صورة إسرائيل عند المواطن العربى والرهان على تطويعه

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من المعلوم أن صورة إسرائيل عند الحكومات العربية قد اختلفت، وتريد هذه الحكومات أن يعتنق المواطن نفس الاختلاف. وبعد أن كان سماع راديوا إسرئيل جريمة تحولت الصهيونية من جريمة عنصرية حتى في الأمم المتحدة إلى قومية يهودية من حقها أن تقيم دولة خالصة.

يدرك المواطن العربى الآن أن إسرائيل هي السبب المباشر أو الغير المباشر في تفتيت الدول العربية وفي قهر الشعوب العربية ومحاربة أملها في الحرية. وقد اعتمدت إسرائيل على الولايات المتحدة اعتمادا مكثفا، لكي يقبل الحكام العرب أن السلام الإسرائيلي الذي يتوج نهاية المشروع الصهيوني وينهي الوجود العربي والفلسطيني؛ هو الذى يحقق آمال المنطقة في الاستقرار. وقد كان اتهام المقاومة بالإرهاب أعلى درجات الانكشاف الرسمي العربي لإسرائيل أمام الشعوب.

يدرك المواطن العربي أيضا مقولة جولدا مائير (رابع رئيسة وزراء لإسرائيل في 1969) بأنها ذهلت من رد الفعل الإسلامي على حريق المسجد الأقصى، كما أن بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الحالي) يفخر بأن إسرائيل أحدثت ثورة فى التفكير الرسمي العربي وذلات الحساسيات العربية وأصبح نتنياهو ووزراء يستقبلون فى العواصم العربية استقبال الفاتحين، وظنهم أن فرض هذا الاتجاة على الشعوب يكسر لديها الحذر من الخطر الصهيوني. كما أن بعض القنوات العربية استضافت متحدثين إسرائليين بزعم الإطلاع المتوازن على الحقائق، خاصة وأن اسرائيل لا تمانع في ظهور شخصيات عربية على شاشاتها، وهي تعلم أن اقتحام الشخصيات الصهيونية للبيوت العربية أعلى درجات التطبيع، وكان يتعين على هذه القنوات والصحف التي تنشر مقالات صهيونية أن تعقد مناظرة بين متحدث عربى غير حكومى والضيف الإسرائيلي، كما يمكن التعليق على المقال الصهيوني المنشور فى الصحف العربية.

وقد طرحت إسرائيل والولايات المتحدة سؤالا اعتباطيا منذ سنوات وهو: لماذا يكرهوننا؟! والسؤال الصحيح هو العكس؛ لماذا لا يكرهوننا؟!! 

والحق أن المواطن العربي يواجه غسيلا للدماغ وتغييبا لعقله في حملة التحالف عليه بين الإعلام الصهيوني والإعلام العربي المتصهين فضلا عن التقارب المشبوه بين بعض النظم العربية وإسرائيل، الذي تبوح به صحف إسرائيل وإعلامها وتنشر ذلك على سبيل الفخر وليس بقصد الفضيحة.

المواطن العربي يجد كل الأسباب التي يعتقد أن إسرائيل خطر على الوجود العربي نفسه، وأن اسرائيل تؤمن هيمنتها بالقوة والأسف فإن بعض الحكام العرب قد برر إنسحاقه أمام المشروع الصهيوني، بأن إسرائيل قوية ولا قبل لنا بمجاراتها عسكريا فالأفضل الانبطاح أمامها، لعل ذلك يشبع لديها نزوتها. فإسرائيل كيان وهمي حتى لو أغرم بها ملايين الشباب العربي. كما أنها تمثل الغرب في المنطقة وتنوب عنه في قهر الحكام والشعوب وتمكنه من نهب الثروات العربية وقهر حركات الاحتجاج على العبودية فى العالم العربي وهي تريد أن تلتهم كل فلسطين، كما أنها السبب في غزو العراق وتقسيمه وفي مأساة سوريا واليمن ولبنان وغيره من الأوطان العربية، التى تسللت لديها يد إسرائيل بالضرر.

إسرائيل هي التي اغتالت العلماء العرب النافعين لبلادهم بينما تركت النافعين لها وهي التي أراقت الدماء العربية، واعتدت على الأوطان العربية ودفنت جنودنا في سيناء أحياء فى أرضهم؛ فماذا بقى لإسرائيل حتى لا يكرهها المواطن العربي؟! خاصة وأن إسرائيل أوهمت المنطقة بأنها جاءت لنقلهم من البربرية إلى الديمقراطية ومن الفقر إلى التقدم فاحتكرت الديمقراطية والسراء والنهب وتسببت في خراب العالم العربي والقضاء على محاولات التغيير والديمقراطية فيه.

على الجانب الآخر يعتبر المواطن الإسرائيلي أن العرب يتسمون بالعنف والغنظه والبربرية وأنهم أعداء إلى قيام الساعة. ولا يستبعد بعض المراقبين أنه إذا تفاقمت أطماع إسرائيل ومآسي العرب والفلسطنين، لإلتهم العرب اليهود المغامرين ببقائهم في فلسطين، وأظن أن ذلك محتمل بفعل تطور وسائل الاتصال والتردي الخطير والتجبر الظاهر لإسرائيل ومحاولتها المستميتة لتطويع الشعوب العربية فكريا بعد أن آمنت واهمة أن أصدقاءها الحكام يتولون حمايتها من زفير الغضب العربي كما غنت فيروز ذات يوم.

وقد أفصح سفير إسرائيل في القاهرة منذ عامين في لقاء موسع على صفحات جريدة "المصري اليوم" بأن مهمته هي تحقيق الصداقي بين الشعب المصري والإسرائيلي رغم أن هذا الأخير هو الذي ينتخب أبطال الصهاينة بقدر إراقتهم للدماء العربية؛ فلا التقاء بين الشعوب العربية الساعية إلى العدل والقانون والحقوق المشروعة وبين كيان متكامل جاء خصيصا لزرع الشقاء والخراب في المنطقة العربية.

وأريد أن أطمئن إسرائيل، فرغم غياب الإحصائيات الدقيقة عن اتجاهات الرأي العام في مصر ورغم العلاقات الدافئة والتصريحات الوديي من الحكومة اتجاة إسرائيل، إلا أن الحكومة لا تجرأ على التطبيع مع إسرائيل؛ حتى الرسمي منهم ناهيك عن المواقف النقابية التى لا تزال صامتة رغم زعم البعض أن فصيل معينا سيطر على النقابات وضمن لها عدم التطبيع مع إسرائيل وهو قول يجافي الحقيقة الكاملة.

 هي كما نرى؛ معركة ممتدة بين فريق الدفاع عن الهوية العربية والسلام العادل ولو بشكل وضعي، وبين المشروع الصهيوني وأذنابه اللذين يطمسون الهوية ويصبحون ضد تيار التاريخ، وتغير جينات المنطقة والعامل الحاسم والرهان الأكبر على إدراك الشعوب العربية للأبعاد الحقيقية للمعركة ولحقها لأن تحدد للغرباء شروط إقامتهم في المنطقة، وليس من حق الغرباء أن يحددوا لأبناء المنطقة نمط عيشهم واستعبادهم ونهب مواردهم. ويجب على المثقفين العرب ان يتقدموا في معركة الوعي بلا هوادة واستعادة العقل بلا تأخير وأن يشكلوا هيئة متماسكة للقيام بهذه المهمة.

الكلمات المفتاحية