زامبيا تعلن إفلاسها.. هل يضرب "تسونامي الديون" دولا إفريقية أخرى؟

12

طباعة

مشاركة

تساءل موقع إيطالي، عما إذا كانت تأثيرات انتشار جائحة كورونا قد تسببت في إعلان زامبيا إفلاسها، مشيرا إلى أن هذا الوضع يدفع الباحثين إلى الحديث عن "تسونامي الديون" الذي يمكن أن يضرب دولا إفريقية أخرى.  

وقال موقع "مركز تحليل العلاقات الدولية": إن "هناك حديثا عن عجز في سداد الديون تم تسجيله في زامبيا الجمعة الماضية، بعد عجزها عن دفع القسط البالغ 42.5 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعدم سداد آخر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري".

وأضاف: أن "التخلف عن السداد الفعلي حدث في أعقاب طلب الحكومة الزامبية بتمديد 6 أشهر لسداد الفائدة على القروض، وهو الطلب الذي من شأنه ببساطة تأخير مشكل السداد إلى أبريل/نيسان 2021". 

وأوضح الموقع أن "احتمالات أن تتخذ زامبيا، بما تمتلكه من خصائص اجتماعية واقتصادية، تدابير لتمكينها من الحصول على الموارد اللازمة لسداد الفائدة في غضون 6 أشهر، منخفضة للغاية".

ولفت إلى "ضرورة مراعاة كل من السياق الدولي والعناصر الهيكلية التي ميزت عملية التنمية بعد إنهاء الاستعمار (عام 1964)".

وأكد الموقع أنه "على أساس هذه الاعتبارات، يتبادر سؤال يمكن من خلاله البدء في رسم صورة توفر مزيدا من المعلومات وتساعد على فهم الآليات التي أدت إلى تخلف زامبيا عن تسديد الديون، من المسؤول عن إفلاس زامبيا وسط وباء عالمي؟".

إكراهات تاريخية

أشار الموقع إلى أن "زامبيا ومنذ حصولها على الاستقلال، احتوت على جميع الخصائص التي توصف تقريبا بأنها جوهرية في البلدان الإفريقية والتي أجبرت المانحين الدوليين على اعتماد خطط تدخل متساوية للجميع، دون مراعاة الفروق، مما نتج عنه خلق أو تأجيج مشاكل متشابهة للغاية بينها".

ولفت إلى أنه "بعد استقلالها، ابتعدت زامبيا عن الحكومات العنصرية المجاورة وظلت معزولة سياسيا على المستوى الإقليمي، فيما أدت هذه العزلة السياسية إلى عزلة تجارية، خففها جزئيا بناء خط سكة حديد بين تنزانيا وزامبيا، مما ضمن وصول البلاد إلى ميناء دار السلام".

على المستوى السياسي، انتهى نظام كوندا للحزب الواحد في عام 1991، وحاليا يترأس البلاد ذات النظام الرئاسي، إدغار لونغو منذ عام 2015. وتعتبر عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد ناجحة، على الرغم من أن التعمق أكثر في التفاصيل قد يثبت عكس ذلك. 

أما بالنسبة للاقتصاد، فقد افتقدت البلاد بعد نهاية الاستعمار إلى الوسائل اللازمة لإحيائه وتحديثه، وهكذا أدى الاستقلال إلى انتشار الفقر واللجوء إلى زراعة الكفاف وتصدير النحاس.

وذكر الموقع الإيطالي أن "المجتمع الدولي أقر بفشل إجماع واشنطن وما بعد واشنطن، وبدءا من عام 2000 فصاعدا تم وضع إستراتيجيات اقتصادية وتنموية تضمن حرية أكبر في اتخاذ القرار للبلدان التي تحصل على القروض". 

وتأثرت زامبيا بعواقب خطط التعديلات الهيكلية التي تم تنفيذها من الثمانينيات إلى التسعينيات والتي كانت بالنسبة للغرب مفلسة. وفي أعقاب انهيار أسعار السلع الأساسية في السبعينيات، عانت الدولة المصدرة للنحاس من انهيار اقتصادي كبير. 

وفي الثمانينيات، شجع إجماع واشنطن التحرير الاقتصادي مما تسبب في التخفيض في الإنفاق العام وفي امتلاك نظام رعاية اجتماعية بدائي.

وبعد فشل هذه الإستراتيجية، أصر إجماع ما بعد واشنطن في التسعينيات بدلا من ذلك على مفاهيم مثل الحكم الرشيد واللامركزية والتعددية الحزبية، وفق الموقع الإيطالي.

وأوضح الموقع أن "انهيار نظام الحزب الواحد عام 1991، وجدت زامبيا، التي اتبعت جميع التوجيهات، نفسها هشة اقتصاديا وبيروقراطيا لا مركزية، ولكن تقودها حكومة مركزية تمسك بزمام السلطة. ونتيجة لذلك أصبحت البلاد تعتمد بشكل متزايد على القروض الدولية".

وتماشيا مع توقعات إجماع ما بعد واشنطن، انفتحت زامبيا اقتصاديا على العالم الخارجي، لكن العولمة، التي كان ينبغي أن تعمل على تنميتها، نقلتها إلى العالم الثالث كونها غير قادرة على المنافسة. 

وتحدث رئيسها لونغو عن إستراتيجيات إنعاش للاقتصاد، الذي انهار بسبب فيروس كورونا على حد رأيه، مثل التحول الصناعي وإعادة إطلاق قطاع التصنيع.

ومن المرجح أن يكون مصيرها الفشل، خصوصا وأن الصين الموجودة في جميع أنحاء إفريقيا باستثمارات في كل القطاعات، تتمتع بقدرة تنافسية مفرطة وتخاطر زامبيا باستثمار موارد لا حصر لها في نشاط من المقرر أن تطغى عليه المنافسة. 

ولكن إذا كانت إستراتيجية التنمية الحالية التي وضعها المانحون تختلف عن سابقاتها، وإذا ظهر مانحون جدد دوليا، فلماذا فشلت زامبيا في التعافي؟ يتساءل الموقع الإيطالي.

حيلة كورونا

يشرح الموقع الإيطالي أنه "من الصعب تحديد ما إذا كان فشل إستراتيجيات التنمية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، يعزى إلى الغرب غير القادر على فهم أن فرض التحرير والديمقراطية، في ظل السياق التاريخي والاجتماعي المختلف للبلدان الإفريقية، لم يكن ليحقق نفس النجاح في أوروبا والولايات المتحدة".

وتابع: "أو ما إذا كان هذا (هذا الفشل) بسبب أن الدول الإفريقية التي استفادت من الإنفاق الكبير للأموال لتثبيت نخب فاسدة في حكوماتها وأجهزة بيروقراطية هائلة وغير مجدية دون الاستثمار حقا في تنمية البلاد".

واعتبر الموقع أنه "بوجود قدر أكبر من حرية القرار منذ عام 2000 فصاعدا، يطالب المانحون الغربيون باحترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا يقود العديد من الحكومات إلى استخدام الموارد للحفاظ على ديمقراطية شكلية وإسكات المعارضة تجنبا لحظر القروض". 

وأضاف: أن "حرية اتخاذ القرار بزامبيا أدت إلى إدارة قصيرة النظر للموارد، مع تخفيضات لا حصر لها في ميزانيات الصحة والتعليم. لذلك، أدى ظهور الوباء إلى تفاقم الوضع القائم بالفعل، واتهام الدائنين بعدم التمديد في الآجال بينما تواجه البلاد أزمة خطيرة، يعني محاولة تحويل الانتباه الدولي عن السبب الحقيقي لعدم القدرة على سداد الديون".

واحتلت زامبيا المرتبة الـ11 من بين الدول الأكثر فقرا عام 2019، ومن المتوقع أن تحتل المرتبة الـ10 عام 2023، وكانت المشاكل المتعلقة بالاقتصاد والتحضر المرتبطة بتزايد البطالة وعدم قدرة النظام الصحي على مواجهة الوباء متجذرة قبل ظهور كوفيد 19. 

وتحاول زامبيا دوليا وداخليا، إلقاء اللوم على أطراف ثالثة في التسبب في تأزم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلد، وتعتزم تنفيذ سياسة اقتصادية تنطوي على مزيد من التخفيضات في تكاليف الرعاية الصحية لسداد الديون من خلال وضع المانحين في صورة سيئة وإنكار المسؤولية.

من جانبها، دخلت الصين القارة لاستغلالها كمنطقة اختبار لتوسيع مجال نفوذها والارتقاء إلى قوة عظمى، مستفيدة من العلاقة الصعبة بين المانحين والدول الإفريقية. 

وقامت على وجه التحديد، بتمديد بمدة 6 أشهر في سداد الديون، لذلك تبدو شريكا أكثر جاذبية لأنها لا تطلب الامتثال لأي نوع من حقوق الإنسان أو قيم الديمقراطية وتعمل كشريك تجاري وليس مجرد دائن.

وبحسب الموقع الإيطالي، يمكن أن يؤدي هذا على المدى الطويل إلى "انعكاس في عملية التحول الديمقراطي في القارة، مما يتسبب في تدهور أكبر للظروف المعيشية للسكان بسبب زيادة قمع حقوق الإنسان".

وأردف: أن "العلاقة بين المانحين الغربيين والدول الإفريقية، زامبيا في هذه الحالة، كانت على مدى عقود قائمة على المحاولة الغربية لجعل الدول النامية قادرة على المنافسة اقتصاديا وإنشاء مجتمعات تحترم فيها حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية". 

واختتم الموقع تحليله بالقول: إن "جائحة كورونا تمثل تحديا عالميا كما كانت العولمة، ويضع البلدان الإفريقية في مزيد من الصعوبات وأكثر حاجة إلى قروض خارجية، ورغم امتثال وقف صرف القروض إلى زامبيا للشروط، إلا أنه قد لا يكون القرار الأفضل على المستوى الجيوسياسي نظرا لوجود العديد من الجهات الفاعلة الدولية".