سياسي جزائري: الحكومة التي عينها بوتفليقة ميتة وستسقط قريبا (حوار)
مساء الثلاثاء 2 أبريل/نيسان 2019، كانت لحظة فارقة في تاريخ الحراك الشعبي بالجزائر المستمر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، فبعد أقل من ساعة من انتهاء اجتماع قيادة أركان الجيش، تلاشت المقاومة السياسية التي أبدتها مؤسسة الرئاسة والعناصر المؤثرة فيها، ليعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إنهاء حكمه للجزائر الذي استمر 20 عاما.
الاستقالة التي جاءت في وقتها نوعا ما، وقبل 26 يوما من انتهاء ولايته رسميا، كانت تخفي وراءها صراعات بين أجنحة النظام، وتحركات عديدة شهدتها البلاد خلال الأيام الأخيرة، كما أنها تفتح صفحة جديدة من تاريخ الجزائر المعاصر.
المعارض السياسي الجزائري والقيادي في حركة رشاد محمد العربي زيتوت المقيم في لندن، في هذا الحوار مع "الاستقلال" يقدم قراءة للمشهد الحالي وأفق ومستقبل الحراك في البلاد.
المرحلة الانتقالية
- برأيك هل استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كانت استجابة للحراك الشعبي أم لأسباب أخرى، خاصة أنها جاءت بعد ساعة واحدة من انتهاء اجتماع قيادات الجيش؟
كانت البداية عندما خرج مئات الآلاف من الجزائريين في 22 فبراير/شباط 2019، في مختلف الولايات رافضين ترشح بوتفليقة لولاية خامسة ومطالبين برحيل النظام، قبلها أعلنت العصابة (كما وصفها قائد أركان الجيش في بيان 2 أبريل/نيسان) ووسائل إعلام النظام وذبابه الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي أنّه لن يستجيب أحد لدعوات النزول إلى الشارع، كما صرح رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى أنّ الحكومة تعرف كيف تتحكم في الشعب، لكن خروج الجزائريين بهذه الحشود في الشوارع أربك النظام وداعميه في الخارج، ثم جاءت انتفاضة الطلبة في 26 فبراير/شباط 2019 وهو ما أكّد أن الحراك هو حراك الشعب بأكمله.
بعد خروج الطلبة بدأت التهديدات من رئيس الحكومة وقيادة الجيش ووسائل الإعلام وكل من يتبع العصابة الحاكمة، رغم ذلك خرج الملايين في جمعة 1 مارس/آذار 2019، ليتكرر خروج الجزائريين بالملايين في جمعات متتالية، حتى جاءت جمعة 15 مارس/آذار، ليعلن قائد أركان الجيش قايد صالح يوم 18 من الشهر نفسه بضرورة إيجاد حل للوضع قبل أن يطالب يوم 26 مارس بضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على عدم أهلية الرئيس في إدارة شؤون البلاد والإعلان على شغور منصبه.
- هل موقف قائد الأركان الذي فتح الصراع بين أجنحة الحكم؟
هذا الموقف أثار بالفعل حفيظة الجناحين الآخرين للسلطة في الجزائر التي تحكم تقليديا بـ 3 أجنحة، الرئاسة، والجيش، والمخابرات، جناحا الرئاسة والمخابرات ناورا بالدعوة لعهدة خامسة بعام واحد، ومن ثم التمديد للعهدة الرابعة وهو ما كان مرفوضا شعبيا، وبدأ بعده قصف إعلامي لقيادة الجيش تقوده جهات مقربة منهما.
كما عقد اجتماع جمع قائد المخابرات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق) والرئيس الحالي للمخابرات بشير طرطاق وشقيق الرئيس السعيد بوتفليقة والمخابرات الفرنسية، حسب زعم قناة الشروق المقربة من قيادة الجيش، ليعلن من بعدها عن اجتماع بين الجنرال توفيق والرئيس السابق لمين زروال، وهو ما دفع قايد صالح إلى التصعيد بعد خشيته من الإطاحة به، في حالة قبول زروال بإدارة المرحلة الانتقالية، فاتجه لإصدار البيان شديد اللهجة واعتقال شقيقي الرئيس بوتفليقة (سعيد وناصر) في الوقت الذي كان يجتمع بالقيادات العسكرية، كما وردت أخبار غير مؤكّدة عن اعتقال رئيس جهاز المخابرات.
- لكن ما هو مصير المحيطين ببوتفليقة الآن بعد استقالته واعتقال شقيقيه؟
شخصيا أنا وعدد من المقاومين الأحرار نطالب باعتقالهم الآن وفورا، لكنهم سيمرون بمرحلتين حسب توقعاتي، أولا سيتم الإطاحة بهم من مناصبهم السياسية والإدارية ومناصبهم داخل أحزابهم، لأن هذا مطلب شعبي، وفي مرحلة أخرى سيتم اعتقالهم لأنّهم فاسدون ماليا وشركاء في "العصابة" الحاكمة، وهذا سيمنح شعبية كبيرة لقائد أركان الجيش (قايد صالح)، وهم الآن على قائمة الممنوعين من السفر.
- بعد استقالة بوتفليقة وحسب مقتضيات الدستور، رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح سيكون هو رئيس البلاد، والحكومة التي عينها بوتفليقة ستواصل عملها إلى حين انتخاب رئيس جديد، هل هذا يعتبر حلاّ مرضيا لكم؟
الحكومة التي عينها بوتفليقة هي حكومة ميتة وستسقط قريبا إن شاء الله، يوم الجمعة المقبل 5 أبريل/نيسان سيخرج الجزائريون إلى الشوارع لرفض استمرار هذه الحكومة والمطالبة بإسقاطها كما تم إسقاط لعمامرة والأخضر الإبراهيمي الذي اختفوا من المشهد، رغم يقيني بأنهم لازالوا يتحركون في الخفاء، وإدارة المرحلة الانتقالية بهؤلاء الأشخاص المرفوضين شعبيا خطأ كبير لا يمكن القبول به.
خارطة الطريق
- ما الحل حسب رأيك؟ هل تمتلكون خارطة طريق أخرى لإدارة المرحلة الانتقالية؟
نحن طرحنا في مبادرة "أرضية من أجل التغيير" رؤيتنا للمرحلة الانتقالية من أجل الوصول بالبلاد إلى نظام سياسي ديمقراطي يحقق مطالب الشعب في الحرية والكرامة، هذه المرحلة تقودها شخصيات سياسية مستقلة وليس لها مطامع في الحكم، هذه الخارطة تنطلق بإقالة الحكومة وحلّ المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) ومجلس الأمّة ((الغرفة الثانية للبرلمان) والدخول في مرحلة انتقالية تمكّن الشعب من تحقيق مشروعه الوطني.
ومن ثمّ تشكيل "رئاسة جماعية (مجلس رئاسي)" مكوّنة من شخصيات وطنية نزيهة تتعهّد بعدم البقاء في السلطة في نهاية الفترة الانتقالية وتشكيل "حكومة إنقاذ وطني" تعيّنها "الرئاسة الجماعية" وتُكلّف بتصريف أعمال الدولة، كما يتم إطلاق نقاش (حوار) وطني جامع يحدّد الجوانب العملية لتعديل الدستور وتنظيم انتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية، مع ضرورة التزام الجيش الوطني الشعبي والأجهزة الأمنية بضمان مهامّهم الدستورية دون التدخّل في خيارات الشعب السياسية.
- لكن هذه الخارطة تعتبر خارج الإطار الدستوري الحالي؟
نعم، الدستور الحالي أسقطته العصابة بعد عدّة اختراقات له، وهذا ما أكّده القايد صالح الذي وصفهم بالعصابة اللادستورية التي تقود البلاد منذ سنوات، وهذا الدستور عدّل في 2016 ولا يمكن القبول بدستور أنشأته العصابة، وفي ظل تواجد الشرعية الشعبية في الشارع فهي التي تحكم وهي فوق أي قانون وضعي.
- ألا تعتقد أن هنالك ثقة مفرطة في قايد صالح وقيادة الجيش؟
نحن نسعى من أجل تحقيق ما يريده الشعب لا ما يريده قايد صالح والجنرالات، نحن ساندناهم في مواقفهم ضدّ العصابة، قديما لمّا كنا نصف النظام بالعصابة كانوا يهاجموننا واليوم هم يصفونهم بها، لكن على الجيش أن يبتعد عن السياسة والسلطة ويصرف جهوده في مهمته الأصلية في حماية البلاد.
يمكن في هذه المرحلة الانتقالية أن يتواجدوا كضامن للمرحلة الانتقالية فقط بشكل مؤقت، أمّا أن يقوموا بما قام به المجلس العسكري في مصر فهذا مرفوض ولن نقبل به ولن يمرّ، وبمجرّد مساندته لبن صالح (رئيس مجلس الأمة) وحكومة البدوي (نور الدين بدوي) فإنّه سيسقط من أعين الناس وسيرفضه الحراك.
حراك مستمر
- في تونس ومصر بعد الثورة تم حل الأحزاب الحاكمة، هل تحملون في الجزائر نفس المطالب؟
مطالبنا في الحراك وهدفنا هو إسقاط الأحزاب الحاكمة الأربع وحلّها، وهي حزب جبهة التحرير، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الشعبية الجزائرية، وتجمع أمل الجزائر، وأنا دعيت منذ انطلاق الانتفاضة إلى حل هذه الأحزاب باعتبارها جزء من العصابة وهي أحزاب إجرامية، وفي النهاية هذه الأحزاب ستسقط.
- مازالت الدعوات متواصلة للتحرك يوم الجمعة المقبلة، ماهي الشعارات التي تدعون لرفعها؟
المطالب والشعارات الرئيسية للتظاهرات يوم الجمعة (5 أبريل/نيسان الجاري)، ستطالب بالأساس بإسقاط حكومة بدوي، وإسقاط رئيس مجلس الأمة بن صالح، وإسقاط المجلس الدستوري، والمطالبة بإبعاد كل رموز مرحلة بوتفليقة من المشهد السياسي والمجيء بشخصيات وطنية ذات مصداقية لإدارة المرحلة الانتقالية، ومن ناحية أخرى رفع شعارات برفض التدخل الخارجي وفي مقدّمته التدخّل الإماراتي الذي قام ومنذ الأيام الأولى للحراك بمحاولة ضربه، وأجدّد مطالبتي بقطع العلاقات مع الإمارات.
- الآن بعد سقوط بوتفليقة، هل تفكّر في عودة قريبة لوطنك؟
صحيح نحن لا نسكن الوطن ولكنّ الوطن يسكننا، أتمنى في كل لحظة أن أكون مجدّدا في الجزائر، لكن يبقى هنالك تفكير جماعي مع عدد من اللاجئين السياسيين الجزائريين والمهجرين من بلادهم من أجل البحث عن الطريقة المثلى للعودة.
نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وإرادة الشعوب لا تقهر، معركتي مع النظام دامت قرابة ربع قرن وثبتنا فيها بفضل الله، وها نحن اليوم نقطف ثمارها الأولى، لازالت المعركة طويلة بكل تأكيد ولكن الشيء الأساسي في كل هذا أنّ الثبات على الحق وعلى المبدأ هو الذي سينتصر في النهاية.