض الصحراوية الغربية، بحسب وكالة "دويتشه فيله" الألمانية.

أوائل فبراير/ شباط 2020، نقل موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي عن مصادر إسرائيلية وأميركية سعيا إسرائيليا لإقناع الرئيس ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع الرباط، وحسب مراقبين فإن الأمر لم يكن يحتاج سوى وضع اللمسات الأخيرة.

توتر "الكركرات"

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تفجرت جولة جديدة من الصراع بين المغرب وبين "جبهة البوليساريو" التي تسعى للاستقلال بحكم الصحراء الغربية.

الجبهة أعلنت انتهاء وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل له برعاية من الأمم المتحدة قبل 30 عاما، إثر عملية عسكرية أطلقها المغرب في منطقة "الكركرات" العازلة لإعادة فتح الطريق المؤدي إلى موريتانيا بعد إغلاقه.

تحرك الرباط جاء إثر تعرض الحاجز الأمني لإطلاق نار نسب إلى جبهة البوليساريو، خلال اعتصام داخلي دام 3 أسابيع، الأمر الذي دفع السلطات المغربية إلى إنهاء الاعتصام بالقوة.

الباحث المغربي في القانون الدولي، عزيز إدامين، أكد في تصريحات تلفزيونية لقناة "دويتشه فيله"، أن "الولايات المتحدة كانت تدعم المغرب بشكل غير مباشر في نزاع الصحراء الغربية، إذ كان الكونغرس يدرج الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمغرب في إطار الدعم الذي تقدمه أميركا للرباط"، على حد قوله.

وعن سبب إقدام المغرب على هذه الخطوة قبل انتهاء عهد ترامب، تقول سارة فوير، المحللة بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل: "اتفاق من هذا النوع لم يكن المغرب سيقدر على عقده مع إدارة بايدن".

وأضافت: "هناك ثمن غال لهذا الاتفاق، إذ لا تعرف الطريقة التي سترد بها الجزائر وجبهة البوليساريو"، في إشارة لاحتمال تصاعد العنف في المنطقة، بحسب تصريحاتها لقناة "دويتشه فيله" الناطقة باللغة الإنجليزية.

صفقة مسيرة

وفق خبراء، فإن الإمارات أيضا (بجانب واشنطن) كان لها دور كبير في تقريب المغرب من التطبيع، بافتتاحها قنصلية بمدينة "العيون" في الصحراء الغربية، والتي اعتبرت اعترافا بسيادة المغرب على الصحراء، حسب تعبير وزير خارجية المملكة ناصر بوريطة، وفقا لـ "فرانس 24".

قنصلية الإمارات تعد أول قنصلية عربية في الصحراء بعد إنشاء 15 قنصلية أجنبية أخرى لدول من إفريقيا، في مدينتي العيون والداخلة على ساحل المحيط الأطلسي.

وعلى غرار الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل والذي تضمّن صفقة طائرات "إف-35"، فإن الاتفاق المغربي اشتمل على صفقة طائرات مسيرة من الولايات المتحدة.

وحسب مصادر أميركية مطلعة، فإنه يجري دراسة بيع طائرات من نوع "إم كيو-9 بي" لصالح المغرب، وفقا لتقرير أذاعته "مونت كارلو" الدولية.