جذوتها مشتعلة.. هذه إرهاصات اندلاع ثورة جديدة في بلدان الربيع العربي

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو 10 سنوات من الآن، اندلعت ثورات الربيع العربي، لم يكن حدوثها ترفا سياسيا أو مؤامرة حيكت خيوطها في الخارج، بل كانت البلدان قد وصلت إلى ذروة الاستبداد ومرحلة اللاصبر أو اللاعودة.

أنظمة سياسية أحكمت قبضتها على الحكم لعقود، وبعضهم خطط لتوريث الحكم لأبنائه، فحرموا الشعوب من التداول السلمي للسلطة وأعاقوا مسار التحول الديمقراطي.

كل هذه الإرهاصات التي أشعلت الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي قبل سنوات، موجودة الآن وبقوة، إن لم يكن بشكل أشد وأعنف من ذي قبل، فقد عادت أنظمة الثورات المضادة لتحكم قبضتها على السلطة من جديد، وتوظف الأجهزة البوليسية لقمع الأصوات المعارضة وكبتها، وأحيانا قتلها ودفنها.

حالة الاحتقان لدى الشعوب زادت وبلغت ذروتها، وشهدت البلدان انسدادا سياسيا وفشلا اقتصاديا اتسعت فيه رقعة الفقر وارتفعت فيه مستويات البطالة لمستويات غير مسبوقة، فهل تندلع موجة ثانية من الربيع العربي مجددا؟.

رقعة الفقر

اتساع رقعة الفقر قبل 2011، كان أحد أهم الأسباب التي أدت لاندلاع ثورات الشعوب العربية، ولم يكن إضرام التونسي محمد بوعزيزي النار في نفسه إلا شرارة أشعلت الكبت المشحون في النفوس، ورمزا عبر عن معاناة الملايين من الشعوب المطحونة.

في يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010، أضرم بوعزيزي النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه.

رقعة الفقر زادت اتساعا بعد الثورات المضادة التي مولتها دول النفط في الخليج العربي، ما خلق أجواء مشابهة للحالة التي سبقت ثورات الربيع العربي أواخر 2011.

حسب البنك الدولي، بلغت معدلات الفقر في مصر لعام 2019 ـ 2020، 29.7%، وفي تقرير سابق للبنك الدولي صدر في مايو/أيار 2019، فإن نحو 60 % من سكان مصر إما فقراء أو معرضون للفقر.

وفي تقرير آخر للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، فإن نسبة الفقراء خلال عام 2018/2017 كانت الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت معدل 32.5 بالمئة.

أما في اليمن فبلغت نسبة الفقر 75 % عام 2019، وغدت اليمن في طريقها للتصنيف كأفقر بلد في العالم، حسب تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وفي سوريا أصدرت الأمم المتحدة تقريرها السنوي ديسمبر/كانون الأول 2019، وكشفت فيه أن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن 11.7 مليونا بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.

وقتها صرح نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن أكثر من 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وأن الأسر التي تعيش في فقر مدقع ستضعف قدرتها أكثر على شراء المواد الأساسية في الشهور المتبقية من فصل الشتاء.

أما في ليبيا البلد الذي يعد خامس أغنى بلد نفطي في إفريقيا فيعيش 45% من الليبيين تحت خط الفقر، وسط ظروف سياسية ومعيشية صعبة، مع استمرار الانقسام السياسي وعدم الاستقرار الأمني، حسب دراسة نشرها مركز الدراسات الاجتماعية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية الليبية.

أنظمة التطبيع

بالإضافة إلى سياسة الإفقار والتجويع، أعلنت بعض الأنظمة العربية التطبيع مع إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية، هروبا من الإيفاء باستحقاقات التحول الديمقراطي والمطالب الحقوقية للشعوب، واحتماء بالكيان الصهيوني.

هذه الأيام، تجتاح العالم العربي موجة جديدة من التطبيع العربي مع إسرائيل، بدأت بتوقيع الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام يوم 15 سبتمبر/أيلول 2020، في العاصمة الأميركية واشنطن بحضور الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السودان موافقته على التطبيع مع إسرائيل مقابل رفع اسمه من قوائم الإرهاب، لكن إبرام الاتفاق ما يزال معطلا لحين انتخاب المجلس التشريعي (البرلمان) الجديد.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن موافقة المملكة المغربية على توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، مقابل اعتراف واشنطن بمغربية إقليم الصحراء وافتتاح قنصلية هناك.

وبذلك، تنضم هذه البلدان الأربعة (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) إلى بلدين عربيين أبرما اتفاقيتي سلام مع إسرائيل، وهما مصر في 26 مارس/آذار 1979، والأردن في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1996.

إعلان النظام المغربي انضمامه إلى قطار التطبيع مع إسرائيل ، سبقه زيارة سرية كشفت عنها وسائل إعلام عبرية وغربية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مدينة نيوم السعودية، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبحث ملف التطبيع.

وفق مراقبين، فإن موجات التطبيع المتسارعة التي تجري على مستوى الأنظمة في المنطقة العربية، تعد سببا آخر لانتفاضة الشعوب الرافضة لهذه الأنظمة المطبعة والتي طالما ثارت من أجل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.

إرهاصات قوية

الكاتب والصحفي اليمني محمد الأحمدي يرى أن الإرهاصات التي مهدت لانطلاق ثورات الربيع العربي قبل نحو 10 سنوات، هي الإرهاصات التي نشهدها اليوم، والتي تؤذن أيضا بحتمية انطلاق موجة أخرى من الثورات السلمية الشعبية".

مضيفا: "هناك مطالبات بعملية التحول الديمقراطي والمشاركة السياسية وإطلاق الحريات وإنهاء عهود الاستبداد والقمع، وإعادة الاعتبار للشعوب العربية وحقها في العيش بكرامة وإدارة شأنها العام وتقرير مصيرها واستقلال قرارها الوطني".

لم ينكر الأحمدي أن "ثورات الربيع العربي أجهضت بفعل سطوة الثورات المضادة التي مولتها أنظمة النفط، وعملت على وأد طموحات الشعوب العربية المشروعة في التحول الديمقراطي والمشاركة السياسية والحقوق والحريات والاستقلال".

وتابع: "أظهرت الأنظمة الحاكمة وجهها الكالح في مواجهة الشعوب وفي تشديد قبضتها البوليسية القمعية على أي حراك شعبي سلمي، وعملت أيضا على تعزيز أدوات الثورات المضادة على المستوى المحلي في عدد من بلدان الربيع العربي، إلا أن الحراك الثوري لايزال قائما، ولا تزال جذوة الثورة تشتعل في نفوس الشباب العربي".

وأوضح الأحمدي أن الكثيرين أدركوا أنه "لا يزال بمقدورهم الأخذ بزمام المبادرة وإعادة الثورة الشعبية للواجهة مرة أخرى وصناعة التاريخ، رغم سطوة الإعلام والتضليل الذي مارسته الثورات المضادة".

حاجز الخوف

حسب مراقبين، عادة ما تخشى الأنظمة البوليسية في العالم العربي من أي تجمع أو احتجاجات شعبية خشية أن تكون نواة لأي حراك ثوري يطالب برحيل النظام، مثلما حدث خلال الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي التي خرجت للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية قبل أن تتحول إلى مطالبة بإسقاط النظام.

وفي ظل توفر كل الأسباب والعوامل التي تؤدي حتما لاندلاع ثورة جديدة، ما الذي يؤخر حدوثها؟ وهو ما يجيب عنه خبراء بالقول: "الشعوب، فيما يبدو، بحاجة لكسر حاجز الخوف وقول كلمتها، خصوصا أن إيمانها بقضيتها الثورية ويقينها بموقفها من الأنظمة الديكتاتورية القمعية، التي أسفرت عن وجه أشد قبحا من الأنظمة السابقة قد زاد".

كل الدراسات وتجارب التاريخ تقول بأن أي تجمع ثوري من شأنه أن ينجح في تحقيق مطالبه إذا تمكن من كسر حاجز الخوف ومواجهة الآلة القمعية للأنظمة البوليسية، وهو ما حدث في 2011، حيث نجحت الشعوب في إسقاط الأنظمة المستبدة.

وفي هذا يقول الأحمدي لـ"الاستقلال": "الحقيقة أنه في جولات السابقة للربيع العربي كانت ملهمة لكل حراك ثوري أو مطلبي، ليس على مستوى المنطقة العربية، لكن على مستوى العالم، في كسر حاجز الخوف والتعبير عن مطالبهم رغم قسوة الأنظمة المستبدة وقمعها الرهيب في الاحتجاجات والتظاهرات".

وتابع: "بعد ذلك استمرت التظاهرات والاعتصامات رغم كل محاولات عسكرة الثورات، ولا تزال حتى هذه اللحظة تشهد الثورات حراكا سلميا".