اصطف مع مصر ضد إثيوبيا.. ماذا غير موقف السودان من أزمة سد النهضة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي تطورا مفاجئا عندما قرر السودان قطع المحادثات الجارية، داعيا الاتحاد الإفريقي إلى لعب دور أكبر في دفع المفاوضات إلى الأمام.

السودان طلب بحزم التخلي عن الطريقة السابقة غير المنتجة في التفاوض وتغييرها بمناهج أخرى أكثر فعالية، لا سيما وأن تأخر المفاوضات، والمماطلة تؤدي إلى تفاقم الأوضاع وصعوبة الوصول إلى حل منجز في ظل قفزات إثيوبية نحو تنفيذ مستهدفها بسرعة ملء الخزان.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق أن صرح عن خطر قيام مصر بتدمير السد، قائلا: "الموقف خطر للغاية، سينتهي بهم (المصريون) الأمر إلى تدمير السد، إنني أقولها عاليا وبوضوح: سيدمرون هذا السد، يتعين عليهم أن يفعلوا شيئا".

ودخلت السودان بقوة على خط الأزمة، وصعدت من موقفها ولهجتها حيال إثيوبيا، وبدأ المجلس السيادي ومن خلفه الحكومة في اتخاذ إجراءات داخلية وخارجية حازمة، بعثت بتساؤلات عن سر تغير سياسة الخرطوم في التعامل مع الأزمة؟.

أبعاد التصعيد

في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، دعا الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني إلى حشد الدعم الوطني لموقف بلاده بشأن سد النهضة.

وخلال لقاء عقده البرهان في القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم مع وزير الري والموارد المائية ياسر عباس، شدد على "ضرورة حشد وتعبئة الدعم الوطني للموقف السوداني تجاه ملف سد النهضة، والتحرك على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والأمنية لدعمه باعتبار أن الملف يتعلق بالأمن القومي للبلاد".

البرهان أكد "دعمه للموقف الذي اتخذه الفريق المفاوض"، داعيا أن "تكون المصلحة الوطنية السودانية المرجعية الوحيدة للتفاوض"، وفق بيان لمجلس السيادة الانتقالي.

وفي 2 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، أن تباعد مواقف إثيوبيا ومصر بشأن سد النهضة، دفع بلاده للإصرار على منح دور أكبر للاتحاد الإفريقي في المفاوضات.

وشدد على "موقف السودان الداعي إلى التوصل لاتفاق مرض وملزم للدول الثلاث تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، بمنهجية تعطي دورا أكبر لخبراء الاتحاد في عملية التفاوض".

موقف صادم

خلال السنوات الماضية، طالما ظل موقف الخرطوم في غالبه متماهيا مع أديس أبابا ضد القاهرة، مثلما حدث عندما انسحبت إثيوبيا من جولة التفاوض حول سد النهضة، برعاية واشنطن، في فبراير/ شباط 2020.

بعدها بدأ التلاسن المتبادل بين إثيوبيا ومصر، وتصاعد الخلاف إلى نحو غير مسبوق، واستعانت القاهرة بالدول العربية، خلال اجتماع الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، المنعقدة في القاهرة، في 4 مارس/ آذار 2020.

وقتها قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: "مصر تتطلع إلى دعم الدول العربية الشقيقة، في مشروع القرار المتوازن الذي قدمته مصر، والذي يتضمن عددا من العناصر الهامة التي من شأنها التأكيد للجانب الإثيوبي على وقوف الدول العربية صفا واحدا لدعم المواقف المصرية العادلة والسودان الشقيق".

لكن رد فعل السودان بالتحفظ على مشروع قرار الخارجية المصرية، جاء صادما للأوساط العربية، لا سيما القاهرة، حيث رأت الخرطوم أن "القرار ليس في مصلحتها ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف"، وأبدت تخوفا مما قد ينتج عن هذا القرار من "مواجهة عربية إثيوبية".

وفي 9 مارس/ آذار 2020، أعربت الخارجية المصرية على لسان المتحدث باسمها أحمد حافظ، عن أسفها لما ورد في بيان السودان، لكن في الوقت الراهن صار الموقف السوداني أقرب إلى مصر من إثيوبيا.

نسور النيل

حملت المناورات العسكرية التي جرت بين الجارتين مصر والسودان، رسائل تاريخية، في ظل التوترات الإقليمية مع إثيوبيا، بالإضافة إلى تحديات كبرى أخرى في المنطقة.

أول مرة في تاريخهما، يجري الجيشان المصري والسوداني مناورات جوية مشتركة في قاعدة "مروي" الجوية الواقعة شمال السودان تحت عنوان "نسور النيل 1".

المناورات التي انطلقت في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، واستمرت نحو أسبوعين، شهدت "تدريبات جوية مكثفة باستخدام طائرات حربية وعتاد متقدم"، حسب بيان القوات المسلحة المصرية.

البيان أضاف: أن "التدريبات "شملت التخطيط وإدارة الأنشطة القتالية، فضلا عن مناورات مجموعات كوماندوز تقوم بمهام بحث وإنقاذ، وذلك مع وصول قوات من الوحدة الجوية المصرية مصحوبة بعدد من الطائرات المقاتلة من طراز إم آي جي 29/إم2" (MIG29/M2)".

وفي 30 يوليو/ تموز 2020، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا بعنوان "مأزق على النيل"، لـ "نيما خورامي" الباحث الإيراني المتخصص في تحليل العوامل الجيوسياسية.

خورامي قال: "شكلت القاهرة والخرطوم جبهة موحدة في مواجهة جميع دول المنبع، وتمكنتا معا من تعطيل المحاولات التي بذلتها تلك الدول لتعديل اتفاق تقاسم المياه". 

وأضاف: "لكن تلك الوحدة تفككت عام 2011، وبحلول عام 2014، عبّرت السودان علنا عن دعمها إثيوبيا وبناء سد النهضة. صحيح أن السودان يعيد حاليا صدى الموقف المصري من عدم شرعية المشروع برمته في غياب اتفاق يجري التوصل إليه بوساطة دولية، وكذلك من قيام إثيوبيا بملء خزان السد على نحو أحادي، إلا أن الخرطوم لم تتخذ أي إجراءات ملموسة".

السودان الآن قفز إلى خطوات أكثر تقدما مما ذكره الباحث الإيراني، وصلت إلى تنسيق عسكري مع القاهرة على نحو غير مسبوق، ما يؤكد أن حكام الخرطوم استشعروا خطورة الموقف، وأنهم ربما يؤخذون على غرة مع مرور الوقت، ويحاولون تجاوز آثار سنوات الفرص الضائعة في ذلك الملف الحيوي.

الخطيئة الكبرى

الناشط السياسي السوداني عارف دفع الله قال لـ"الاستقلال": "الحكومات السودانية منذ عهد النظام البائد وحتى قبل أشهر ماضية تعاملت مع سد النهضة بمنطلق سياسي، ولم تنظر إلى مصلحة السودان وشعبه، تماما كما فعلت مصر من قبل".

مضيفا: "السيسي نفسه تعامل مع سد النهضة كقضية سياسية يستطيع من خلالها أن يحقق مكتسبات لنفسه وسلطته، وحاول أن يظهر الرئيس الراحل محمد مرسي في موقف ضعيف أمام الشعب المصري، وبالتالي وكما يقول المثل (انقلب السحر على الساحر) ودفع السيسي ثمن ألاعيبه السياسية وهو من أخفق في إدارة ملف سد النهضة".

وأوضح دفع الله: "وبالمثل الكيزان (نظام البشير) في السودان، وكعادتهم حاولوا أن يرقصوا مع الثعابين في إثيوبيا، لكن لدغة الثعبان أصابت أهل السودان ومستقبله".

وتابع: "من جاؤوا من بعدهم استمروا على نفس النهج، في البداية أقاموا العلاقات مع أديس أبابا، ووقفوا بجانبها نكاية في مصر، ومع الوقت اكتشفوا حجم الكارثة المحيطة بالسودان، خاصة وأن هناك معلومات تشير أن موسم الفيضان الذي أكل الأخضر واليابس قبل أشهر، ودمر مناطق زراعية كبيرة في الخرطوم، سببه الرئيسي سد النهضة". 

وتساءل الناشط السوداني: "سواء كانت المعلومات صحيحة أم خاطئة، فإن المواطن السوداني من حقه أن يعلم لماذا لم يتخذ النظام ذلك الموقف الحازم من قبل؟ وما هو الخطر الذي سيتسبب به السد علينا؟ وما قيمة الحشد الشعبي الذي يدعو له البرهان؟".

وختم دفع الله حديثه متسائلا: "هل سيتطور الأمر إلى حرب مثلا؟ وإن كان ذلك مستبعدا، ما هي الإجراءات التي من الممكن اتخاذها من قبل النظام ضد إثيوبيا، وهل السودان بوضعه الحالي قادر على حماية أمنه القومي والمائي أم لا؟".