مع مجيء بايدن.. ما دلالات حراك السيسي في الملف الفلسطيني؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع مجيء الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وتوقيع اتفاقيتي التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين بواشنطن في 15 سبتمبر/أيلول 2020، ووسط حديث عن تقارب سعودي إسرائيلي، وتطبيع سوداني، وجد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي نفسه بلا أدوار في الملف الفلسطيني.

شهدت المنطقة العربية خطوات متسارعة وشديدة الأهمية إثر زيارة صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره للخليج جاريد كوشنر، والإعلان عن مصالحة سعودية قطرية، وقمّة خليجية مرتقبة تُدعى إليها قطر، وتقارب سعودي تركي، دون وجود للقاهرة بأي مواءمات محتملة.

وإزاء ذلك التجاهل للسيسي وفي ظل تقارب إماراتي شديد مع إسرائيل أضر مصر في عدة ملفات اقتصادية، ظهر تحرك جديد وغير متوقع للسيسي في الملف الفلسطيني الإسرائيلي.

في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، التقى السيسي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقاهرة، وبحثا مستجدات القضية الفلسطينية وعملية السلام بالشرق الأوسط.

زيارة نتنياهو

صحيفة "معاريف"، العبرية، وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، كشفت عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسابيع المقبلة للقاهرة؛ للقاء السيسي لأول مرة في مصر بشكل علني، لكن الصحيفة تحدثت عن اتفاقات اقتصادية محتملة، على غرار ما وقعته أبوظبي وتل أبيب مؤخرا لإرضاء القاهرة.

إلا أن قناة "i24" العبرية الخاصة تحدثت مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2020 عن الجانب الفلسطيني في القمة المحتملة، وأكدت أن "السيسي مهتم باستضافة بلاده قمة سلام مشتركة بين عباس ونتنياهو".

وأضافت: "من شأن استئناف المفاوضات أن يعود بالفائدة على مصر، ويعيد إلى القاهرة بريقها مجددا، كمحور رئيسي في الشرق الأوسط الذي يؤثر إلى جانب دول الخليج".

وفي نفس السياق، كشفت القناة "12" العبرية، 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن اتصالات أجراها السيسي، بهدف استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.

وذكرت أن السيسي أجرى "محادثات منفصلة مع وزيري خارجية الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكنازي، والفلسطيني رياض المالكي، في محاولة لاستئناف المفاوضات بين الطرفين"، لافتة إلى أن عباس "يدعم المبادرة المصرية"، في إشارة إلى اتصالات السيسي بالجانبين.

قبلها وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أجرى السيسي اتصالا هاتفيا مع عاهل الأردن الملك عبد الله بن الحسين، بحث خلاله القضية الفلسطينية، وأهمية إدامة التنسيق والتشاور بين البلدين.

خليل الحية "عضو المكتب السياسي لحركة حماس"، وفي تعليقه على ذلك الحراك، قال: إن السلطة الفلسطينية يتم استدراجها اليوم لتكون جزءا من عملية التطبيع في المنطقة، وإعادة ترتيب الأوراق وخيارات المنطقة لصالح الاحتلال والأميركان.

نشطاء مصريون، سخروا من محاولات السيسي الظهور عبر الملف الفلسطيني وسط تجاهل خليجي له، وقالوا: إن "السيسي لجأ لقمة المصالحة بين عباس ونتنياهو في مصر، لترجع أمّ الدنيا إلى أمجادها"، مؤكدين أنها لن تعود إلا بإسقاط السيسي.

إملاءات ترامب

وحول أسباب ودلالات حراك السيسي بالملف الفلسطيني الآن، أقرّ الباحث السياسي المصري يحيى سعد باحتمال أن السيسي يبحث عبر تلك التحركات عن دور في ظل تغيّر الإدارة الأميركية، ومجيء جو بايدن.

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أضاف سعد: "بجانب أن السيسي يسعى لأن يفتح لنفسه بابا أو طريقا يضمن لنفسه موضع قدم أو خطا للتواصل مع إدارة بايدن، فإنه يمكن إضافة احتمال آخر وهو أن تحركه ربما ليس بمبادرة شخصية منه".

سعد، أوضح رؤيته بالقول: "فلا هو مؤهّل لذلك التحرّك، ولا وضع مصر بهذه المرحلة بات مؤهلا لذلك، وإنما قد يكون تحركه جاء بإملاء من ترامب، في محاولة لتسجيل نقاط بملف السياسة الخارجية الأميركية عبر ملف فلسطين، تضاف لمحاولة إنجاز ملف المصالحة الخليجية قبل مغادرته البيت الأبيض".

ويعتقد الباحث والمحلل السياسي أن السيسي لن ينجح في تحقيق أي حراك بملف القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه "في الأيام المتبقية من ولاية ترامب صعبٌ، اللهم إلا تشويش إعلامي لتجميل صورة إدارة ترامب، حتى إذا ما نجح بايدن فيما بعد، يقال إن الإدارة القديمة هي التي حركت الملف".

وأشار سعد، إلى احتمال أن تكون تحركات السيسي قد جاءت ردا على التجاهل الخليجي له في ملف المصالحة الخليجية، والتقارب السعودي التركي، وأن السيسي أراد أن يقول للخليج: أنا موجود ولدي الملفات المؤثرة التي تعيدني للواجهة الإقليمية والدولية.

الدور المفقود

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، قال لـ"الاستقلال": "الدور السياسي لأي دولة في إقليمها يعتمد على قدرتها على التأثير في الموقف وفرض إرادتها ليس بالضرورة بالقوة الخشنة".

عادل، أضاف: أن "مصر ربما تكون فقدت الكثير من قدرتها خلال العقود السابقة سواء بسبب معاهدة السلام مع الصهاينة، أو تسليم قيادة العمل الدبلوماسي لدول الخليج".

ولفت كذلك إلى "انهيار التأثير الثقافي لمصر على المنطقة؛ سواء عن طريق الفن أو التعليم"، مبينا أن "هذه العوامل تحددها وتبنيها السلطة"، معتقدا أنها "انهارت بشكل كبير".

السياسي المصري، أشار أيضا إلى وجود "عوامل أخرى لها علاقة بالأرض والشعب؛ مثل: الموقع الجغرافي الذي يفرض تأثيرا كبيرا، وكذلك القوة البشرية، وبحكم الطبيعة تمتلك مصر هذين العاملين، وهما ما تحاول السلطة العسكرية الاستفادة منهما ليبقى لها جزء من التأثير بالقضية الفلسطينية".

وأكد أن "وجود حدود طويلة مع الكيان الصهيوني ومشاركة مصر في حصار قطاع غزة مع القوة البشرية الكبيرة، له تأثيره بدون شك، ويحاول العسكر الاستفادة من هذه العوامل، كما حدث في التضخيم الكبير لحادثة تطبيع الممثل محمد رمضان".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، يعتقد كذلك أن "مركز الثقل انتقل من مصر، ومن الصعب استعادتها له في ظل نظام الحكم الحالي".

وجزم بأن "إقامة الاجتماعات في دولةٍ ما ليس بالضرورة يعني قيادتها للعمل الدبلوماسي"، معتقدا أن "الصهاينة يستخدمون كل محور الشر المتصهين -مصر والسعودية والإمارات- لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الاستسلام التام من هذه الدول لهم".

الوقت الضائع

المستشار الإعلامي السابق لحزب البناء والتنمية المصري، خالد الشريف، يرى أن "السيسي يريد أن يجد موطئ قدم من خلال القضية الفلسطينية".

واستدرك بقوله: "لكن هناك تحولات دولية إقليمية في المنطقة، وتغييرات واضحة، فالإمارات أصبحت حليفا مقربا لإسرائيل، وتركيا قوة صاعدة تملك زمام الملف الفلسطيني ولها تأثيرها".

الشريف، أوضح رؤيته لـ"الاستقلال" مشيرا إلى أن "مصر تريد استعادة قوتها التي تلاشت بعد الانقلاب واستدراك ما فاتها، لكن في الوقت الضائع".

وفي رؤية فلسطينية لتحركات السيسي حول الملف الفلسطيني، أشار صلاح الدين العواودة الباحث في الشأن اﻹسرائيلي لدى مركز "رؤية للتنمية السياسية" بإسطنبول، إلى ما نشرته صحيفة "معاريف" قبل أيام أن "نتنياهو ينوي زيارة مصر بعد أسبوعين، دون تأكيد رسمي من أي جهة".

الباحث الفلسطيني أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": أن "بعض المعلقين في الإعلام العبري كتبوا عن وجود قلق بالعلاقة مع مصر، وخصوصا في ظل الهجوم الإعلامي، لا سيما الرسمي منه على الممثل محمد رمضان، بسبب صورته مع نظيره الإسرائيلي في دبي".

"وفي ظل التطبيع مع دول الخليج والسودان والحديث عن خطوط للتجارة والطيران والنفط بين الخليج والاحتلال مباشرة وعلى حساب قناة السويس، تشعر مصر وكأنها خرجت من المولد بلا حمص"، واصل العواودة رصد الموقف المصري.

وأكد أنه "في هذا السياق يعود النظام المصري للبحث عن مكان في الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه نتنياهو بعيدا عن مصر"، فيما أسماه "مكانا لمصر تحت شمس نتنياهو".