"ماكرون يتألم".. لماذا غضب من الاتفاق التاريخي بين أرمينيا وأذربيجان؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقعت أرمينيا وأذربيجان على اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في إقليم قره باغ المتنازع عليه، وانسحاب الأرمن من مساحات واسعة من الإقليم التابع لأذربيجان.

فرنسا وهي إحدى دول مجموعة مينسك (الخاصة بحل نزاع الإقليم) بجانب أميركا وروسيا، لم يرق لها ذلك الاتفاق، وبدت رغبتها في خلط الأوراق مجددا في هذه القضية المشتعلة منذ عام 1992.

في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020 صدقت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى للبرلمان) على قرار يحث حكومة باريس على الاعتراف بقره باغ كجمهورية مستقلة، بغية نزع سيادة أذربيجان عليها، ودفع مواطني قره باغ للتمرد على الحكومة الأذرية في الإقليم.

قرار فرنسا كان بمثابة الاستفزاز لأذربيجان، وبدا بمثابة دعوة لصب الزيت على النار وتأجيج الصراع من جديد في الإقليم الأذري، ما دفع الخارجية الأذرية لاستدعاء سفير باريس في العاصمة باكو، زاكاي غروس، وسلمته مذكرة احتجاج.

رد أذري

القرار قدمته مجموعة حزب الجمهوريين (حزب الرئيس إيمانويل ماكرون)، وحصل على موافقة بأغلبية 188 صوتا، مقابل معارضة 3 أعضاء في الجمعية الوطنية، وامتناع 16 آخرين عن التصويت.

اللافت في الأمر أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اعترض بشدة على هذا القرار، وقال أمام الجمعية الوطنية في باريس: "الحكومة تعارض قرار الاعتراف بناغورنو قره باغ كجمهورية مستقلة، وذلك من أجل الحفاظ على دور فرنسا كوسيط دولي لحل أزمة هذا الإقليم بين أذربيجان وأرمينيا".

الوزير شدد على أن مثل هذا القرار "قد يعني استبعاد أنفسنا من الرئاسة المشتركة لمجموعة مينسك -التي تضم باريس وموسكو وواشنطن- في البحث عن حل لهذا الصراع، وسيشكل ذلك تخليا عن دورنا كوسيط"، مضيفا: "أن أصدقاءنا الأرمن أنفسهم لا يطلبون ذلك".

مسؤولو الخارجية الأذرية أكدوا للسفير الفرنسي أن القرار يخالف ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، الصادرة بتاريخ 1993، وقواعد ومبادئ القانون الدولي، واتفاقية "هلسنكي" (عام 1975 لوضع أسس جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية)، بحسب الأناضول.

من جانبه، ألقى الرئيس الأذري إلهام عليف خطابا استنكر فيه قرار الجمعية الفرنسية بالاعتراف بقره باغ كجمهورية مستقلة، ودعا الفرنسيين -ساخرا- لإعطاء مرسيليا للأرمن، في دعوة تشير إلى أن فرنسا تمنح ما لا تملك، والأحرى بها أن تمنح ما تملك.

وأضاف عليف في خطابه قائلا: "بلدان تبعدان آلاف الكيلومترات تسن قوانيننا، وبرلمانات تناقش قضية قره باغ"، متسائلا: "ما شأن البرلمان الفرنسي بقضيتنا؟".

علاوة على ذلك، انتقدت سفارة أذربيجان لدى باريس القرار الذي صدقت عليه الجمعية الوطنية، وقالت السفارة في بيان: إن تصديق الجمعية على القرار يعتبر دليلا على استمرار الافتراءات والحملة الهستيرية ضد أذربيجان، منذ 27 سبتمبر/ أيلول 2020.

ووصفت السفارة التصديق على القرار بأنه خطوة استفزازية وعدائية ضد أذربيجان، لافتة إلى أن الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى مواقف مؤيدة لأرمينيا بناء على أسس خاطئة، مؤكدة أن القرار يعتبر انتهاكا للقانون الدولي والالتزامات الدولية لفرنسا، وأنه يتعارض مع مساعي إحلال الأمن والسلام في المنطقة.

عرض الحائط

قرار الجمعية الوطنية الفرنسية بالاعتراف بإقليم قره باغ جمهورية مستقلة، بالقدر الذي يعارض بشكل صارخ موقف الأمم المتحدة التي تعترف بسيادة أذربيجان على الإقليم.. فإنه في ذات الوقت قد أهمل الاتفاقية التي أبرمت بين أذربيجان وأرمينيا، والتي أقفل بموجبها ملف القضية.

قرار الجمعية الوطنية سبقه بأكثر من أسبوع إقرار مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان) مشروع القرار ذاته، الذي يعد بمثابة التوصية التي يأخذ بها الرئيس ماكرون بعين الاعتبار في سياسته الخارجية.

العجيب في الأمر: أن الاعتراف بالإقليم كجمهورية مستقلة أتى بعد أقل من شهر من سيطرة أذربيجان على أراضي الإقليم وبسط سيادتها عليها، في حين أن الإقليم ظل تابعا لأرمينيا لأكثر من 28 سنة، من غير أن تنادي فرنسا باستقلاله أو تعترف به كجمهورية مستقلة، ما يعني: أن فرنسا تمارس مناكفة هزيلة، لا مبرر قانوني لها، على الأقل في نظر الفرنسيين.

البرلمان الأذري طالب باستبعاد فرنسا من الوساطة، بينما نددت تركيا بما اعتبرته "نموذجا لتجاهل مبادئ القانون الدولي لاعتبارات سياسية داخلية".

وصرح الرئيس الأذري إلهام علييف بأن فرنسا جزء من المشاكل لا جزء من الحلول، وتساءل في خطابه قائلا: "كم سنة ترأست فرنسا مجموعة مينسك؟ هل اتخذت خطوة واحدة لحل المشاكل؟ والآن حين انتهت الحرب، انظروا ماذا يحدث، مجلس الشيوخ الفرنسي يتخذ قرارا بالاعتراف بجمهورية قره باغ".

شعور بالهزيمة

شعرت فرنسا بالهزيمة جراء استسلام حليفتها أرمينيا وتسليمها للأراضي المتنازع عليها، لا سيما أن هذا النصر قد قيد لصالح أذربيجان -ومن ورائها تركيا- العدو التقليدي لفرنسا.

عبَّر عن ذلك قول أحد أعضاء مجلس الشيوخ: "إذا كان لذلك الصراع بُعد آخر -غير المحلي- فإنه بسبب التدخل الحاسم والفظيع لتركيا والسيد أردوغان، تحت مسمى سياسة توسعية عثمانية، وتحت مسمى سياسة قومية إسلامية".

في هذا السياق، قال الباحث في مركز المشكلات الاجتماعية بمعهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، سيرغي فيدوروف، في حديثه لـ"روسيا اليوم": "إصدار مجلس الشيوخ قرارا بالاعتراف بقره باغ سيبقى مجرد إعلان سياسي".

مضيفا: "أن الوضع الآن في ناغورني قره باغ معقد للغاية، والعلاقات بين تركيا وفرنسا قابلة للانفجار، ويمكن لمثل هذه الخطوة السياسية أن تجعل الكيل يطفح، وأن تؤدي إلى صراع خطير".

وحسب فيدوروف.. فإن القرار الذي يعترف باستقلال ناغورني قره باغ مجرد "لفتة رمزية من باريس، ومن غير المرجح أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو فرنسا، علاوة على ذلك -من أجل منح هذا القرار قيمة حقيقية- يجب أن تبنيه من قبل البرلمان الأوروبي، وهذا أمر مستبعد للغاية".

وأضاف: "الوضع الروسي أكثر تعقيدا. فلا يمكننا إفساد العلاقات مع أرمينيا أو أذربيجان، ولا يمكننا الانحياز إلى أي طرف. روسيا، تقوم بدور حفظ السلام، ولسنا في حاجة إلى قرار يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع مرة أخرى".