رغم الاستيطان وتهويد القدس.. ماذا يمنع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

33 عاما مرت على اندلاع الانتفاضة الأولى في فلسطين، والتي تفجرت شرارتها في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، بعد دهس شاحنة إسرائيلية سيارة يستقلها عمال فلسطينيون، شمال قطاع غزة، ما أدى لاستشهاد 4 وإصابة آخرين.

رغم أن هذا الحدث أصبح عاديا في الحياة اليومية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الانتفاضة أصبحت شيئا من الماضي لا يتوقع الفلسطينيون حدوثه مرة أخرى.

وتوقفت انتفاضة الحجارة نهائيا مع توقيع اتفاقية "أوسلو للسلام" بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

كان تأسيس السلطة الفلسطينية من مخرجات "اتفاق أوسلو"، والذي ينص على انتهاء عملية السلام عام 1999، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة وغزة)، وهو ما تنصلت منه إسرائيل.

وتسبب رفض إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة، باندلاع الانتفاضة الثانية التي حملت اسم الأقصى (نهاية عام 2000 حتى 2005).

بعد عام 2005، شنت إسرائيل 3 حروب على قطاع غزة استشهد وجرح فيها الآلاف، ودمرت آلاف البيوت، ومررت مشاريع استيطانية ضخمة في الضفة الغربية والقدس. لكن لماذا لم تقم انتفاضة ثالثة؟.

عوامل اقتصادية 

هناك عوامل تمنع الفلسطينيين من البدء في انتفاضة ثالثة مع أن اللحظة التاريخية التي نعيشها تشكل مفصلا تاريخيا في مسيرة القضية الفلسطينية، وفق ما يقول الكاتب أسعد عبد الرحمن.

وأضاف عبد الرحمن بمقالة في 2014 نشرها موقع "لاجئ نت" الفلسطيني: "من هذه العوامل ازدهار الاقتصاد الاستهلاكي الفلسطيني الناشئ الذي ترك آثاره على قطاعات فاعلة وواسعة من مجتمع الضفة الغربية بحيث توصلوا إلى قناعة قوامها أن ثمن الانتفاضة‏ الثالثة ربما يكون باهظا".

وهنا يرى المحلل السياسي عبد الستار قاسم أن الانتفاضة قد ترتبط بحل السلطة الفلسطينية، قائلا: "ليس من الحكمة حلها وترك فراغ إداري يؤدي إلى فوضى في الشارع الفلسطيني، ويقود إلى انهيار اقتصادي ومالي".

ويتابع في مقال نشره موقع "الجزيرة نت" عام 2011 "قد تكون نتائج الفراغ الإداري وخيمة جدا على حياة الناس، ومن المحتمل أن يدفعهم إلى الاستنجاد بإسرائيل مما يضفي شرعية على احتلال بثوب جديد ومقبول عالميا لأنه يستند إلى طلب جماهيري".

وأردف: "أرادت الدول الغربية وإسرائيل حشر الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة في زاوية لقمة الخبز من خلال الرواتب، فشجعت انتفاخ الوظائف الحكومية، ورصدت الأموال من أجل المساهمة بصورة فعالة في صرف الرواتب. ولم ترفض السلطة الفلسطينية مثل هذا التشجيع لأنها كانت معنية برفع التأييد الشعبي لها من خلال التوظيف".

ويؤكد محللون اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية خلال العقود الماضية من الاحتلال، أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على عناصر الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني. 

ويوضح الكاتب نبيل السهلي: "تبعا لذلك سيطرت إسرائيل على أهم مفاتيح هذا الاقتصاد ومقدراته والمتمثلة أساسا في حركة العمال والتجارة الخارجية، فضلا عن المصادر المائية المتاحة، وأبقت اتفاقات أوسلو وما تلاها من اتفاقات اقتصادية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني".

ولفت بمقاله المنشور في صحيفة القدس العربي مايو/أيار 2020 إلى أن هذا الأمر "أوقع السلطة الفلسطينية التي قامت في ربيع 1994 في شرك المساعدات الدولية المشروطة، ما جعل أداءها واستمرارها مرهونين بتلك المساعدات التي لم يتحسسها المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع بشكل مباشر".

أسباب سياسية

في الجانب السياسي، يقول السهلي: "أدى التعنت الإسرائيلي خلال مفاوضات مديدة مع منظمة التحرير الفلسطينية وبدعم من الإدارات الأميركية، إلى عدم حصول الفلسطينيين على أي حق من حقوقهم الوطنية والتي توجت بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية".

ولهذا يرى أن الضرورة تتطلب عقد المصالحة الفلسطينية بأقرب وقت ممكن، حيث "يعتبر ترسيخ الوحدة الوطنية بالفعل لا بالشعارات، وبعيدا عن الأجندات الفصائلية الضيقة، من أهم الحواضن الحقيقية لحماية انتفاضة ثالثة محتملة".

ويسود انقسام بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس"، ومنظمة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" منذ عام 2007، ولم تفلح وساطات واتفاقات في إنهائه، رغم اجتماع الطرفين مؤخرا على رفض صفقة القرن الأميركية المزعومة وخطة إسرائيل لضم أراض بالضفة الغربية.

كما يتعين ألا ننسى أن حصيلة الانتفاضتين السابقتين لم تكن مشجعة، فالأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو الذي لم يحقق الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، وفق الكاتب عبد الرحمن.

ودخلت اتفاقيات أوسلو عمليا حالة موت سريري منذ سنوات، ولم يبق منها سوى القيود والشروط الأمنية المفروضة على الجانب الفلسطيني، غير أن إعلان وفاتها من قبل السلطة الفلسطينية، يتطلب وجود بديل، يتعذر الوصول إليه باتفاق ثنائي في ظل الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات مع إسرائيل.

أما الانتفاضة الثانية فكانت، وفق رأيه، مكلفة جدا وانتهت إلى تبني إسرائيل خطة ما يسمى بـ"الفصل العنصري" التي بدأت بفك الارتباط (الانسحاب من قطاع غزة)، ويمكن أن تنتهي بإقامة دولة مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم فقط.

ولفت الكاتب أسعد عبد الرحمن، إلى أن من عوامل عدم قيام انتفاضة ثالثة، انقسام وضعف وتشرذم القيادة في غزة والضفة، إضافة إلى جلوس الاحتلال الإسرائيلي على صدر الشعب والأراضي الفلسطينية.

إسرائيل مطمئنة 

في عام 2017، نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية مقالا قالت فيه: إن هناك 3 عوامل رئيسية مفقودة في الوقت الحالي، وبدونها يصعب رؤية انتفاضة أخرى.

العامل الأول يتمثل في المصالح المشتركة والتزامن المكاني، إذ إنه في الانتفاضتين الأوليين، اندلعت الشرارة في وقت واحد تقريبا في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس. في الوقت الحالي، لم تتقسم هذه الأماكن جغرافيا فقط إلى حد غير مسبوق، بل هناك أيضا أجندات مختلفة.

ففي غزة، ينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر تنفيذ المصالحة بين فتح وحماس لتخفيف الحصار عن القطاع المحاصر بينما تفكر السلطة الفلسطينية على التنسيق الأمني، في حين يميل الفلسطينيون في شرق القدس إلى أسلوب العصيان المدني للحصول على حقوق قريبة لما يحصل عليه الإسرائيليون.

العامل الثاني وفق الصحيفة العبرية، هو عدم ميل كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس إلى حرب جديدة، لأن غزة ستخسر الكثير (بعد 3 حروب) ورام الله تحاول منع انهيار السلطة التي يعتمد عليها المسؤولون وأفراد الأمن في معيشتهم.

وتقول الصحيفة: إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن يغامر مثلما فعل سابقه ياسر عرفات الذي انتهت حياته محاصرا في مقر المقاطعة في رام الله. 

أما العامل الثالث فهو الخوف من تكرار تجارب مجاورة كما حدث في سوريا واليمن بعد انتفاضتين و3 حروب لم ينس فيها الفلسطينيون مشاهد "الخراب" والقتل"، وفق وصف هآرتس.

وبدوره، قال موقع "سي إن إن" الأميركي: إن الكثير قد تغير منذ وفاة ياسر عرفات، إذ أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى الانتقال من الضفة الغربية إلى إسرائيل، خاصة بالمتفجرات وما إلى ذلك.

وأوضح الموقع في تقرير نشره عام 2014، أنه "لا يوجد هناك دعوة لاستخدام السلاح من قبل القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية. وبدلا من ذلك، هناك تعاون مع السلطات الإسرائيلية لاكتشاف المهاجمين المحتملين".

وكما أشار مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال يعقوب عميدرور وقتها، فإن ما يحدث الآن "بعيد عن" الانتفاضتين الأوليين، فيما يتعلق بالتهديد الشامل لإسرائيل، وفق التقرير.

تأكيدات فلسطينية

في أكثر من تصريح، أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنه لن يسمح بحدوث انتفاضة ثالثة رغم إطلاق الكثير من التهديدات والتحذيرات بعد مضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صفقة القرن التي أدت إلى اعترافه عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.

عباس أعلن في 19 مايو/أيار 2020، أن منظمة التحرير ودولة فلسطين أصبحتا في حل من جميع الاتفاقيات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، ردا على مخطط ضم أراضي من الضفة الغربية لـ"إسرائيل".

وبعد معركة دبلوماسية استمرت 6 شهور من "وقف التنسيق" الأمني و4 سنوات ملحمية انحاز فيها ترامب بشكل كامل إلى تل أبيب، أعلنت السلطة الفلسطينية عودة العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل معولة على الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة جو بايدن.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ: "على ضوء الاتصالات التي أجراها الرئيس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزامها بذلك، عليه سيعود مسار العلاقة مع إسرائيل كما كان".

وتابع الشيخ: "صفقة القرن وخطط الضم لم تعد موجودة على الطاولة، وهذا إنجاز وانتصار كبير تحقق بثبات وصمود الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى رأسها الرئيس محمود عباس".

لكن صحيفة هآرتس الإسرائيلية وصفت إعادة التنسيق بأنه "اعتراف من القيادة الفلسطينية بالفشل"، قائلة: إنها "تعمل بدون إستراتيجية واضحة".

وقالت الصحيفة بعد الإعلان الجديد: "حسين الشيخ حاول إظهار الأمر على أنه انتصار فلسطيني جاء بعد جهود دولية كبيرة بذلها عباس، لكن تنازل السلطة سببه الأزمة الاقتصادية والسياسية التي ألمت بها منذ شهر فبراير/شباط 2018بعد توقف الدعم الأميركي لها".

وأوضحت أنه "لم يبق لدى السلطة مصادر تمويل، كما ساهم انتشار فيروس كورونا في تفاقم الأزمة، ولم يتلق الموظفون رواتبهم (كاملة). فبدون الاقتصاد، لا يوجد هناك مكان للهواء في فلسطين" وفق تعبيرها.

وأعلنت الولايات المتحدة في 2018 إلغاء أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات المخصصة للفلسطينيين بعد مقاطعة السلطة الفلسطينية لها، كما قطعت واشنطن في العام نفسه كامل مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بقيمة 365 مليون دولار.

وقالت هآرتس: "في ظل الواقع المفروض، لم يتبق للسلطة سوى البحث عن سلم يعيدها لطريق إدارة الصراع مع إسرائيل بالأدوات المعروفة، التنسيق والأموال وانتظار مسار سياسي".