ماكرون في مأزق.. ما قصة المادة 24 التي أثارت الاحتجاجات ضده؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت الاحتجاجات تضرب بقوة العاصمة الفرنسية باريس وبعض المدن الأخرى، بعد إقرار البرلمان القراءة الأولى لمشروع قانون "الأمن العام" الذي يحتوي على مادة مثيرة للجدل تمنع من خلالها الحكومة نشر صور عناصر الشرطة بزعم حمايتهم من دعوات العنف عبر الإنترنت.

بمجرد الإعلان عن مشروع القانون، شهدت العديد من المدن الفرنسية خاصة العاصمة باريس مظاهرات واسعة، ازدادت حدتها عقب تصديق البرلمان عليه بالتزامن مع انتشار مقاطع مصورة تظهر عنف الشرطة خلال الأسابيع الأخيرة، وخلال الاحتجاجات الرافضة للقانون.

المعارضون لمشروع القانون يرون المادة 24 منه بندا قاتلا للحريات من شأنه أن يسمح للشرطة والدرك بمنع التصوير أثناء التدخلات الأمنية.

ولتهدئة هذه التوترات وتحت وطأة الاحتجاجات التي شهدت عنفا متبادلا من الشرطة والمتظاهرين أعلن رؤساء الكتل التي تشكل الأغلبية في البرلمان، في30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عن إعادة كتابة وصياغة تلك المادة من جديد. 

وسائل الإعلام الفرنسية واصلت انتقادها القانون بشدة، واعتبرته بهذه الصياغة حماية للشرطة وذا أهداف سياسية تتعلق برغبة الرئيس ماكرون في إعادة ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة عبر انتهاج سياسات يمينية متشددة لكسب أصوات اليمين.

صحيفة فايننشال تايمز وصفت تحركات ماكرون بأنها "سياسات غير ليبرالية"، مؤكدة أن نهجه الذي يعتبره مهما للحفاظ على العلمانية من خلال الهجوم على الإسلام وقيم الحرية والديمقراطية التي قامت عليها الجمهورية، "يزعج أوساطا فرنسية مختلفة ولا يمكن أن يكون حماية عنف الشرطة وتجاوزاتهم هي الطريقة المناسبة للحفاظ على علمانية فرنسا كما يعتقد ماكرون".

المادة 24

يحتوي نص مشروع القانون على 32 مادة، وتهدف المادة 24 منه إلى حماية الشرطة "بشكل أفضل كما تروج له السلطة"، وتتكون المادة 24 من فقرتين تنص أولاها على أن "يعاقب بالسجن لمدة عام وغرامة 45 ألف يورو على من يقوم ببث صور أو أي عنصر بأي وسيلة كانت لتحديد هوية عميل للشرطة الوطنية أو الدرك بخلاف رقم هويته عند التصرف في سياق عملية للشرطة، بهدف الإضرار بسلامته الجسدية أو العقلية".

وتنص المادة الثانية على أن "قانون حرية الصحافة لا يمنع إبلاغ السلطات الإدارية والقضائية المختصة في إطار الإجراءات التي تتخذها بصور وعناصر تحديد هوية المسؤول من الشرطة الوطنية أو جندي من الدرك الوطني".

ورغم أن حكومة ماكرون وحزب الجمهورية للأمام الحاكم يعملان على صياغة القانون الجديد منذ أكثر من شهر، فإن الشرطة لم تحاول مساعدة الحكومة والبرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم على تمرير هذه المادة بسهولة.

فالشرطة الفرنسية لم تمارس ضبط النفس خلال الأسابيع الأخيرة سواء خلال فترة طرح القانون للرأي العام أو في فترة مناقشته داخل البرلمان أو بعد إقراره، حيث قامت الشرطة بأعمال عنف ساهمت في ازدياد الغضب الشعبي ضد القانون والشرطة.

وفي الليلة التي سبقت إقرار القانون شهدت باريس أحداثا عنيفة عندما قامت الشرطة بإخلاء مخيم جديد للمهاجرين وسط باريس كان يأوي المئات ممن جرى إجلاؤهم من ملاجئ مؤقتة في الضواحي دون نقلهم إلى ملاجئ أخرى للاجئين.

عنف الشرطة

ومع انتشار المقاطع التي تظهر عنف الشرطة خلال عملية الإخلاء اعترف وزير الداخلية بأنها مشاهد صادمة وقال في تغريدة على تويتر: "بعض صور فض مخيم المهاجرين غير الشرعيين في ساحة الجمهورية صادمة، لقد طلبت للتو تقريرا مفصلا عن حقيقة الوقائع من رئيس الشرطة، بحلول منتصف نهار الغد سأتخذ قرارات عند الاستلام".

وفي اليوم التالي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تم إقرار القانون في البرلمان وسط غضب شعبي واسع من منظمات المجتمع المدني وأخرى حقوقية وصحفية وانطلقت الدعوة لمظاهرات حاشدة في 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2020. 

بدأت أحداث 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بمشهد صادم من مشاهد العنف كان بطله 3 من أفراد الشرطة يعتدون بوحشية على شاب أسود داخل مقر عمله، حيث نقلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا يبرز اعتداء عناصر قوات الأمن على الشاب ميشيل زيكلر داخل استوديو موسيقي قبل انطلاق التظاهرات الرافضة للقانون الذي يحمي عنف الشرطة. 

يقول زيكلر: إن الشرطة لم تكن تعلم أن الاستوديو به كاميرات مراقبة ولذلك اتهمته بمقاومة الشرطة ومحاولة سلب أسلحتهم. 

وأشار زيكلر بحسب تصريحات نقلتها وكالة أسوشيتد برس الأميركية إلى أن الشرطة واصلت الاعتداء عليه لمدة تقترب من 20 دقيقة وتركته بعد تدخل زملائه الموسيقيين في الاستوديو وأنه لولا مشاهد الكاميرات لكان في الحبس.

مشهد الاعتداء على زيكلر ربما حفز الكثير من الفرنسيين للمشاركة في الاحتجاجات التي خرجت في أغلب المدن والعاصمة وشهدت خلالها فرنسا ليلة عنيفة جراء مواجهات بين الشرطة وآلاف المتظاهرين.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع واعتدت على الكثير من المحتجين بالهراوات، وفي ردة فعل للمحتجين على عنف الشرطة قام البعض بإلقاء الحجارة وإشعال النار في مقر البنك المركزي في باريس والعديد من المباني والسيارات.

تخوفات الصحفيين

يشعر المعارضون للتشريع بالقلق من أنه إذا تم سنه، فإنه يخاطر بتعريض الصحفيين وغيرهم من الذين يصورون الضباط في العمل للخطر، خاصة أثناء الاحتجاجات العنيفة.

وترفض المؤسسات الصحفية والإعلامية الفرنسية القانون الجديد، ودعا مجلس أخلاقيات الصحافة (CDJM) إلى سحب المادة 24، واعتبر المجلس أنها تمثل تهديدات خطيرة لحرية الإعلام ودعا جميع قادة الأحزاب اليسارية إلى سحب المادة.

المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك مراسلون بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية في فرنسا، ورابطة حقوق الإنسان، وكذلك النقابات العمالية التي تمثل الصحفيين، من بين المنظمات التي شجعت على المشاركة في احتجاجات 28 نوفمبر/ تشرين الثاني.

وخلال مشاركته في التظاهرة شدد رئيس تحرير صحيفة لوموند الفرنسية، لوك برونر، على أن القانون الذي يحظر نشر صور الضباط وقوات الشرطة "غير ضروري وذلك لوجود قوانين أخرى تحميهم".

وقال في تصريحات على هامش المظاهرة نقلتها الوكالة الفرنسية: "توجد بالفعل قوانين لحماية موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك قوات الشرطة عندما يتم استهدافهم، وهذا أمر شرعي، فالشرطة تقوم بعمل مهم للغاية، لكن الأمر يتعلق بالحد من قدرة المواطنين ومعهم الصحفيين، على توثيق عنف الشرطة عند حدوثه".

المحاذير التي كانت تتنامى عند جمهور الصحفيين عبر عنها مشهد صادم من عنف قوات الأمن تجاه الصحفيين والمصورين الذين يقومون بعملهم أثناء المظاهرات وأعمال الشغب.

كان المشهد الأبرز الذي تداوله الفرنسيون في مظاهرات 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2020، صورة المصور الصحفي السوري اللاجئ أمير الحلبي المتعاون مع مجلة بولكا ووكالة فرانس برس.

الحلبي ظهر غارقا في دمائه بعد إصابته في الرأس وكسر في الأنف بسبب اعتداء الشرطة عليه بالهراوات أثناء تصويره المظاهرات في ساحة الباستيل رغم وجوده في صفوف الصحفيين بعيدا عن المتظاهرين.

تقول المصورة الصحفية غابرييل سيزار التي كانت تقف إلى جوار الحلبي أثناء تغطية المظاهرة: "كان التعرف إلينا كمصورين ممكنا، وكنا جميعنا نقف عند حائط، وكنا نصرخ صحافة، صحافة".

وأوضحت سيزار في تصريحات لوكالة فرانس برس أن المتظاهرين كانوا يلقون بمقذوفات باتجاه الشرطة التي تدخلت بالهراوات، وأثناء ذلك فقدت أثر الحلبي ثم وجدته محاطا بأشخاص ووجهه ملطخ بالدماء وملفوف بضمادات.

وأشارت المصورة الصحفية إلى أن الحلبي بخلاف إصابته تضررت حالته النفسية بشكل كبير وقالت: "كان متأثرا جدا نفسيا وبكى قائلا إنه لا يفهم لماذا كان من الخطأ التقاط صور". 

منظمة مراسلون بلا حدود نددت بعنف الشرطة الذي تم بحق الحلبي وقالت: إنه "عنف غير مقبول"، واعتبر الأمين العام للمنظمة كريستوف دولوار أن أميرا جاء من سوريا إلى فرنسا "بحثا عن الأمان مثلما فعل العديد من الصحفيين السوريين، ويجب حمايتهم وليس تهديدهم".

تراجع ماكرون

وجد الرئيس ماكرون نفسه محاصرا بين قاعدة احتجاجية يسارية نجح على أكتافها في انتخابات 2017 وأخرى انتخابية يمينية يسعى إلى استمالتها في الانتخابات القادمة. 

وفي محاولة من ماكرون لإخماد الأزمة السياسية واستعادة السيطرة على الأوضاع التي بدت وكأنها على وشك الانفلات جمع رئيس الوزراء والوزراء المعنيين ورؤساء الكتل البرلمانية ذات الأغلبية ظهر 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، في قصر الإليزيه لمناقشة أزمة قانون الأمن العام وخاصة المادة 24 وكيفية الخروج من هذه الأزمة.

وأعلنت الأغلبية البرلمانية بعد الاجتماع انها ستعيد صياغة المادة في مسودة القانون بشكل تام، وقال كريستوف كاستانير زعيم الأغلبية في البرلمان: إنه لا بد من تبديد الشكوك المتعلقة بنص القانون.

وقال كاستانير: "نعلم أن الشكوك لا تزال قائمة ويجب أن نوضح هذه الشكوك لأنه عندما يستمر سوء التفاهم في التعمق، فمن واجبنا أن نبدد تلك الشكوك بشكل جماعي".

على الطرف الآخر بات الأمر بالنسبة لجزء كبير من المعارضة أوسع من تلك المادة، وقال زعيم النواب الشيوعيين في البرلمان فابيان روسيل: إنها "خطوة أولى إلى الوراء، لكننا نريد سحب هذه المادة وقانون الأمن العام برمته".

لكن سؤالا محيرا بات يتبادر في الأفق وهو هل يستطيع البرلمان تعديل تلك المادة بعد أن أقرها سابقا؟ ومن المفترض أن يتم عرض مشروع القانون ومناقشته قريبا في مجلس الشيوخ. 

ويوضح ذلك عضو البرلمان الفرنسي جان لوك ميلونشون الذي غرد على تويتر قائلا: "المادة 24 لا تزال في النص المقدم إلى مجلس الشيوخ وهو وحده من يستطيع إعادة كتابتها بالكامل".