أزمة الصحراء.. لماذا أجهضت توافقات إسلاميي المغرب والجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

قبل 4 سنوات، وجه حزب "حركة مجتمع السلم" الجزائري، دعوة للأحزاب التي تتشارك معه المرجعية الإسلامية في دول المغرب العربي، لحضور "الملتقى المغاربي للأحزاب الوسطية" في المنطقة.

وكان "الموت السريري" لتكتل الاتحاد المغاربي، موضوع المداخلات التي ألقاها ممثلو الأحزاب من تونس، ليبيا، المغرب وموريتانيا، حيث قال آنذاك رئيس الحزب الجزائري، "عبد الرزاق المقري": إن "الحركة الإسلامية بمختلف أطيافها لها القدرة على بلورة نظريات جديدة لتحقيق حلم وحدة المغرب العربي".

لكن قبل شهر فقط، بدا المشهد مختلفا في مواقف هذه الأحزاب من أزمة معبر "الكركرات" التي اندلعت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر، إذ اختار كل حزب تبني الموقف الرسمي لبلاده.

إسلاميو الجزائر

دعت حركة "مجتمع السلم" (حمس) إلى "تعاون جميع الأطراف في إطار القانون الدولي بغرض التهدئة في منطقة "الكركرات"، وتغليب الحكمة والحرص على تحصين حرمة الدماء بين المسلمين وحفظ المنطقة من الانزلاقات الأمنية التي لا تخدم إلا القوى الاستعمارية وأذيالها المتربصة بالمنطقة بأكملها". 

لكن الحركة شددت في بيان على "التزامها بمبدأ حل القضية الصحراوية من خلال استفتاء تقرير المصير وفق المقررات الأممية الصادرة في هذا الشأن".

وقالت "حمس": "مهما كانت مبررات الأطراف وخلفيات القضية برمتها فإن الاختيار الحر للشعب الصحراوي لمصيره هو ما يساعد على ضمان استقرار المنطقة كلها بشكل دائم ونهائي، وأن سياسة فرض الأمر الواقع تؤدي دوما إلى النزاع والاحتراب".

فيما اعتبر البرلماني والقيادي بالحركة، "نصر الدين حمدادوش"، أن تماهي موقف حركته مع مواقف النظام الجزائري “مؤشر على النضج” في مراعاة خصوصية كل دولة.

أكبر حزب إسلامي في الجزائر، لم يكن الوحيد الذي عبّر عن هذا الموقف، إذ أصدر رئيس البرلمان، "سليمان شنين"، الذي ينتمي إلى حركة "البناء الوطني"، سلسلة مواقف تدعم "البوليساريو"، وتصف الإجراءات المغربية بأنها "اعتداء وخرق لاتفاق وقف إطلاق النار". 

كان موقف "البناء الوطني" -الممثل في البرلمان- أشد حدّة من حركة السلم، إذ أدان الحزب في بيان رسمي ما وصفه بـ"الاعتداءات المغربية"، واتهم الرباط بخرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991، وحذر من "جر المنطقة إلى توترات بدعم غربي".

ومنذ 1975، هناك صراع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة. وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

إسلاميو المغرب

الموقف في المغرب كان مشابها بعض الشيء لما انحازت له الأحزاب الإسلامية الجزائرية، إذ تبنى حزب "العدالة والتنمية" (إسلامي/قائد الائتلاف الحكومي) الموقف الرسمي للدولة.

وأكد رئيس الفريق البرلماني للعدالة والتنمية، "مصطفى إبراهيمي"، "تأييد الفريق بكل قوة، للرد المشروع والحازم للسلطات المغربية، على عرقلة الحركة الطبيعية للتنقل المدني والتجاري، التي تمارسها ميليشيات وعصابات البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية".

وعبّر إبراهيمي عن تقدير الفريق ودعمه الكامل لـ"القوات المرابطة بقوة وعزيمة وحزم، على الثغور"، موجها التحية لردها "الحاسم والمضبوط، الذي أعاد الأمور إلى نصابها، من خلال وضع حزام أمني لتأمين تدفق السلع وحرية تنقل الأفراد عبر الكركرات"، وفق كلمة ألقاها بالبرلمان في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

على النقيض، استنكرت عدد من التقارير نشرتها الصحافة المغربية صمت جماعة "العدل والإحسان" المحظورة (أكبر جماعة إسلامية بالمملكة)، عن أزمة الكركرات، إذ لم تصدر  أي بيان أو تصريح.

ورأى مراقبون، أن "العدل والإحسان" "لا تفرق بين معارضتها للنظام السياسي والتعبير عن الموقف من الوحدة الوطنية ضد أي اعتداء". مشددين على أنه "وجب عليها الانحياز إلى مصالح الوطن مهما كانت وجهة نظر قيادتها".

أستاذ العلوم السياسية، المغربي "إسماعيل حمودي"، قال: إن "الجماعة التي تشتغل من خارج المؤسسات، التزمت الصمت في أزمة الكركرات، إلا أنها تنتصر مبدئيا لمغربية الصحراء وللوحدة الترابية للمغرب، فهي تختلف مع المقاربة المعتمدة في تدبير الملف ككل". 

وتابع في مقال نشره في جريدة "أخبار اليوم" (خاصة): أنه "قد يكون للجماعة موقف مختلف مما جرى في الكركرات، من شأنه أن يزعج الدولة في حال جرى التعبير عنه حاليا، لذلك قررت الصمت حتى تفوّت على خصومها ما ترى أنها في غنى عنه، ما يعني أن الصمت موقف في حد ذاته".

وعن التفاوت في المواقف بين الأحزاب الإسلامية في كل بلد، قال حمودي: إن هذه المواقف "صارت تتماهى أكثر مع المواقف الرسمية لدولها، كلما جرى إدماج هذه الأحزاب في النظم السياسية القائمة". 

واستطرد: "لكن هناك فرضية أخرى، تفيد أن تأثير هذه الأحزاب محدود جدا، لأنها لم تتجاوز بعد مرحلة الإشراك في المؤسسات، ما يجعل تأثيرها محدودا جدا على القرار السياسي، فبالأحرى القرار السيادي".

وتابع: "لا يمكن تحميل هذه الأحزاب مسؤولية قرارات لا تكافئ حجم تمثيلها، لأنها مواقف تتجاوز السلطة السياسية، وتتداخل بقوة مع موقف السلطة العسكرية والأمنية". 

واستدرك حمودي بالقول: "إنها فرضية نتيجتها "حزب براغماتي"، يغلّب مصالحه على مبادئه حين تتعارضان، ويُفضل الهروب إلى الأمام بدل تحمّل المسؤولية الواجبة، وهو سلوك سياسي معهود، ويُعد من سمات الأحزاب السياسية بصرف النظر عن هويتها وأيديولوجياتها".

نقط اختلاف

رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، المغربي "عبد الرحيم المنار اسليمي"، اعتبر في مقابلة تلفزيونية، أن "موقف "مقري" هو ترجمة للموقف الرسمي، ولا يمثل موقف الإسلاميين جميعا".  

وقال اسليمي: “أعتقد أن الإسلاميين في الجزائر الذين قربهم بوتفليقة إلى مربع الحكم يشتركون مع سلطة بلادهم في العداء للوحدة الترابية للمغرب، وهذا موقف غريب لكونهم يتفقون على مجموعة قضايا مع الإسلاميين في المغرب ولكنهم يختلفون معهم في ملف الصحراء”.

وأضاف: أن "الإسلاميين المغاربة وأقصد هنا "العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وشيوخ السلفية" يتمسكون بالوحدة الترابية وبثوابت السيادة المغربية، مقابل ذلك يصطف إسلاميو الجزائر وراء الجيش الحاكم للبلاد الداعي إلى مقولات أسطورية مثل تقرير المصير والاستفتاء، وهي مواقف عدائية للوحدة الترابية المغربية”.

وتساءل اسليمي قائلا: “لا أعرف هل يعي إسلاميو الجزائر أنهم بموقفهم المساند للسلطات الجزائرية يكونوا بذلك مؤيدين لتجزئة بلد مغاربي عربي إسلامي؟”.

وأضاف: “السؤال الآن، لماذا يقف إسلاميو الجزائر مع دعوات التجزئة؟ فهذا الموقف الذي يحمله إسلاميو الجزائر (حركة مجتمع السلم) يخالف مواقف الحركات والأحزاب الإسلامية التي تدعو إلى الوحدة”.

فيما انتقد اسليمي صمت قادة “العدل والإحسان” إزاء التطورات الأخيرة، قائلا: “دعني هنا أسجل موقفا آخرا خطيرا لدى الجماعة التي تخالف موقف "العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح"، وذلك باختيار الجماعة لصمت مريب يصعب تفسيره، فهي حاضرة في كل القضايا وغائبة في قضية وطنية عليها إجماع بين كل المغاربة بمن فيهم الإسلاميون”.

وأكد اسليمي في تصريحه بالإشارة إلى أن موقف إسلاميي الجزائر غير موحد في دعم "الانفصاليين"، موضحا: “ينبغي ملاحظة، أن هناك حركات إسلامية معارضة للسلطة في الجزائر لا تحمل نفس موقف الإسلاميين الرسميين، مثل حركة رشاد".

وأوضح أن "حركة رشاد تعرف جيدا أن السلطة الجزائرية خلقت النزاع مع المغرب لاستعماله داخليا في حكم الجزائريين، ولا ننسى أن المرحوم عباسي مدني (مؤسس حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور) كان له موقف داعم للوحدة وضد التفرقة”، على حد تعبيره. 

من جهته، شدد الباحث المغربي في الحركات الإسلامية، "إدريس الكنبوري"، في تصريح صحفي، على أن "موقف حركة مجتمع السلم طبيعي، لأن الحزب يصطف مع النظام الجزائري؛ وهو أمر مفهوم في السياق الحالي، فكونه حزبا إسلاميا لا يعني أنه غير وطني".