خالد الحلبي.. ضابط مخابرات أجرم بحق السوريين وكافأته إسرائيل

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية هروب ضابط مخابرات النظام السوري خالد الحلبي، إلى الواجهة من جديد، لتثير جدلاً واسعاً خلال الأسابيع الماضية، بعدما كشفت تقارير إعلاميةٌ غربيَّةٌ، تعاون عددٍ من أجهزة المخابرات -وتحديداً "الموساد" الإسرائيليفي هروبه من سوريا عام 2013 ومساعدته للحصول على اللجوء في النمسا عام 2015.

"الحلبي" -الذي كان يحمل رتبة عميدٍ، شغل منصب مدير مخابرات النظام في الرقة للفترة ما بين 2009-2013- يواجه حالياً دعاوى قضائيةً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ لارتباطه بتعذيب سجناء وقتلهم وانتهاكهم جنسياً، وفق تقاريرَ صحفيةٍ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

عميلٌ مزدوجٌ

عام 2013 عندما انشق الحلبي، كانت هناك شكوكٌ تدور حول بقاء نظام الأسد، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013 كانت الرقة أول محافظةٍ تسقط في يد المعارضة، وتسلل الحلبي مع حشدٍ من اللاجئين الذين فروا من المدينة باتجاه تركيا.

وتفيد تقارير صحفيةٌ، بأن الحلبي ينحدر من مدينة السويداء وانخرط في العمل بأجهزة مخابرات النظام في كل من السويداء وحمص والرقة؛ حيث كان في شعبة "الأمن السياسي" قبل هروبه من سوريا.

وصل الحلبي إلى باريس مطلع 2014، حيث ساعده عملاء للمخابرات الفرنسية اعتقاداً منهم أن مديراً كبيراً للمخابرات "قد يكون رصيداً مهماً" عند سقوط نظام الأسد، حسبما قال مصدرٌ قضائي لصحيفة "ديلي تلغراف" في 29 نوفمبر 2020.

لكن صحيفة "كورير" النمساوية كشفت خلال تقرير نشرته في نوفمبر الماضي، حماية "المكتب الاتحادي لحماية الدستور" وهو الاسم "الفني" لجهاز استخبارات النمسا، لـ"مجرم حرب وضابط سابق في نظام بشار، وقد جمع إضافة إلى هذه الصفات المشينة أنه كان يعمل أيضا لصالح الموساد".

وذكرت أن أجهزة أمن في النمسا وإسرائيل ساعدت ضابط الاستخبارات والعميل المزدوج في الحصول على اللجوء في النمسا، ضمن عملية استخباراتية حملت اسم "الحليب الأبيض"، وبعد رفض فرنسا طلب لجوئه نسّق "الموساد" مع المخابرات النمساوية لتهريبه إلى أراضيها، وساعدته في الحصول على حق اللجوء في وقت قياسي.

وفي تصريحات للصحفي السوري أحمد مراد في 18 نوفمبر الماضي، اعتبر ما قام به مكتب حماية الدستور النمساوي بأنه "فضائح بالكيلو" عن تجاوزات قانونية أحدثتها قضية الحلبي.

وأوضح مراد أنه كان متابعا لقضية الحلبي منذ عام 2018، قائلا: "قدم إلى النمسا باسمه الحقيقي، وهناك الكثير من الناس يعرفونه، منهم لاجئون كانوا معتقلين سابقين تعرضوا للتعذيب على يده، ما دفعهم إلى تقديم شهادات ضده".

ورجح احتمالية تعذر النمسا منح الحلبي حق اللجوء في بلادها بعد تقديم لاجئين شكاوى ضده تفيد بأنه ارتكب انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يجبره على البحث عن مكان بديل للجوء إليه "ولولا ذلك لما ترك فرنسا"، غير أن ذلك لم يكن.

وبخصوص تعامل المكتب مع قضية الحلبي، قال مراد: "إن البلاد لديها أجندة غير مفهومة حول الأمر، فهناك تدخل واضح وفج من أجهزة المخابرات النمساوية المرتبطة حكما بأجهزة مخابرات دولية".

دعم الموساد

تسهيل انتقال الحلبي إلى باريس جاء بعد الاعتقاد بإمكانية "استخدامه مستقبلا"، وعقب طلب الحلبي الحصول على لجوء سياسي، رفض مكتب اللاجئين الفرنسي عام 2015، بناء على بعض البنود في ميثاق جنيف، ومنها الاشتباه بالتورط في جرائم حرب، حسبما ذكر مصدر في الاستخبارات العسكرية الفرنسية لصحيفة "ديلي تلغراف".

ونقلت الصحيفة عن مصدر قضائي فرنسي أن "الحلبي الذي رفض طلب ملف لجوئه إلى فرنسا، اتصل بالموساد الذي قام بالاتصال مع مديرية المخابرات النمساوية".

وأضاف المصدر: "إن  الموساد اعتقد أن الحلبي مهم، وربما يلعب دورا سياسيا في المستقبل".

فيما ذكرت صحيفة "كورير" النمساوية أن "الحلبي جرى تهريبه إلى النمسا بمساعدة المخابرات الإسرائيلية والنمساوية، والتي دعمت طلب لجوئه".

وجاء في التقرير نقلا عن مصدر أمني قوله: "إن المخابرات النمساوية لم يكن لديها معلومات عن تورط الحلبي في جرائم حرب أو جرائم أخرى في سوريا، ولا توجد أية أدلة على أن وجوده في النمسا يهدد سلامة الناس".

وأضاف: "إن المخابرات النمساوية لم تجد أن هناك أرضية تدعو لرفض الطلب"، وتمت الموافقة على طلب الحلبي في 2 ديسمبر/كانون الأول 2015، ومنحته السلطات شقة مساحتها 107 أمتار مربعة ومكونة من 4 غرف في حي "أوتارينغ" بالعاصمة فيينا.

كما تلقى الحلبي دعما ماليا كبيرا من جهات في "الموساد"، حيث حصل على معونات بـ50 ألف يورو، و5 آلاف يورو شهريا، وفق التقرير الصحفي.

اغتصاب وانتهاكات

بعد اكتشافها مكان الحلبي قامت مفوضية شؤون اللاجئين بتقديم إحاطة قانونية للسلطات النمساوية في يناير/كانون الثاني 2016، وقدمت أدلة عن تورطه في "جرائم الحرب".

وقالت مديرة المفوضية نيرما يلاكشتش لصحيفة "ديلي تلغراف": "لدينا وثائق وتقارير تحقيق وشهادات من الداخل عن 40 ضحية تعرضت للتعذيب، إضافة إلى عمليات اغتصاب وانتهاكات جنسية ضد رجال ونساء وجرائم بحق قاصرين".

وترى المفوضية أن أدلتها "تظهر مسؤولية الحلبي عن الأفعال التي ارتكبت تحت قيادته"، فيما ينفي الحلبي أنه ارتكب كل تلك الجرائم.

أقام الحلبي في فرنسا أكثر من عام، متنقلا بين الفنادق وبيوت بعض الأصدقاء في انتظار الحصول على اللجوء السياسي، إلا أنه حين يئس من ذلك استقل القطار وغادر إلى النمسا في 13 يونيو/حزيران 2015، واستقر في أحد مخيمات اللاجئين.

وبرر الضابط السابق ذلك في تقرير نشرته "كورير" خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020 بأن "فرنسا امتلأت بالسوريين، بولاءاتهم المختلفة ومواقفهم المنقسمة بين النظام والمعارضة، ما يجعلها خطرة، لذا غادرتها".

بينما اعتبرت السلطات النمساوية في تقريرها أن "الحلبي أدار ظهره لفرنسا عندما شعر بأن الرد على طلبه اللجوء سيكون سلبيا، حيث تم رفض طلبه عام 2017".

ورغم أن اتفاقية "دبلن" تفرض على دول الاتحاد الأوروبي الموقعة عليها التأكد من عدم وجود بصمة أصابع للشخص المتقدم بطلب اللجوء في دول أخرى، ويرجع القرار لها لاحقا في منحه حق اللجوء أو عدمه، لكن النمسا منحت حق اللجوء للحلبي في ديسمبر/كانون الأول 2015.

وبررت النمسا ذلك بالقول: "لا يوجد ما يُثبت تورط الحلبي بجرائم حرب وانتهاكات بحق المتظاهرين في سوريا"، بحسب صحيفة "كورير".

وبعد أكثر من عام على منحه حق اللجوء في النمسا، التقى الحلبي في روسيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في 10 ديسمبر/كانون الثاني 2017، برفقة بعض الضباط المنشقين عن جيش النظام، بينهم قائد "المجلس العسكري للجيش الحر"، العميد مصطفى الشيخ.

تنبهت السلطات النمساوية إلى ذلك، وأثارت تساؤلات حول كيفية سفر العميد الفار إلى بلد حليف لرئيس نظام الأسد، وكان ذلك أول ظهور علني للحلبي منذ مغادرته الرقة في مارس/آذار 2013، بحسب تقرير لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وأفادت الصحيفة التابعة لحزب الله اللبناني بأن السلطات النمساوية أعادت فتح تحقيق مع الحلبي؛ بناء على تقارير منظمات حقوقية عدة، تؤكد حدوث "انتهاكات وجرائم حرب" في الرقة، لكن دون نتائج تذكر حتى نهاية 2020.