لن تصبح هناك حاجة للكلام.. هكذا تسعى التكنولوجيا لقراءة أفكارنا

إسطنبول - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يتضايق الكثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من ظهور إعلانات على صفحات عن منتج كانوا يتحدثون عنه عبر الهاتف، أو بحثوا عنه على غوغل، لكن بعد سنوات لن تصبح هناك أي حاجة للكلام أو البحث؛ فالأجهزة ستقرأ أفكارنا.

تتطور تكنولوجيا الاتصالات بوتيرة سريعة، وقد نتمكن في المستقبل البعيد من التواصل عن طريق إرسال أفكارنا عبر شبكة مباشرة إلى دماغ شخص آخر.

أصبح العالم على بُعد عقود من هذه التكنولوجيا؛ حيث يعمل العلماء بالفعل على إنشاء واجهات بين الدماغ والحاسوب تسمح للناس بنقل الأفكار مباشرة إلى الكمبيوتر، ربما بعد 50 عاما من الآن سنستخدم جميعا نسخة إلكترونية من التخاطر.

ويتزامن نمو قوة أجهزة الكمبيوتر الحديثة، مع فهم العلماء للدماغ البشري، وبالتالي نقترب من تحويل بعض الخيال العلمي إلى واقع.

مراكز البحث تروج في هذا الاتجاه، ورغم أن النتيجة ستكون مكسبا حقيقيا بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة، لكنها في الحقيقة أهم اختراق تكنولوجي منذ عقود.

قراءة الأفكار

مؤخرا، موّل الجيش الأميركي أبحاثا تشبه الخيال العلمي؛ إذ سيتمكن الجنود مستقبلا من التواصل مع زملائهم دون كلام بينهم أثناء العمليات، وذلك وفقا لبحث جديد حول فك تشفير الإشارات من الدماغ.

ونجحت النتائج - التي يمولها مكتب أبحاث الجيش الأميركي بمبلغ 6.25 ملايين دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة - في فصل إشارات الدماغ التي تؤثر في السلوك عن الإشارات الأخرى.

وأفاد موقع "سي 4 آي إس آر نت" المتخصص بتكنولوجيا الدفاع، أن تطوير هذه التكنولوجيا قد يستغرق عقدين، لكن يتم أخذ المبادرة على محمل الجد.

في الوقت نفسه، أفاد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أن شركة "أوبن إيه آي" الناشئة لأبحاث الذكاء الاصطناعي كشفت عن تطويرها خوارزمية "جي بي تي-3" الجديدة القادرة على إنتاج النصوص.

تملك خوارزمية الذكاء الاصطناعي المتقدمة الجديدة لتوليد النصوص "جي بي تي-3" (GPT-3) القدرة على كتابة التغريدات والقصائد الشعرية، وتلخيص رسائل البريد الإلكتروني، والترجمة من وإلى لغات عدة؛ بل وحتى كتابة برامج الحاسوب الخاصة بها.

الشركة أمضت أشهرا في تطوير النظام الجديد من خلال تلقينه مداخل ومخارج اللغة الطبيعية عبر تحليل آلاف الكتب الرقمية، وجميع محتوى ويكيبيديا، وما يقارب تريليون كلمة نُشرت على المدوّنات، ومنصّات التواصل الاجتماعي، والإنترنت بوجه عام.

وأذهلت هذه المهارات الخبراء، وعدّ كثير من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أن هذه الخطوة غير متوقعة في مجال الآلات التي يمكنها فهم تقلبات اللغة البشرية، وربما حتى التعامل مع المهارات البشرية الأخرى.

وتساعد هذه الأنظمة -المعروفة باسم قوالب اللغات العالمية- في تشغيل مجموعة واسعة من الأدوات، على غرار الخدمات التي تلخص تلقائيا المقالات الإخبارية، و"روبوتات الدردشة" المصممة للمحادثات عبر الإنترنت، وحتى الآن كان تأثير هذه الأنظمة في تكنولوجيا الواقع ضئيلا.

التلاعب بالعقول

بعض الخبراء يشعرون بالقلق من أن نماذج توليد نصوص مثل هذه يمكن أن تساعد في نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وبما أن خوارزمية "جي بي تي-3" تولد النص الصحيح في أغلب الأوقات فقط، فهل يمكنها إرضاء المحترفين؟.

من غير الواضح أيضا ما إذا كانت هذه التقنية ستمهد الطريق نحو تصميم آلات محادثة حقيقية، فضلا عن أنظمة ذكية بالفعل.

علماء الأعصاب في الوقت الحالي، أعلنوا أنهم تعلموا فك تشفير وتحليل الإشارات العصبية التي ينتجها الدماغ، والتي تنظم السلوك من بقية مخرجات العضو.

كان الفريق قادرا باستخدام خوارزمية على تحديد إشارات الدماغ التي توجه الحركة، أو الإشارات ذات الصلة بالسلوك، ثم إزالة تلك الإشارات من إشارات الدماغ الأخرى، أي الإشارات التي لا صلة لها بالسلوك.

لن تكتفي التكنولوجيا بقراءة ما في عقولنا فقط، بل يريد الباحثون أن تصل إلى نقطة، يمكنها فيها تقديم نتائج مباشرة إلى الدماغ من أجل تغيير أفعالنا بسرعة في سيناريوهات حساسة، ويمكن أن يشمل ذلك إشارات الإجهاد والتعب التي يصدرها الدماغ قبل أن يدرك الشخص أنه متعب.

وفي التجارب، راقب الباحثون في الجامعات الأميركية والبريطانية تصرفات قرد يحاول الوصول إلى الكرة من أجل فصل إشارات الدماغ الحركية عن الأنشطة الأخرى.

ويتطلع الباحثون الآن إلى التعرف على إشارات أخرى خارج الحركة، وتهدف الأبحاث بشكل أساسي إلى أن يكون الحاسوب في وضع الاتصال الثنائي الاتجاه مع الدماغ.

ويُعد تطوير واجهة الدماغ والحاسوب تطورا طويل الأمد في صناعة التكنولوجيا؛ حيث عرضت شركة "نيرولينك" حديثا واجهة الدماغ والحاسوب، التي تأمل أن تسمح بالتعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

تحديات "الجمجمة"

ورغم أن المسارات التي تسلكها الإشارات تكون معزولة بشيء يسمى "المايلين"، فإن بعض الإشارات الكهربائية تتسرب، ويمكن للعلماء اكتشاف هذه الإشارات وتفسير ما تعنيه واستخدامها لتوجيه جهاز من نوع ما، ويمكن أن تعمل أيضا بالعكس. 

على سبيل المثال: يمكن للباحثين معرفة الإشارات التي يرسلها العصب البصري إلى الدماغ عندما يرى شخص ما اللون الأحمر، ويمكنهم أيضا تجهيز كاميرا ترسل تلك الإشارات الدقيقة إلى دماغ شخص ما عندما ترى الكاميرا اللون الأحمر.

واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الباحثين في مجال واجهة الدماغ والكمبيوتر اليوم: هي الآليات الأساسية للواجهة نفسها، فالطريقة الأسهل والأقل تدخلا هي مجموعة من الأقطاب الكهربائية - جهاز يعرف باسم مخطط كهربية الدماغ (EEG) - متصل بفروة الرأس.

ويمكن للأقطاب الكهربائية قراءة إشارات الدماغ، ومع ذلك، فإن الجمجمة تحجب الكثير من الإشارات الكهربائية، وتشوه ما يدخل، وللحصول على إشارة عالية الدقة، يمكن للعلماء زرع أقطاب كهربائية مباشرة في المادة الرمادية للدماغ نفسه، أو على سطح الدماغ، تحت الجمجمة.

هذا يسمح باستقبال مباشر أكثر للإشارات الكهربائية، ويسمح بوضع القطب الكهربائي في منطقة معينة من الدماغ حيث يتم توليد الإشارات المناسبة. 

لكن هذا النهج فيه العديد من المشاكل، ويتطلب جراحة لزرع الأقطاب الكهربائية، وتميل الأجهزة المتبقية في الدماغ على المدى الطويل إلى تكوين نسيج ندبي في المادة الرمادية.

الإنسان الآلي

وكالة "ناسا" أجرت مؤخرا بحثا عن نظام مشابه، لكنه يقرأ الإشارات الكهربائية من الأعصاب في منطقة الفم والحلق، وليس مباشرة من الدماغ.

ورغم كل هذه الصعوبات التي تمنع التكنولوجيا من اختراق العقول، خرجت أبحاث تفيد بأن الدماغ البشري لا زال يتطور، واستمرت دراسة قام بها الدكتور بروس لان، من جامعة شيكاغو، في تتبع تغير الجينات في الدماغ بشكل طفيف. 

وأفاد موقع "هاو ستاف وورك" -نقلا عن الدراسة- أننا كبشر نتمتع بقشرة مخّية حديثة أكبر بكثير، وأن هذه المنطقة من الدماغ هي المكون الرئيس الذي يفصلنا عن الأنواع الأخرى؛ فهي تسمح لنا بالتفكير العميق واتخاذ القرارات وتشكيل الأحكام.

ورغم أن دماغنا قد خدمنا جيدا حتى الآن.. فمن المؤكد أنه يحتوي على بعض العيوب، لكن حتى وقت قريب اعتقد العلماء أننا قد انتهينا من التطور، وأننا وصلنا إلى نوع من القمة التطورية، لكن الآن يعتقد بعض الباحثين أننا لم ننته تماما.

التفكير في الإنسان الآلي قد يجعلك تشعر بالقلق، خاصة إذا كنت قد شاهدت فيلما صغيرا بعنوان "The Terminator"، وشعرت بأنه قد يقوم بالكثير من المهام التي يمكنك إنجازها.

تزايد اعتمادنا على أجهزة الكمبيوتر أصبح يعزز ذلك، وانسحاب البشر من الأجزاء القائمة على الآلة قد تحسسهم بأنهم غير قادرين على التنافس بنجاح مع الأنواع الجديدة، لكن هناك بعض المهارات ستظل حبيسة عقل الإنسان وحده، ولا يمكن أن تمتلكها أدمغة الكمبيوتر، مثل الإبداع.