"ثورات كالنار".. كيف يرى إعلام عبري مآلات الربيع العربي بعد 10 سنوات؟

12

طباعة

مشاركة

في ديسمبر/كانون الأول 2010، أضرم مواطن تونسي النار في نفسه، بل أكثر من ذلك، أشعل النار لسنوات من الاحتجاجات التي لا تنتهي.. هكذا يتحدث موقع عبري عن "مآلات الربيع العربي".

وقال موقع "ماكور ريشون": إن "يوم 17 ديسمبر 2010 سيُذكر في تاريخ العالم كله وليس في العالم العربي فقط، مأساة إنسانية مريرة فتحت فترة من الأمل الكبير، ولكن كعظمة الأمل كانت شدة خيبة الأمل كذلك.. لقد أصبح الربيع جهنم".

نار في الهشيم

وأشار الموقع العبري إلى أنه في ذلك اليوم في بلدة "سيدي بوزيد" أضرم محمد البوعزيزي النار في ملابسه؛ احتجاجا على الإهانة التي تلقاها عبر صفعة من شرطية، بسبب عربة خاصة ببيع الخضار لكسب لقمة العيش".

وأضاف: أن "رفاق البوعزيزي بدؤوا مظاهرات مناهضة لحكم الرئيس زين العابدين بن علي الأخرق، وامتدت هذه المظاهرات إلى العاصمة تونس".

وبثت قناة "الجزيرة" هذه التظاهرات عبر إذاعة متواصلة تسببت في تدفق حشود من التونسيين إلى التظاهرات المتزايدة وبعد نحو شهر اضطر الرئيس إلى الفرار مع زوجته وأولاده.

وذكر الموقع أن "ابن علي أثناء فراره إلى السعودية، سرق طنا ونصف الطن من الذهب من أقبية البنك المركزي وأخذه معه إلى ملجأ في السعودية".

وأشار إلى أنه اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2011، امتدت المظاهرات إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين والجزائر والأردن والمغرب والعراق والسودان والكويت ولبنان وموريتانيا وحتى السعودية وسلطنة عمان وفي معظم الأماكن.

وتابع: "هدؤوا أو تم تهدئتهم من خلال التدخل الخارجي، مثل السعودي في البحرين، لكن في سوريا وليبيا واليمن استمرت الفوضى الدموية حتى يومنا هذا وجذب القوات الأجنبية إلى الفراغ الحاكم".

وأفاد الموقع بأن "مصر شهدت تغييرات كبيرة في الحكومة بما في ذلك عام من حكم الإخوان المسلمين وأدت هذه التغييرات إلى إضعاف الاقتصاد المهتز بالفعل".

فيما تتأرجح تونس "بين قوى مدنية متعارضة من الإسلام السياسي إلى الليبرالية على النمط الأوروبي"، بحسب "ماكور ريشون".

وأكد الموقع العبري أن "الهدف الأساسي للمتظاهرين كان في بداية رحلتهم الرغبة في القضاء على الديكتاتورية وقسوة قوات الأمن والفساد والبطالة والفقر والجهل والتهميش والشعور بالازدراء الذي تشعر به سلطات الدولة تجاه رعاياهم".

واقع مرير

ولفت الموقع إلى أن "الواقع المرير في معظم دول العالم العربي كان في تناقض صارخ مع الوضع في دول الخليج وأوروبا وأميركا والذي بدأ يظهر للجماهير بفضل وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك".

وأشار إلى أن "الدول التي قادت القومية العربية لسنوات عديدة, سوريا وليبيا والعراق (حيث بدأت بها الفوضى عام 2003) تحولت إلى حروب أهلية وهي تكافح حتى يومنا هذا من أجل البقاء بسبب عدم تجانس سكانها، وأصبحت الجامعة العربية المنظمة التي جسدت الأمة العربية كهيئة تمثل الخارج ووسيطا من الداخل مشلولة تماما".

ويرى الموقع أنه "عندما تتوقف الأنظمة عن الفعالية وتسيطر الفوضى على الفضاء العام، فإن أي شخص لديه القدرة على الهروب يفعل ذلك بأسرع ما يمكن".

وهاجر ملايين العرب إلى بلدان أخرى، بحثا عن بيئة هادئة وآمنة لأنفسهم ولعائلاتهم بشكل كبير، وتوجهوا من الشرق الأوسط إلى تركيا وأوروبا والعديد من البلدان الأخرى تاركين بلدانهم دون القدرة على إعادة بنائها.

في المقابل، يقول الموقع العبري: إن "أخطر العناصر المضطهدة لسنوات عديدة خرجت من الثقوب وانتظرت الفرصة للخروج إلى العلن (..)، وعام 2014 ظهروا  وأسسوا تنظيم الدولة".

ولفت الموقع إلى أن "هذا التنظيم زرع الرعب في قلوب الكثير في أنحاء العالم بأساليب القتل المرعبة، وأدى إلى اتفاق دولي بشأن التدخل الأجنبي خاصة من جانب روسيا والولايات المتحدة".

واعتبر أن "القضاء على داعش لم يؤد إلى موت الفكر الراديكالي في جوهره، بل غيّر مكانه فقط فهو يعيش ويركل ويقتل في سيناء والجزائر وإفريقيا وأوروبا وفي كل مكان فر إليه جنود تنظيم الدولة، ومن حين لآخر كانوا ينفذون هجمات إرهابية، وقد رأينا مؤخرا سكاكينهم تعمل في فرنسا".

الخاسر الأكبر

وأشار الباحث "مردخاي كيدار" في مقاله بموقع "ماكور ريشون" إلى أن "الخاسرين الكبار في الربيع العربي هم على وجه التحديد الشعوب الفقيرة التي نزلت إلى الشوارع بمطالب عادلة تماما".

وأضاف: "لكن هذه الشعوب واجهت قوة لا هوادة فيها ولا مبالاة دولية مدوية تجاه إراقة الدماء بالجملة، وانكشف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نفاقه عندما أدخل في صفوفه على وجه التحديد تلك البلدان المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".

واستطرد قائلا: "تلك المآسي دفعت "الربيع العربي، المشكلة الفلسطينية" إلى هامش المصلحة العامة، ويدرك الكثير من السياسيين العرب أن هذه المشكلة لا تتقدم نحو الحل".

وأشار كيدار إلى أن "أكبر المستفيدين من الربيع العربي هم دول "شبه الجزيرة العربية" (باستثناء اليمن) وأصبحت الدول التي كانت حتى ما قبل 10 سنوات على هامش العالم العربي وبعيدة عن دائرة الضوء، لاعبا أساسيا في جميع التعاملات الدولية مع الشرق الأوسط".

وتابع: أن "الفوضى في الشرق الأوسط سمحت للقوات غير العربية المحيطية والأجنبية باختراقها بقدر ما تشاء، فأنقذت روسيا نظام بشار الأسد، بالمقابل استولت على الجزء الغربي من البلاد ومخزونات الغاز الطبيعي الضخمة في أراضي البحر المتوسط ​​التابعة لسوريا".

كما سيطرت إيران من خلال مبعوثيها مثل تنظيمات "حزب الله" في لبنان والعراق على العراق ووسط وشرق سوريا ولبنان واليمن وغزة، وفق "كيدار".

ولفت كيدار إلى أن "إثيوبيا تشعر بالقوة الكافية ضد مصر لدرجة أنها أقامت سدا على النيل الأزرق يمكن أن يؤدي بملايين سكان مصر إلى نقص مميت في المياه".

وأضاف: "لقد تفكك السودان إلى دولتين (عام 2011)، جنوب السودان والسودان، ومن الممكن أن تستمر عملية التفكك ليس فقط في السودان بل ستمتد إلى دول عربية أخرى".

ويرى كيدار أن "الأسوأ متوقع في المستقبل القريب، تعتزم الإدارة الأميركية القادمة لجو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، وستزيد هذه التحركات من قدرة إيران على التدخل في الدول العربية وإلحاق الموت والدمار بها".

وتابع: "نتيجة لذلك، من الممكن جدا أن نشهد موجة أخرى من الهجرة أو الهروب لملايين من أبناء الشرق الأوسط إلى بلدان أخرى، حيث سيتمكنون من إعادة بناء حياتهم التي دمرها الربيع العربي".

وخلص الباحث في مقاله إلى أنه "يمكن القول إنه كلما زادت الآمال التي صاحبت الربيع العربي في بداية طريقه زادت خيبة الأمل منه".