مكافحة "التطرف" عبر الإنترنت.. هل أدرك المغرب فشل الحل الأمني؟

12

طباعة

مشاركة

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أطلقت مؤسسة "الرابطة المحمدية للعلماء" بالمغرب، مشروعا يتعلق بمكافحة التطرف عبر الإنترنت في صفوف الشباب قصد تحصينهم من خطاب الكراهية، خاصة في بعده الرقمي.

طوال سنوات، كانت السلطات المغربية تواجه ظاهرة الإرهاب والتطرف بمقاربة أمنية ارتكزت فقط على "تقوية قدرات الرصد والمراقبة على مستوى نقط العبور الحدودية، وتقوية العمل الاستعلاماتي وتبادل المعلومات والتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية".

لكن يبدو أن المغرب قد أدرك مؤخرا وبعد تجارب حافلة ومريرة أنه قد آن الآوان لتغيير هذه المقاربة، فقرر التعامل مع ملف التطرف بطريقة أخرى تناسب التطور التكنولوجي الذي فرض نفسه على العالم منذ بدء الألفية الجديدة.

مشروع توعوي

مشروع مكافحة التطرف عبر الإنترنت، أعلنت عن تنفيذه الرابطة المحمدية للعلماء بشراكة مع سفارة اليابان بالمغرب وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ويندرج في إطار الجهود التي تبذلها الرابطة بغية مكافحة خطاب الكراهية وتوعية الشباب بالمخاطر المحتملة لاستخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية.

ويتمحور المشروع، الذي يمتد على مدى سنة، حول عدة أهداف رئيسية تشمل إجراء تشخيص للمخاطر المرتبطة بالمحتويات المتطرفة عبر الإنترنت والتي تستهدف الشباب، ودعم الفاعلين الوطنيين في استعمال تكنولوجيا المعلومات والتواصل.

كذلك توجيه وسائل الإعلام للتصدي للتطرف العنيف وخطاب الكراهية، وتوعية الشباب عبر الشبكات الاجتماعية للنهوض بخطاب بديل، وكذا تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال مكافحة التطرف العنيف عبر الإنترنت.

خلايا إرهابية

بدأت معاناة المغرب مع الإرهاب عام 2003، ومنذ ذلك التاريخ فككت السلطات أكثر من 200 خلية إرهابية، بمعدل خلية شهريا، حسب إحصاءات وزارة الداخلية.

ويرى مراقبون، أن المغرب بات يمتلك إستراتيجية متكاملة لمحاربة الإرهاب بعد تفجيرات الدار البيضاء، كبرى مدن المملكة، عام 2003.

وشهد المغرب في 16 مايو/ أيار 2003 تفجيرات إرهابية غير مسبوقة في مدينة الدار البيضاء راح ضحيتها 45 قتيلا، بينهم 11 انتحاريا، وخلفت عددا من الجرحى.

على إثر هذه التفجيرات، أقر البرلمان قانونا لمكافحة الإرهاب يعطي صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية، كما جرى اعتقال الآلاف من الأشخاص ينتمون في أغلبهم إلى ما يسمى بـ"السلفية الجهادية"، وحكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة تصل إلى المؤبد، بموجب هذا القانون.

وبعد احتجاجات "الربيع العربي"، وتحديدا فيما يعرف في المغرب بحركة 20 فبراير/شباط 2011، أفرجت السلطات عن بعض "شيوخ السلفية الجهادية" بعفو من الملك محمد السادس، كما أطلق سراح بعض المعتقلين السلفيين الآخرين بعد ذلك في مناسبات وطنية مختلفة.

في 2019 فككت السلطات 13 خلية إرهابية قبل وصولها مرحلة التنفيذ، ومن بين تلك العمليات، إحباط مشروع شبكة إرهابية تنشط بالمغرب وإسبانيا ضمن "تنظيم الدولة"، كما رحلت الرباط في مارس/ آذار 2019، مجموعة تضم 8 مواطنين مغاربة كانوا يوجدون في مناطق النزاع بسوريا.

وإجمالا، فإن عدد الخلايا المفككة في 2019 أكبر مقارنة بـ2018 التي سجلت تفكيك 11 خلية إرهابية فقط.

3 مرتكزات

وفق مصادر مقربة من السلطات، ترتكز الإستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب على 3 مرتكزات، أولها المقاربة الأمنية الاستباقية، بتفكيك الخلايا الإرهابية وإنفاذ القانون. أما المرتكز الثاني فهو إصلاح المجال الديني، من خلال ضبط الحقل الديني والخطب الدينية والمساجد والأئمة.

فيما يتمثل المرتكز الثالث في إطلاق مشاريع تنموية موجهة للمناطق المهمشة، التي كان ينتعش فيها الخطاب المتشدد. ومن أهم هذه المشاريع، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (برنامج محاربة الفقر) التي أطلقها المغرب منذ 2005.

وتمتد إستراتيجية مكافحة الإرهاب في المغرب إلى برنامج خاص بالمعتقلين على خلفية قضايا التطرف والإرهاب، يسمى "مصالحة"، بدأ في 2017، ويهدف إلى تأهيلهم تمهيدا لإعادة إدماجهم في المجتمع.

وتشرف على البرنامج المندوبية العامة لإدارة السجون (حكومية)، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء (علمائية رسمية)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي). ويقوم البرنامج على 3 محاور، هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني.

في يونيو/ حزيران 2020، أشاد تقرير وزارة الخارجية الأميركية بإستراتيجية المغرب لمكافحة الإرهاب والتطرف والجهود التي يبذلها في هذا الصدد، مشيرا إلى أن "الحكومة المغربية واصلت إستراتيجيتها الشاملة لمحاربة الإرهاب، والتي تتضمن إجراءات اليقظة الأمنية، والتعاون الإقليمي والدولي وسياسات مكافحة التطرف".

وأشار التقرير إلى أن "المغرب يحافظ أيضا على تعاون وثيق مع شركائه الأوروبيين – خاصة بلجيكا وفرنسا وإسبانيا – لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا"، مبرزا أن المملكة تترأس حاليا إلى جانب كندا، المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، فضلا عن كونها فاعلا نشطا في "التحالف العالمي ضد تنظيم الدولة".

وأضافت الخارجية الأميركية: أن "أمن الحدود ظل أولوية مطلقة للسلطات المغربية"، مشيدا بشكل خاص بعمل السلطات على مستوى المطارات، "التي تتوفر على قدرة ممتازة في الكشف عن الوثائق المزورة".

وحسب "معهد واشنطن" للدراسات، يتمثل أحد العناصر الأساسية من إستراتيجية المغرب لمكافحة التطرف في إعادة تنظيم كيانات الدولة الدينية من أجل حماية المواطنين من أشكال التدين العدائية والمتطرفة.

وتضمن هذا البرنامج تعميم نشرة رسمية عن الأئمة، وتأسيس "مديرية التعليم العتيق" في "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية" وإلغاء مركزية عمليات الوزارة.

ولفت المعهد إلى مراجعة القوانين التي ترعى أماكن العبادة الإسلامية وتشكيل مجلس ديني في أوروبا للجالية المغربية والاستعانة بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية للترويج للتعاليم المعتدلة ومراجعة الكتب والمناهج الدراسية بهدف حذف ما له علاقة بالترغيب المتطرف في العنف. 

وزادت الورقة البحثية، التي أعدها جيرمي برينستر، أن الجهود التي تبذل في العالم أجمع تهدف لاجتثاث ودحر التطرف الديني، من خلال معالجة العوامل الكامنة التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية. وقد تبنت بعض الدول بشكل متزايد مسعى إلغاء التطرف كبديل عن القمع، على اعتبار أن هذا الأخير لم ينجح دائما في معالجة التهديدات.

وحلل المعهد كيف تبنت الرباط إلغاء التطرف في مرحلة مبكرة في إطار نهجها المتعدد الأبعاد لمكافحة التطرف الإقليمي. كما صاغت إستراتيجيتها ضمن إطار التقاليد الدينية التي تركز على المرونة والاعتدال بدلا من التطرف.

وبين البحث أن "في المغرب، يعتبر الملك أمير المؤمنين، وهو يحتكر السلطة الدينية المحلية بشكل يقمع المناصرين المتطرفين".

ويعني ذلك، بحسب ما خلص إليه المعهد، أن "الدولة المغربية تتحلى بمصداقية روحية أكثر من العديد من الحكومات الإقليمية الأخرى، وحتى أكثر من دول الخليج العربي، مع العلم بأن مؤسساتها الدينية تلقى احترام الدول المجاورة أيضا. وعلاوة على ذلك، يعتبر المغرب نفسه مجتمعا ديمقراطيا نموذجيا يجب أن يقوم على الإسلام المتسامح والمنفتح والمعتدل".

"إسلام رسمي"

من جهته، وقف المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، على عدد المظاهر والمراسيم التي تؤطر الحقل الديني، والميزانيات التي تم تخصيصها لإعادة هيكلة الحقل الديني، وهو سعي من الدولة إلى التحكم في المجال الديني، عبر إصدار ترسانة قانونية مهمة استعرضها المعهد في بحثه.

وفي ما يخص الأئمة والمرشدين الدينيين، أصدرت الوزارة المعنية في سنة 2010 الظهير المحدث لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيّمين الدينيين، والذي يهدف إلى تحصين القيّمين الدينيين (الأئمة والوعاظ) ماديا واجتماعيا.

وفي أبريل/ نيسان 2004، صدر الظهير الملكي الخاص بإعادة تنظيم المجالس العلمية، والذي جرى تعديله عام 2009 بشكل جعل خريطة جديدة لهذه المجالس، وجعلها تطابق التقسيم الجغرافي والإداري للمملكة.

كما أصدرت الحكومة في يناير/ كانون الثاني 2005، مرسوما يحدث تعويضات مالية لفائدة أعضاء المجلس العلمي الأعلى ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحلية وأعضاء فروعها.

ونص هذا المرسوم على منح 10 آلاف درهم لأعضاء المجلس العلمي الأعلى ورؤساء المجالس العلمية المحلية، و3 آلاف درهم لأعضاء المجالس العلمية المحلية، و1500 درهم لأعضاء فروع المجالس العلمية المحلية.

وزيادة في الضبط والتنظيم، صدر في مايو/أيار 2014 الظهير الملكي الخاص بتنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، والذي سن منعا رسميا لممارسة أي "نشاط سياسي أو نقابي أو اتخاذ مواقف سياسية أو نقابية أو القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، أو الإخلال بشروط الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء، الواجبة في الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي".

إضافة إلى ذلك، تم خلق مؤسسات رسمية لتوجيه ومراقبة الحقل الديني، مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، ومؤسسة الأعمال الاجتماعية للأئمة والمرشدين الدينيين، وأصدرت الوزارة الوصية وثائق جديدة توضح الخطاب المسموح به داخل المساجد.

لم ينكر الباحث الأميركي جيرمي برينستر، أن سياسات إعادة هيكلة الحقل الديني نجحت بشكل كبير في تحييد المخاطر الأمنية المرتبطة بالفكر المتطرف وتسلله إلى المساجد، إلا أن توالي أحداث التمرد والعصيان ضد التوجهات الدينية الرسمية، سواء على المستوى الفردي أو الاحتجاج الشعبي، تكشف حدود هذه السياسات في فرض الاحتكار المطلق للخطاب الديني.

وخلص البحث إلى أن "استغلال الدولة للمساجد قد أدى لتمرير مواقفها وقراراتها الرسمية إلى نتائج عكسية، حيث تسببت بعض الخطب الدينية الرسمية في إشعال فتيل الاحتجاجات". 

كما أن أشكال الاحتجاج التي كانت تقتصر فقط على إبراز المطالب الاجتماعية والاقتصادية، امتدت إلى المجال الديني، وأصبحت مقولة "الإسلام الرسمي" موضع تساؤل، وفق البحث.

 

مقاربة مركبة

في 2020 أيضا، نجحت الأجهزة الأمنية في الحد من التهديدات الأمنية التي تمثلها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، عبر تفكيك العديد من الخلايا النائمة، في ظل سياق إقليمي معقد، لا سيما تفاعلات الجوار الجغرافي المباشر، بعد تمدد تأثيرات الصراع الليبي، وانتقال المقاتلين عبر الحدود مع تونس، والتوتر المزمن مع الجزائر، وتنامي استفحال الأنشطة الإرهابية بمنطقة الساحل جنوب الصحراء.

جاء ذلك في الوقت الذي يعاني فيه شركاء المغرب في أوروبا، وخاصة فرنسا وألمانيا، من عجز أمني في إجهاض العمليات الإرهابية في السنوات الماضية، سواء تلك التي تشنها مجموعات صغيرة منظمة أو يُقدِم عليها أفراد لا تربطهم علاقات تنظيمية واضحة مع جماعات متطرفة (الذئاب المنفردة).  

وفسّر، منتصر حمادة، منسق تقرير"الحالة الدينية في المغرب"، الصادر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، كيف أن المقاربة المغربية في التصدي لظاهرة "التطرف العنيف"، مقاربة مركبة، بناء على مراجعات قامت بها الدولة في تدبير الظاهرة، باعتبار أن ما جرى مباشرة بعد اعتداءات الدار البيضاء في 16 مايو/أيار 2003.

وأفاد الخبير في الشأن الديني، في حديثه مع "الاستقلال"، أن المغرب أعطى الأولوية للمقاربة الأمنية الصارمة، وكانت لها نتائج متباينة، بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، وخاصة في الشق الحقوقي، إلى درجة وقوع انتهاكات حقوقية بشهادة ملك البلاد في حوار شهير أدلى به لصحيفة "إل بايس" الإسبانية.

وزاد الباحث المتخصص: "كانت هناك مراجعات، أفضت إلى تبني مقاربة متعددة المحاور أو الجبهات، منها المقاربة الأمنية بالطبع، والتي أصبحت أكثر احترافية، مع مؤسسة المكتب المركزي للأبحاث القضائية".

مضيفا: "موازاة مع المقاربة الاجتماعية، وجاءت تحت عنوان مشروع "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". والشق السياسي، ومنه تبني الدولة سياسات مغايرة في تدبير المسألة الإسلامية الحركية، في تفرعاتها الدعوية والسياسية والقتالية".

ومنها بالطبع المقاربة الدينية، يوضح حمادة، "وتسهر عليها مجموعة من المؤسسات الدينية، بداية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لأنها الوصية على تدبير الشأن الديني، موازاة مع ما يصدر بين الفينة والأخرى عن المجالس العلمية المحلية، أو ما تقوم به مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، والتي تحظى بمتابعة أجنبية، أميركية ويابانية".

الباحث أشار إلى بعض الدراسات البحثية التي صدرت عن مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء في سياق تقويض الخطاب الديني المتشدد، والندوات والدورات التي يتم تنظيمها للشباب والمراهقين في الموضوع، إضافة إلى أن أمينها العام (أحمد عبادي)، كان من المحاضرين في بعض السجون المغربية، أمام المعتقلين المعنيين بمشروع "المراجعات".